همتك نعدل الكفة
195   مشاهدة  

في مديح بيت الراحة !

بيت الراحة
  • - شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة

    كاتب نجم جديد



بيت الراحة المكان الذي يقضي فيه الإنسان حاجته (يتبول ويتغوط) شديد الأهمية.. مكان حيوي للغاية، لا يكاد الإنسان يفارقه بطول يومه، ولا يخرج منه الإنسان كما دخله البتة، وطالما يدخل أماكن ويخرج منها كما دخل، مع أنها فوق المرحاض عملا وسمعة .. (اسمه بيت الراحة، المرحاض، والمغتسل، والحمام، والكنيف، ودورة المياه، وبيت النظافة، وبيت الخلاء)

هذا المكان الحميم مظلوم، كصندوق القمامة وما إليه، ففي الوقت الذي يجب فيه أن نشكر المخترع الذي اخترعه، كشكرنا للذي صنع هذا الصندوق الكبير ووضعه في الشارع ليستوعب قمامتنا بدلا من إلقائها في نهر الطريق، ننسى المخترع بل الاختراع نفسه بطول ما نتكلم ونتحاور، وإن كنا لا نستغني عن خدماته ساعة من ليل أو نهار.. (المسجل باسمه الاختراع هو جوزيف براماه في عام 1778، وكان سبقه السير جون هارينجتون في عام 1596، اخترع حماما بسيفون، ولكن العالم تجاهل اختراعه في حينه).

بيت الراحة
السير جون هارينجتون

الباحث في التاريخ سيجد حمامات لدى الفراعنة، كانوا يهتمون بكل الأشياء طبعا وكانوا سباقين عموما، ولن يجدها في عصور تلت عصور الفراعنة بكثير، كعصر النبي الكريم؛ فالثابت أن الحمامات لم توجد في عصر المدينة الأول على الأقل، وهنا لا أحب أن يستعجب القارئ من وجودها في زمن الفراعنة السحيق وانعدامها، في فترات معينة، بعده؛ فالحضارات تثبت وتمحو ولا تثبت فقط، ولكن الاحتياج الملح إلى الشيء هو ما يحدد في النهاية خلوده أو اندثاره..

بيت الراحة
مرحاض من العصر القديم

يهمني الوقت الحالي طبعا، وقد تطورت الحمامات تطورا هائلا، كما يمكن أن يعرف الذين يدخلون القصور والفلل والأبراج الفاخرة وفنادق النجوم الخمسة، أعني تطورت أشكالها وألوانها ومساحاتها وأدواتها، ولكن الوظيفة السرمدية بقيت على حالها المعتاد؛ فالوظيفة المحددة هي أن يتخلص البشريون من فضلاتهم في الحمامات فيدركون الراحة أو تدركهم، ولذا كان من بين أسماء الحمام بيت الراحة، كذلك أن يستحموا ويتنشفوا ويتعطروا فتتبدل بألوانهم القاتمة ألوان رائقة، وقد يبالغون في صب المياه يوميا على أجسادهم لمزيد من الصفاء!.

اقرأ أيضًا 
كيف قتلت الحمامات الفيكتورية مستخدميها؟

بالرغم من التطور الذي جرى ما زال حمامنا المصري البلدي يعمل، ذلك الذي تم إبدال الإفرنجي به في معظم البيوت والساحات والمقاهي والمطاعم والأندية والشواطئ والمؤسسات والهيئات وغيرها، كان تجويفا أرضيا عميقا والإنسان يضطر إلى القعود الكامل ليبلغه، لكنه ما يزال موجودا في القرى والنجوع بل في المدن الكبيرة لكن بنسب أقل بكثير مما فات، ومن الأجيال المتعاقبة من عرف ذلك الحمام واستعمله، ومنها من لم يعرفه قط، ولم يستعمله بالمرة، وقد يسمع حديثا عابرا عنه ولا يهتم، أو يعده أثرا منقرضا بقيت بشأنه بعض كلمات.

الحمام الافرنجي
الحمام الافرنجي

الحمام، في تصوري الخاص، من أهم الاختراعات بأمداء الدهور، ومهما جادت الأزمنة باختراعات عظيمة، كالمصباح والهاتف والكمبيوتر وشبكة الإنترنت، وكم تجود، فإنه يبقى واحدا من الاختراعات التي يسرت الحياة بالفعل، ولولاها لعسرت تماما، إلا أن المشكلة الكبرى تكمن في تعاملنا مع هذا المكان الضروري.. نعامله على أنه حاوي أوساخ وحاضن شياطين، ننسى أن الأوساخ أوساخنا، وإن كان طرحها عن البدن شفاء، وأن الشياطين الحقيقة هي خواطرنا الشريرة، وأما الكائنات الشيطانية الخفية فتصرفها الشجاعة وتصرفها التعاويذ، لمن يعتقدها، ويصرفها الإيمان القوي بطاقة الخير الغالبة!

يرتبط المكان بالجنس ارتباطا وثيقا، الجنس الحلال أحيانا (سيما في أوائل الزواج مع المبالغة في الاغتسال لإنعاش الأجساد)، والجنس الحرام كثيرا؛ فهو مكان شديد الخصوصية، وآمن تماما، ندر أن يقتحمه إنسان ما دام بداخله آخر، ومن الآداب، بالمناسبة، ألا يستعجل إنسان إنسانا بداخل الحمام؛ فالاستعجال، إلا لظرف طارئ، قلة ذوق متناهية، والحمامات سوح لكل ما هو خفي في العموم؛ فممارسة العادة السرية مع بدايات البلوغ تكون فيها غالبا، وتدخين المراهقين الخائفين من الكبار..

إقرأ أيضا
إعادة التجسد

لا بد من احترام الحمام أولا وأخيرا، العناية الفائقة به من كل الجوانب، وعدم اعتباره مكانا نجسا، بمنطق ديني تقليدي صارم، بل الواجب اعتباره مكانا يطهر الإنسان من النجاسة، والفارق كبير بين المنطوقين بالتأكيد.

لم أشأ أن أتحدث عن محبة الحمام، فقد يكون الأمر منفرا أو مقززا لدى الأكثرية من الناس، لأن مواريثهم الدينية والاجتماعية ركبتهم، لكنني أحبه، وأتمنى أن أجد أعدادا وافرة من الناس مثلي على خط الفهم، والمعنى تقدير ما يقوم به وتثمين وظيفته! 

الكاتب

  • بيت الراحة عبد الرحيم طايع

    - شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة

    كاتب نجم جديد






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان