عندما ذكر أحمد شوقي فنار المكس في قصيدته..!!
-
مريم المرشدي
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
الطريق من البلد إلى العجمي.
عند منطقة المكس يوجد طريقين، طريق يتجه للبحر وطريق آخر داخلي مختصر في المناطق السكنية، وكلا الطريقين يؤديان لمنطقة العجمي.
اقرأ أيضًا
أول شهداء مصر في الحملة الفرنسية “زوجين من العجمي كادا يقتلا نابليون”
كنت بجوار ذلك السائق الستيني البشوش، الذي كان يمزح مع الركاب ويتحدث معهم، وكعادتي اتخذت المقعدين الأماميين مكانًا لي بعيدا عن الإزدحام بالخلف، وكعادتي أيضًا كنت أدفن رأسي في كتاب أنشغل به عن المسافات.
ارتباطي بالمكس غامض وغريب، أترقب الوصول إليها لاتطلع للبحر الثائر، الممتد بلا خوف، لأتأمل أبعد نقطة في الأفق، نقطة التقائه بالسماء، يعانق الهواء المشبع باليود أوردة رئتيّ وأنا أرى الصيادين يفرشون أسماكهم الفضية ويفترشون الأرض تحت شماسيهم ومظلاتهم وهم ينتظرون أرزاقهم، أغار من رفرفة أجنحة طيور النورس المحلقة بين الغيوم الرمادية وهي ترمي ابتهالتها وسط الأمواج وأنا آمل مصاحبتها يومًا ما، تُذلّل المسافات الطويلة التي باتت تشبهني، وتهون ساعات الارتحال لأجل تلك الدقائق التي أقضيها في المكس.
ظهر الفنار علامة على وصولنا للمكس، ذلك الفنار الذي لم ينسه أمير الشعراء أحمد شوقي في منفاه بالأندلس ونظم عنه الأشعار في لوحة ملهمة بديعة صورها فكتب:
نفسي مرجل؛ وقلبي شراع بهما في الضلوع سيري وأرسي
واجعلي وجهك الفنار ومجراك يد الثغر بين رملٍ ومكسِ
الفنار يقبع منذ أكثر من 120 عامًا كحارس أمين ومرشد للسفن والصيادين، وشاهد أيضًا على أحداث تاريخية مرت على مدينة الإسكندرية، مثل خروج الملك فاروق ودخول الإنجليز للبلاد، والفنار ليس مهجورًا ويقوم بمهمته في إرشاد السفن حتى الآن، وإذا لم ير قبطان السفينة المتجهة لميناء الإسكندرية أضواء فنار المكس الكبير والصغير بشكل متطابق قد يعرض ذلك السفينة للسير خارج الممر الملاحي.
والمكس مشتقة من المكوس، وهي كلمة تعني الضرائب والجمارك على البضائع، وقد جذبت المكس والمنطقة حول الفنار بطبيعتها البكر العديد من المخرجين لتخلد في عدد من الأعمال الفنية مثل مسلسل نور الشريف عرفة البحر وفيلم أحمد عز ” الشبح ” وكذلك فيلم أحمد رزق ” حمادة يلعب ” وأيضًا فيلم عبلة كامل “بلطية العايمة “.
رفعت رأسي عن الكتاب الذي بين يدي ونظرت للبحر، حاولت استنشاق أكبر جرعة من اليود داخل رئتيّ، فسلك السائق واستكمل الطريق ناحية البحر، وحين انتهي الطريق أعدت عيني إلى كتابي، فابتسم الرجل وهو ينظر للطريق أمامه ثم قال :
– انتي لابسة نضارة شمس صحيح بس عنيكي كلها شجن…نظرتك للبحر غريبة، جواكي تمرد زي امواجه…أنا اول مرة اشوف حد بيبصله كده…سيبيها على ربنا يا بنتي، هو عنده الحل والفرج !!
نظرت إليه وابتسمت ولم أعلق، وعدت لأدفن رأسي في كتابي الذي صارت صفحاته بيضاء كالرحمة المبعوثة في قلوب الأنبياء والرسل، فلم اقرأ أو أركز في كلمة غير كلمات ذلك السائق البشوش.
يوليو 2018
الكاتب
-
مريم المرشدي
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال