عائلة بني شيبة وسدانة الكعبة “ثنائية لم يفصلها التاريخ إلا نادرًا فكيف كانت قبل أن يتلاقيا”

لم تنفك الصلة بين بني شيبة وسدانة الكعبة المشرفة منذ أن بناها النبي إبراهيم عليه السلام إلا مرات قليلة، وبين الاحتفاظ بالمهنة وتركها حسم النبي صلى الله عليه وسلم بقاءها فيهم.

كيف بدأت مهنة سدانة الكعبة المشرفة ؟

قبل البدء في سرد قصة بني شيبة وسدانة الكعبة نوضح معنى السدانة وهو “مهنة وجُدت منذُ القدم وبالتحديد من عصر إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، ثم توارثتها الأجيال من بعده، وتُعرف سدانة الكعبة على أنها القيام بشؤون الكعبة من حيث إغلاقها وفتحها”.

حكى إبراهيم رفعت باشا في كتابه “مرآة الحرمين في الرحلات الحجازية والحج ومشاعرُهُ الدّينية” أنْ سيدنا إبراهيم أَوْكَل إلى ابنه إسماعيل عليهما السلام تلك المهمة حتى توفاه الله، ثم انتقلت سدانة الكعبة أولاً إلى قبيلة “طسم” وهي من سكان جزيرة العرب القدماء، فلما استخفوا بالكعبة وحرمتها وبعظمة تلك المهمة التي كانوا قائمين عليها أهلكهم الله.

بعد طسم تولت أو اغتصب المنصب من بعدهم قبيلة “جرهم” وهم السكان الأصليين لـ شبه الجزيرة العربية، فظلت عندهم فترة ولكنهم أيضًا سلكوا مسلك الذين هلكوا من قبلهم، فحل عليهم مثل ما حل على من سبقهم، ثم مرت على قبيلة خزاعة حتى لنتزعها منهم جد النبي صلى الله عليه وسلم “قصي بن كلاب”.

الخمر مع سدانة الكعبة !

يحكي كتاب مرآة الحرمين أنْ أبا غبشان آخر من ولي البيت من قبيلة خزاعة اجتمع مع قصيّ في شرب الخمر بالطائف فقام قصيّ بإسكاره، وأثناء ثمالته اشترى منه مفاتيح الكعبة مقابل الخمر، وقام بالإشهاد على ذلك، وعندما أفاق أبو غبشان من سُكره وندم قال :
أبو غبشان أظلم من قصيّ وأظلم من بني بكر خزاعة
فلا تلحوا قصيا في شراها ولوموا شيخكم إذ كان باعه
وقال آخر:
باعت خزاعة بيت الله إذ سكرت بزق خمر فبئست صفقة البادي

كيف وصلت سدانة الكعبة إلى بني شيبة

بدأت ثنائية بني شيبة وسدانة الكعبة عندما انتقلت المفاتيح بعد قصيّ إلى ابنه عبدالدار ثم عثمان ولبثت السدانة تتوارث في ذرية قصيّ حتى انتقلت إلى عثمان بن طلحة بن أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصيّ، وبعد أنْ مات عثمان صارت إلى ابن عمه شيبة بن عثمان ولا تزال في يده حتى الآن.

ذكر ابن سعد في الطبقات عن عثمان بن طلحة قال : كنا نفتح الكعبة في الجاهلية يوم الاثنين والخميس فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما يريد أن يدخل الكعبة مع الناس فأغلظت له ونلت منه فحلم عني ثم قال :” يا عثمان لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي أضعه حيث شئت” فقلت لقد هلكت قريش يومئذ وذلت . فقال : “بل عمرت وعزت يومئذ” ودخل الكعبة فوقعت كلمته مني موقعا ظننت يومئذ أن الأمر سيصير إلى ما قال.

إقرأ أيضا

دفن رأس الحسين في المدينة المنورة “حدث تاريخي لم يحدث لهذا السبب”

فلما كان يوم الفتح قال :”يا عثمان ائتني بالمفتاح” فأتيته به فأخذه مني ثم دفعه إلي وقال :”خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم.. يا عثمان إن الله استأمنكم على بيته فكلوا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف” قال فلما وليت ناداني فرجعت إليه فقال :” ألم يكن الذي قلت لك؟” قال فذكرت قوله لي بمكة قبل الهجرة لعلك سترى هذا المفتاح بيدي أضعه حيث شئت فقلت بلى أشهد أنك رسول الله .
الأمر نفسه ذكره ابن إسحاق حيث قال عندما جلس رسول الله صلى الله عليه في المسجد، قام إليه علي بن أبي طالب ومفتاح الكعبة في يده، فقال: يا رسول الله، اجمع لنا الحجابة مع السقاية صلى عليك الله، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم، أين “عثمان بن أبي طلحة؟” فدعي له، فقال: “هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم بر ووفاء”.

اقرأ أيضًا 
تاريخ نقل شعائر الحج على الهواء مباشرة إلى مصر “تسببت فيه شقيقة فنان مشهور”

وذكر أنه عندما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم المفتاح من عثمان بن أبي طلحة نزل قوله تعالي «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا» فردّ النبي صلى الله عليه وسلم المفتاح إلى عثمان وقال: “خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة إلى يوم القيامة لا ينتزعها منكم إلا ظالم” قال العلماء هذه ولاية من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل لأحد أنْ ينتزعها منهم، وإلى الآن ما زال المفتاح يتوارث في بني شيبة.