همتك نعدل الكفة
1٬383   مشاهدة  

في مطبخنا جرذ صغير !

المطبخ


في هذا الشهر (أغسطس) وفي الحادية عشر مساءً هفني الشوق وتاقت نفسي للآيس كريم، فما كان منا إلا أن هاتفنا محل مشهور للجيلاتي في الإسكندرية،  ليأتي الديلفيري حاملًا علبًا بها الكثير من الحليب وقليل من المانجو والليمون كما طلبنا. أخبرت شقيقتي بأنني سوف أجلب ملعقتين صغيرتين لي ولها من المطبخ، فأنا لا أعترف بتلك الميني ملاعق البلاستيكية التي لا تشفع ولا تنفع، مقعّرة تلتصق بقطع الجيلاتي ولا تتركها تنزلق في فمي، تمد بوزك لتشفطها بعنف، ولكنها لا تنشفط، تحاول أن تلملم بقاياها بلسانك ولكن هيهات، والجو حر والواحد مش ناقص فرهدة، وفي أحيان كثيرة تنكسر تلك الملاعق وأنت تحفر بها أخاديد في علبة الأيس كريم لأن يدها قصيرة، لذلك فإنني من هذا المنبر أناشد جميع منتجي تلك الملاعق البلاستيكية أن يصنّعوها لتكون مسطحة، أو ضد الإلتصاق، وأن تكون أقوى وأمتن، وأن تكون ذات يد أطول.

تسمرت في مكاني وأنا أعبر باب المطبخ وأنير مفتاح الإضاءة، رأيت هذا الجرذ الصغير يلهو بجوار سلة القمامة ويحاول الصعود ليأكل منها، لبضع ثوان كنت أتخيل أنني أحلم، فتلك هي المرة الأولى منذ وفاة والدتي التي أتعرض فيها لمثل هذا الموقف، وكان كل ما دار في رأسي حينها صوت أمي وهي تقول : فار في البيت !!…دي كارثة!!!

كانت أمي رحمها الله مديرة إدارة قسم مكافحة الجرذان بوزارة الصحة، وكنت أعتقد أنني استفدت كثيرًا من خبرتها في هذا المجال، ولكن هيهات أن يجتمع فأر وامرأة في مكان واحد، يصير الفأر فأرًا، وتنسى المرأة كل شئ تعلمته واختبرته، أو أخبروها به، أو عملت مثلًا في مجاله لمدة 36 عامًا فتقول: “فار في البيت!!…دي كارثة!!!” الأمر أشبه بضرتان، لا تجتمعان في مكان واحد إلا وكانت مشاعر الريبة والقلق والذعر الشديد من بعضهما البعض تُحلق في الآفاق، ولا ترتاح إحداهما وتهدأ إلا إذا طردت الأخرى من المكان، بعكس المشاعر التي تخيم على رجل وفأر في مكان واحد، يتركه الرجل حتى يرحل من تلقاء نفسه مثلما حكى لي صديقي حامد منذ سنوات عن قصته مع فأر دخل منزله، أو يطعمه خبزًا ولبنًا كما أخبرني خطيبي العزيز سيف كما فعل مع فأر وصارا صديقين، فكان يحدثه وهو يطعمه ويقول : أنا وانت شبه بعض بس للإسف إنت أتعس مني حظًا !، وهو أيضًا تركه يرحل من تلقاء نفسه.

المطبخ

تحدثت أنا وسيف عن الفئران، ولأنه ماركسي فقد كان يرى طبقية في التعامل حتى مع الفئران، فهنالك فئران مجاري سوداء وفئران معامل بيضاء، وعندما خيرني ما بين أن أكون فأرًا أبيضًا مرفهًا في المعامل لا يشمأز البشر منه، أو فأر مجاري أسودًا يتقززون منه ويكرهونه، كان ردي : الفار الأبيض بيتهرى اختبارات وتجارب وعقاقير، الفار ده مش حر نفسه، بيتمسك وبيمشي ببرامج البشر دول هما اللي حطينها ليه، ولو عليا أختار فحختار إني أبقى فار إسود، الناس مش قبلاه هما حرين، بس هوا حر نفسه، وصحيح بيموت في الآخر، بس هوا الفار الأبيض مش بيموت برضه ؟؟!!

صمت قليلًا وأجاب : أنا كنت حارفض الخيارين وأسيب المدنية كلها بمجاريها و معاملها، وأروح أي غابة محترمة، أموت بكرامتى هناك، مش أموت على إيد قطة هابلة !!!

 

ضحكت كثيرًا، ولكن في نفس الوقت كان عليّ التعامل كامرأة مع مثل هذه “الكارثة” كما أخبرتني أمي، كان علي طرد الفأر أو قتله، وضعت له السم فلم يأكله، لأنه كان – ابن الكلب – يأكل من البطاطس التي أخزنها تحت حوض المطبخ، وبالطبع لم أستطع الإقتراب منها ومن مكان تواجده في المطبخ حتى يرحل، وكان الحل هو اللازقة، وفي الواقع أنها إختراع عبقري ومدهش، يقيده تمامًا فلا يستطيع الإفلات ولا الحركة، وبالفعل أتت بمفعولها، قيدته تمامًا وأغلقت شقيقتي العبوة فوقه ونزلت به لحارس عمارتنا فدهسه بحذاءه، وأدركت حجم الكارثة التي تحدثت عنها أمي رحمها الله في تنظيف مخلفاته وفضلاته والتخلص من رائحته حتى وإن أُمسك حيًا يُرزق.

المطبخ

إقرأ أيضا
المطبخ

كلا لم تنتهِ القصة عند ذلك، ففي كل يوم أسمع صرير رفيق له عند شباك المطبخ من الخارج، يأتي دومًا فجرًا عندما اتناول فطوري، ينتظره كي يبادله الصرير، ولا أعلم في الواقع ماذا يظن الرفيق في الخارج، هل يظن أن رفيقه قد نساه أو تكبّر إذ وجد مكان يأويه وطعام باذخ كثير، ويريد أن يذكره بأيام رفقتهما ؟؟!! أم يعلم أنه الرفيق قد قُتل تحت حذاء حارس عمارة ويأتي يوميًا لينعيه ؟؟!! وهل يوجد مثل هذا الوفاء بين الفئران البيضاء ؟؟!

ربما في المرة القادمة – التي أرجو ألا تتكرر – سوف أعرف ذلك !!

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
5
أحزنني
0
أعجبني
2
أغضبني
0
هاهاها
4
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان