شادي عبد السلام ..العبقري الذي يستقي السينما من دم الذاكرة
-
محمد احمد
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
قبل أن ينهي المرض حياة شادي عبد السلام في صراع استمر لمدة ست سنوات، كانت كلمات المخرج شادي عبد السلام، أن الإنسان كالشجرة لها جذورها، وفروعها، وأوراقها، وأنا جذوري تمتد في أرض مصر، وفروعي تظل على هذه الأرض، تحتويها، أن مصر هي الحب الكبير في حياتي والذي لم أعرف غيره.
ولد شادي عبد السلام في محافظة الأسكندرية، تخرج من كلية الفنون الجميلة عام1955، بقسم العمارة، وبدأ أولى خطواته السينمائية بالعمل مع المخرج صلاح أبوسيف، ثم المخرج حلمي حليم.
بفيلمه الأول “المومياء” وصل “شادي” إلى العالمية، حصل على ستة عشر جائزة عالمية، منها جائزة “جورج سادول” عام 1970، وجائزة أحسن فيلم أجنبي يعرض في لندن في مسابقة نظمتها جمعية النقاد والسينمائيون ببريطانيا، وعرض الفيلم على شاشات التلفزيون البريطاني وتابعه الملايين انبهارًا به.
كتب “جيل مرميه” عن رائعة “المومياء” لشادي عبد السلام في مجلة “فيجارو” الفرنسية، يصف شادي عبد السلام بأنه”سفنكس” السينما المصرية، فهو الاسم الذي لا يعرفه إلا الصفوة في فرنسا، من خلال بضعة أفلام قليلة، قصيرة وتسجيلية، لكن “المومياء” كان حدثًا مبهرًا.
كان شادي عبد السلام يقرأ حتى تتعب عيناه، فيعهد إلى أحد طلابه وتلامذته بالقراءة بصوت مسموع في أحد كتب التراث، ثم يعلق على ما يسمع، ويشرح لتلامذته.
له طريقته الخاصة في إخراج أفلامه، يرسم كل لقطات أفلامه، على لوحات تتضمن كل التفاصيل الخاصة بالفيلم، بحيث تدور الكاميرا لتسجل لوحات إخراجه، وكان يردد دائمًا، أنه لا يستطيع أن يقدم أكثر من أربعة أو خمسة أفلام روائية في حياته، فكانت قناعته، بأن فنه ليس إسفافًا أو فبركة، بل رسالة، بعيدة كل البعد عن صفة التجارة.
لم يحقق “شادي” حلمه في إخراج “إخناتون”، قضى سنوات طويلة في التجهيز والإعداد للفيلم، كتب السيناريو، وصنع الحلي والملابس و الأثاث وعربات الحرب، وقال عن هذه التجربة:”إن مصر لم تعد تعترف بميراثها لما قبل الاسلام، وأنا أكافح هذه القطيعة، أريد من خلال السينما أن أساعد الأجيال السابقة على أن تفهم ماضيها، هذه المرآة التي ينظر فيها إلى الحاضر ليرى فيها هويته العميقة وما يثبت شرعية اعتزازه نبنله”.
وصلت ميزانية الفيلم الضخمة إلى ثلاثة ملايين جنيه، ووضعت وزارة الثقافة كل العقبات والعراقيل أمام الإنتاج، ورفض “شادي” كل العروض لتمويل الفيلم، خشية أن يملي عليه أحد رأيه، بالإضافة إلى أن كان يريد أن يظهر الفيلم مصريًا خالصًا من الألف إلى الياء.
الفيلم كان لـ”شادي” حلمًا، فكان يقول، سأعلم الممثلين حركات وأنغام من عاشوا منذ ثلاثة آلاف سنة قبل البدء في التصوير، لابد لهم أن يتعلموا المشي حفاة بصورة طبيعية جدًا في الرمال الحارقة، قال:”عندما يُحلون بالمصاغ، ويلبسون الشعر المستعار كالأقدمين والشعر المنسوج من الصرف ويرتدون الثوب الفرعوني المنسوج من القطن المصري الرقيق أو الملابس الكهنوتية بجلد الفهد في هذه اللحظة ستجري في عروقهم دماء ملوكنا، وملكاتنا وامرائنا ومحاربينا والقساوسة والكتاب، إنه دم الذاكرة أن يكونوا ممثلين، لكنهم سيصبحون ورثة”.
لكن شادي عبد السلام، العبقري، استقر به الحال وأحلامه، في مستشفى المقاولون العرب، بعد رحلة إلى ألمانيا وسويسرا، وقضى فيها 45 يومًا، وفاضت روحه في مساء الأربعاء ، 8 أكتوبر 1986، وتناثرت حول سريره لوحات “إخناتون”.
الكاتب
-
محمد احمد
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال