همتك نعدل الكفة
186   مشاهدة  

عن سمر علي وروايتها الأولى “بدون فصل أخير” كثير من الأحلام الخصبة .. قليل من الحقائق العقيمة

بدون فصل أخير لسمر علي
  • - شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة

    كاتب نجم جديد



عن دار ديوان للنشر صدرت الرواية الأولى للدكتورة سمر علي وطرحت للبيع بالتزامن مع معرض القاهرة الدولي للكتاب، في دورته القريبة الفائتة، ليست الرواية هي العمل الإبداعي الأول لكاتبته العزيزة، ولكن سبق الرواية إصداران شعريان باللغة الإنجليزية: Tannoura- 2009، La Cantadora- 2014، ربما لم يجد الديوانان صداهما المرغوب وقتما صدرا لأنهما بغير العربية، وربما جرى ذلك لضعف المتابعات الشعرية بشكل مستمر، للأسف، ومن ثم نشاط النقد المعني بالشعر، وقد يجدان صداهما في وقت لاحق، ما داما يستحقان، وهما كذلك بالفعل، يجدانه مع الصحوة المأمولة للمتابعة الشعرية ونقد الشعر والضمائر المسؤولة جميعا، والشعر لا يموت بمرور السنين بالتأكيد، ولا يرتبط بالروزنامة الحائطية أصلا، خصوصا لو كان صاحبه متحررا من المناسبات العابرة التي تنتهي بانتهاء أوقاتها، وسمر هكذا، كما أنها، وهذا سبب أساسي من أسباب قلة الحديث عن إبداعاتها المتميزة السابقة، لا تزاحم في ملتقيات الشعر والأدب، ولا تنافس أحدا على منزلة ما، ولا تعتمد على العلاقات التي ترفع المعتمدين عليها إلى مصاف النجوم ولو لم يكونوا جديرين بالعلياء!

الكاتبة سمر علي
الكاتبة سمر علي

سمر من مواليد العاصمة الإسبانية مدريد في 1982 (42 عاما حاليا)، تقيم في القاهرة التي حصلت على بكالوريوس طب الأسنان من جامعة عين شمس فيها، تمارس مهنتها بكفاءة واعتزاز، ولها آراؤها النبيهة النافعة في نقابتها وزملائها وكافة القضايا المتعلقة بالصحة والمرض، يحاذي ذلك ممارستها للشعر والنثر والحكي والكتابة غير المؤطرة، تعرف نفسها للناس في السوشيال ميديا على أنها “طبية أسنان، وتكتب”.. وفي أتياه تلك التكنولوجيا المغناطيسية المتوحشة لا زالت تتصف بالجرأة والاستقلال والمرح والفكاهة، كاتصافها الحياتي بهذه المعنويات، ولا زالت تبدي صورتها الحرة التي تكره القيود، مثلما تبديها على الأرض، لكنها حرية لا يمكن اختراقها البتة من طامع أو متطفل، حرية حصينة لو صح هذا القول وأضرابه. بدأت سمر الكتابة مبكرا، كما صرحت بنفسها للصحافة الثقافية، كان عمرها حوالي أربع عشرة سنة أول ما أمسكت بالقلم وحاولت تسويد بياض الأوراق، وبالأساس هي ابنة علم من أعلام الكتابة والثقافة المصرية والعربية، المترجم الفذ الراحل الدكتور علي المنوفي، والمعنى أنها متأسسة بالبداهة، لا تحتاج إلى ورش تدريبية ولا ندوات تعليمية ولا تكميلية؛ فبيت أبيها أرحب ورشة وأبلغ ندوة، ومع ذلك لم يفتها أن تمر بهذه التجارب المهمة المؤثرة.

بدون فصل أخير
بدون فصل أخير

اختارت سمر لروايتها الأولى عنوانا محفزا إلى القراءة هو “بدون فصل أخير”.. يمثل سطر العنوان (الجار والمجرور والمضاف إليه والصفة) خبرا لمبتدأ محذوف، فلنقدره الرواية؛ إذ نحن بصددها في هذا المحل، وسوف يعلم القارئ، بعد عدة قراءات أو واحدة، على حسب استعداده، هل الرواية فعلا “بدون فصل أخير”، أم هي مكتملة الفصول، وإنما دلالة العنوان أن النهاية مفتوحة، وعلى كل قارئ أن يضع لها نهاية تناسب فكره وقناعاته؟!

لدينا سلمى، بطلة الرواية، الكيان حائز السمة المتفردة بمأخذه اللطيف الدقيق وخفاء أسباب أموره (علامته الأقرب إلى العلامة السحرية المبهمة الخلاقة)، لدينا أمكنة متعددة وأزمنة متعددة (يعكس التعدد فروقا بالبداهة)، لدينا تحركات متنوعة وحكايات شتى، مصدرها البطلة بنعتها المدهش، يخلق التفاعل بين هذه العناصر المركبة حياة ملتبسة كأنها الواقع وكأنها الخيال في آن واحد (إشارتان هنا، واحدة إلى تشابههما المحتمل ذي المردود الخطير، وفي العادة لا يخطر بالبال؛ فلا يقع الالتفات إلى ظهوره الجائز، ومن ثم لا يقع التركيز عليه بالمرة، والثانية إشارة إلى استحسان خفض ميزان تشابكهما المثير للمشكلات، بآلية معتبرة توازي حدة تعقيدهما، لأن ضلال الرؤية نتاج اتصالهما الكامل، وكم هما معاندان قديمان لا يرعويان، ولأن التمويه المفسد لجوهر كل منهما يحدث بتلاحمهما المطلق)، تندفق المشاهد مزدحمة التباينات بكيفية متذبذبة محيرة لا محالة (خليط من حياتين شتان ما بينهما، فيما استقر بالبواطن على الأقل، الحياة الواقعية والحياة الخيالية)، وبالتبعية لا يتبين القارئ المتطلع إلى الآفاق الملونة الممتزجة بكلياتها موضع قدمه: أفي الواقع هو أم في الخيال؟، لكنه يكون جمع كنوزه المعرفية المدججة بالمفارقات قطعا، بطريقة الاستنتاج الناشئ من توقد الذهن وإشراق الوجدان؛ لأن المشاهد المندفقة بالكيفية المذكورة تكون أفضت إلى ظلال نفس الكيفية، وما أشد غنى الظلال على الرغم من تضارب الحصاد، هذا بعض بهاء الرواية (الغموض الشخصي المثمر+ التعدد البيئي+ التصنف التحركي+ التفاوت الحكائي= الثراء المعرفي الناجم عن الاكتشاف مريحا كان أم صادما)، وقد جاءت اللغة الروائية مناسبة لهذين العالمين النقيضين (عالمي الواقع والخيال المتداخلين)، زبدة الاتحاد النهائية المؤهلة إلى الرسو على أحد شاطئي الوجود، لو أريد أحدهما بمعزل عن ما يلاصقه، ولو كانت هذه هي وسيلة الفرار من العدم، ولعله من المهم أن ألمع توا باستفاضة، إضافة إلى إلماع قصير تقدم آنفا، إلى أن الرواية، بكل أبعادها، لا تحوي نفيا، بارزا أو مستترا، لكون القدر المعقول من رمال أحد الشاطئين لا يضر لو لحق برمال الشاطئ الآخر الذي لا يعادله، لكنها بالضرورة تطعن في امتلاء المرآة بصورتين هائلتي الحجم متضاد إيحاؤهما، غير أنهما قد تبدوان متطابقتي الإلهام بخديعة ناجعة، خلافا للمنطق الذي لا يقبض ذرة لتطابقهما، أي تنشد الرواية أن يتحقق المحدق إلى المرآة، عندما يجاوره أمامها كائن يريبه، من وجهه الفعلي الذي يعتقد أنه يحفظ قسماته أتم تحقق ممكن (رسالة للعالم لئلا يتوه عن ملامحه بحيلة توافق المتعارضات).. جاءت لغة الرواية، رجوعا إلى سيرتها، ثقيلة كالواقع في أحايين وخفيفة كالخيال في أخرى، واستخدمت الروائية خبراتها العامية، بجانب الفصحى الأصلية، معبرة عن الشخصيات بطبائعها وفطراتها، من غير أن تحمل الألسنة العادية فوق الطاقة.. من العبارات المفتاحية في الرواية: “أحب الوهم؛ فما على الأرض شديد الوطأة على روحي”.. أظن اللعب على حبلي الواقع والخيال، بالتبادل، ما يماثل الحقيقة والحلم، واضحا للغاية بهذه العبارة الترجيحية (أخيرا حصل تحبيذ الحلم بعد مقارنة رقته بغلظة الحقيقة).. هذه الرواية كما لو كانت بناء راسخا كثيف الطوابق ومختلفها أقيم بساحة فضاء فسيح متغاير الأحوال كإذكاء للنار بالنفخ (معركة تجاذب الأشباه والأضداد وتنافرهما، باللفظ والدلالة، إلى الحسم)..

 

لا أود حرق الرواية الجديدة بذكر ما تشتمل عليه تفصيليا؛ كأنني أحللها للجمهور في إحدى القاعات المتخصصة، ولكن أود العبور الخاطف بصفحاتها، الخلاصة بالذات، تاركا للقراء فرصتهم في تفصيصها وتذوقها واكتناه جمالياتها وإدراك نقائصها، وإن رأيتها نقائص صغيرة تتصل بهفوات البدايات الروائية وهنواتها، إجمالا، أكثر مما تتصل بالرواية نفسها، نقائص لا أضع يدي عليها في هذا المقام، ولا أضرب للمتلقين أمثلة بشأنها، لكنني أدعهم يحاولون بلوغ أحرفها بأنفسهم، وعلى كل حال ليس ما أراه أنا مثلبة قد يراه غيري مثلبة بالتساوي، وجهات الأنظار ليست واحدة، والاتفاق الوحيد المضمون هو أن الصنيع البشري لا يخلو من شائبة، يمكن حصر النقائص التي رصدتها، بوجه عام، في ارتباك خفيف تسيد بعض المواضع في الشكل والمضمون، كنتيجة طبيعية للاستعجال قرين البواكير، وهو ما يستطاع تلافيه بسهولة في القادم المرتقب، ويمكن أيضا حصر ما أسماه حدسي نقائص في كسل استيفاء المراجعة والإحكام حقهما، مما ينتج عن الضغط والإجهاد الشاسعين غير المعتادين، إلا أن العمل شيق وملهم حقا، الروح السارية فيه قوية، والجسد المنظور سليم الشرايين حي الأنسجة صادق التماسك، يفصح عن روائية بدأت واثقة إلى حد كاف، ولقد وددت عبورا خاطفا بالرواية من خلال التركيز على شخصية البطلة الأم، أعني سمر لا سلمى بالطبع، وإن كانت سين سمر كسين سلمى بالتمام والكمال، وقد كنت تعرفت بسمر، وجالستها، مرارا وتكرارا، بحكم صلاتنا الافتراضية الطويلة، ووجود مشتركين أعزاء بيننا، وبمدى التعرف والمجالسة، يقنت أن وراء سكوتها وكلامها ما ييسرها لمفاجأة العالم بأطروحات بديعة واعية من خلال رفقة المحابر وما إليها، مثل ذلك على الدوام، فضلا عن إنسانيتها الراقية الرائعة الآتية من نبع أصيل كريم، والإنسانية قد تتدخل في تعابير الكاتب، كتدخل خبراته المهنية الوافرة بالضبط، ولكن الإنسانية لا تفرض نفسها على المتلقين ولا المهنية، مهما جادتا، أقصد، باختصار، أن هذاك تصرف سمر فيما تملكه، أما عن كتابتي أنا لبسيطة المبدئية هذه، والتي أرجو صواب تقديراتها وصواب وجهاتها معا، كما أرجو أن تثيب المهتمين نفعا، فهي ما أردت أن أعضد به فرحتها الغامرة بروايتها الأولى التي طالما انتظرت صدورها بفارغ الصبر، وكنت شاهدا على الموضوع، ومترقبا ما تترقبه، من موقع الصداقة الفعالة، وناويا أن أكتب عن وليدها الروائي البكر يوم تقر به عينا! 

إقرأ أيضا
حازم إمام

الكاتب

  • سمر علي عبد الرحيم طايع

    - شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة

    كاتب نجم جديد






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان