همتك نعدل الكفة
562   مشاهدة  

سيرة مختصرة للسيدة برص

برص


بوجه يشبه نموس الغيطان، وجسد غادرته الملاحة غير آسفة، وثديين مثلثين كثديي كلبة، ورائحة تشبه تلك التي تتركم تحت إبط الجن، وبين أفخاذ دجاج المزارع في أغسطس، كانت هناك.. أثنى على شكل برص ملون، تملأ الجو والفضاء بالتقافز مثل فرقع لوز أمام عيون الدنيا التي لا تحبها فعلاً.
صبية متوسطة العمر، ضعيفة الهيكل، ضخمة الأوهام، عطنة النفس، تحمل أطناناً من “الجربعة” حيث لم يتكفل التعليم غير المكتمل بإزالة أصابع الجوع العشر المرسومة على روحها. رغم ذلك، تتلوى أمام العدسات لتثبت لآخرين أنها “واحد صحيح”.
ربما تكون في الحقيقة “مريضة” تستحق العلاج، أو “ضحية” تستأهل الدعم، أو حتى مجرد “برص” مقرف لكنه لا يؤذي أحداً لإدراكه أنه أضعف بكثير من ذلك.. كان يمكن أن أراها هكذا، غلبانة مغلوبة ذات حظ قليل في الدنيا، ورحلة عذاب ندعو الله أن تنتهي بها وفيها.
لكن للأسف لم يكن لهذا كله نصيب من الحقيقية. فما الذي يجعل الإنسان مجرد “طفيل غير مكتمل النمو” سوى سواد نفسه؟ ما الذي يجعل الفيروس يدمر خلايا العائل الوحيد، إلا أنه مصمم لهذا النوع من الحقارة؟ ما الذي يجعل الثعبان ثعبانا؟ والفيل فيلاً والكلب كلباً والبرص إنسانة تتلوى أمام الكل وتنصب الشبك من هذا إلى ذاك حتى تلتهم الأرواح والأرزاق وتنشر السم وتعيش كالبراغيث وسط الفوضى والركام، إلا أن هذا هو ما ظهر على سطح الدنيا من قعر سواد روحها فعلاً؟
ملكة جمال الكاكا
حين تقابلك فهي لا تحييك، هي ببساطة “تهييك”، أن تخبرك من أنفها نصف الأخنف “هاي”، فهي ليست أبداً من مستواك يا حقير لتقول “صباح الخير”، فأنت بالتأكيد “أقل” وكلماتها لابد أن تكون “مختلفة”، حتى لو “ضرطت” فإن ضراطها بالتأكيد سيكون موزونا ليس على السلم السباعي “بتاع البهايم العادية” لكنه على السلم الخماسي “العميق الأصيل الفشيخ الأوثنتيك”، لكنك للأسف مجرد أحمق “تشم” الموسيقى ولا تسمعها.
كتلة من الثقل والغباوة والجربعة، وتاريخ طويل من الكذب والنعرة الكذابة واستهانة كاملة بكل شيء في سبيل إثبات نفسها الناقصة أمام كل المكتملين. فسواء كنت ذكراً أم أثنى، فأنت لا محالة داخل مجال “الباللو” التي تتقافز أمامك، حتى تشغل حيزاً من فراغك، هذا كل ما تريده أن يكون لها في أي مجتمع “كتلة” وفي كل وقت “حيز من الفراغ”.
كل ذكر بالنسبة لها هو “مشروع مصلحة”، ستبدأ معك ولن تنتهي بك. طريقة مضمونة جربتها من قبل وأفلحت، فهي لن تحييك حين تراك.. لكنها سـ”تهييك”، أي تخبرك وكأنها غير مكترثة من قاع أنفها الأخنق :”خاااي”، فإن سمعت هذه الـ”الهاي” الخنفاء، فلتتذكر أنها “بدأت”، وقريباً سوف تتحرك نحوك من أجل “التقليب”، وكي تبني لنفسها مجالاً أمامك، ستخبرك عن 183 تحية صباح أفضل من “صباح الخير بتاعة الجرابيع العاديين”.
فإذا كنت مصرياً، ستحييك بالشامي “كيفك”، وإن كنت مغربياً ستحييك بالموريتاني الذي تجيده بالتأكيد، أما لو كنت فرنسياً، فستغرقك بسيل من التحيات الإفريقية المحلية بست لغات لا تعرفهم أنت ولا هي، ولو أخبرتها أنك للتو قادم من المريخ فسوف تفتح فمها “بتهزر.. تعرف إحنا بنحيي إزاي في أورانوس؟.. لما تقابل حد تحط إيدك في طيزه وتقوله حرنكش حرنكش”.
لأنهم لا يموتوا فيّ
تفترض اللغة العربية ياء المنادي قبل اسمه، فتقول يا فلان.. تريد جذب الانتباه، وفي الانجليزية تقول اسمه بصوتٍ مرتفع، أيضاً تريد لفت انتباه الشخص المقصود.. أما في لغة البرص فأنت لا تعرف شيئاً
أنت لم تدرك بعد أنها تقول للكلب يا بطة، وتنادي على بائع السميط يا منتهى أملي.. فهي تسمي الناس والأشياء بأسماء أخرى.. هل تعرف صديقها سوسوك؟ اسمه الأصلي محمد، لكنه مجرد اسم عادي، وكي “تسوسوك” يجب أن تناديه باسمه “الخاص”، هل تعرف صديقتها “بيلا”؟ هي بالأساس تدعى “أماني عبشكور الحلوف”، لكنه عادي، أماني وأغاني وكلام غواني.. لذلك هي الآن”بيلا”.
ورغم أن أحداً لا يأخذ حديثها بالفعل على محمل الجد، والكل يعتبرها “خلفية بازعاج محتمل”، إلا أنها تصر على الحياة في الوهم. حتى هذه النقطة، فهي سيدة ثلاثينية تعيش حياتها من جيب غيرها دائماً، وليس للآخرين أن يتدخلوا.. بجد؟
يانهار ازرق..بالطبع لا فإذا لم يتدخلوا فهم لم يروها بعد.. وإذا لم يتدخلوا فهي عادت للمربع رقم خرا.. وهؤلاء الذين يعيشون على هذا الكوكب التعيس، هؤلاء الملاعين الذين لا يرون فيها أكثر من “صخب مزركش عديم الفائدة “، يجب أن يدفعوا الثمن مضاعفاً.. يجب أن يموتوا فيها، فإن لم يحدث، فأمامهم خيار من اثنين، إما أن “يموتوا عليها” من الحسرة أو يشعروا تجاهها بالإجلال الذي يشبه الشفقة من بعيد لأنها “ضحية عظيمة لأشياء عظيمة”.. ألم تخبركم من قبل إنها مأساة بمجرد النظر؟
عايزة أقولك سر
(تم حذف هذا القسم كاملا 2643 كلمة. كان القسم يتضمن: رحلة اللباس الدوار – أشياء في صدري.. حتى شوف – صوروني وأنا ميت – حكيمة بتدي حقن – الحجر الداير – قولهم إنك مهم – لما أموت تاني – آمبر هيرد.. طب متآمبر؟ – بهيمة هايجة في شارع تسعة )
فقة العوج
هل تشعر بالحزن؟ هي بالتأكد “أحزن منك”، وستحكي لك عن 10 فوائد للانتحار بعدما جربته بنفسها خمساً وثمانين مرة في يومين.. هل تشعر بالفرح والسعادة؟ هي بالتأكيد أكثر سعادة منك، هي السعادة الصافية، هي الروقان الكامل، هي الأسعد على ظهر البسيطة.. هل تميل للسيارات الفخمة؟ عليك إذن أن تعرف أنها لا تميل للسيارات الفخمة، لكن السيارات الفخمة هي التي تميل لها لدرجة أنها تفكر جدياً في رفع دعوى تحرش.
أما لو كنت من محبي “العوج” فستخبرك في كل لحظة أن كذا “قمر”، وقمر هنا بمعنى جيد/ كويس/ ممتاز/ معقول/ موافق/ يمكن.. وافتح القوس وحط قمر. فدبي قمر، والقاهرة قمر، والحرب قمر والدم قمر.. قمر هنا هي بوابتها للعوج، هي تحب العوج لأنها عوجاء، العوج هو أطول مسار بين أي نقطتين، وكل مساراتها “عوجة”.
ستخبرك أنها ذهبت لكوكب زحل “بس على فكرة كانت رحلة قمر”، وحين عادت استحمت بزيت السمك بدلاً من الشامبو، ليس لأنها لا تعرف الفرق بينهما لا سمح الله، لكن لأن عبوة الزيت “كانت قمر أوي”، آه نسيت أن أخبرك هناك “قمر” وهناك “قمر أوي”، وأيضاً “قمر فشخ”.
في كل مسار يختار الإنسان خطواته للوصول إلى الهدف، إذا تحركت من ميدان التحرير إلى طلعت حرب، ستدخل شارعاً يبدأ من الميدان ويتنتهي في طلعت حرب، لأنك ببساطة تريد الوصول. لكن “البرص” لا تستطيع أن تسير على هذا النهج “العادي”، فهي برص متكامل، برص مجبول على “العوج”، هدفه ليس الوصول من/ إلى، هدفه هو العوج نفسه، هل رأيت من قبل برصاً لا يحب العوج؟.. إذا لم تكن قد رأيته حتى الآن فلتحمد الله.. ولتعتبر حظك الجيد دليلاً عن أنك بالتأكيد “مش قمر”.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان