“قرارات سبتمبر 1981م” كيف بدأت وتفاصيل خطاب مرمي في السجن زي الكلب ؟
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
وصلت ذروة الخلافات بين الرئيس محمد أنور السادات ورموز المجتمع المصري إلى حد الصدام، حيث جرت قرارات سبتمبر 1981 والتي انتهت في 72 ساعة باعتقال 1250 شخصًا يمثلوا كل أطياف المجتمع.
اقرأ أيضًا
ماذا شاهد المصريون يوم الإعلان عن اعتقالات 5 سبتمبر 1981 م
التبريرات الرسمية تقول أن السادات أجرى حركة اعتقالات موسعة لكل معارضيه من كافة الأطياف، سواءًا الإسلامية والمسيحية والليبرالية والحزبية والصحفية، وذلك حتى لا تستغل إسرائيل حوادث الفتن الطائفية في الزاوية الحمراء، والخلافات السياسية فتؤجل عملية تحرير سيناء في 25 إبريل 1982 م.
قصة اعتقالات سبتمبر 1981 م .. البداية من بيان
بدأ القبض على 1250 شخص تنفيذًا لقرارات التحفظ يوم 2 سبتمبر 1981 م، وحينها لم يعرف المصريين شيئًا إلا ببيان أذاعته وزارة الداخلية مساءًا وتم نشره بالصحف في اليوم التالي.
كان بيان الداخلية يشير إلى أنه تم القبض على كافة العناصر المحرضة من المسلمين والمسيحيين في حادث الزاوية الحمراء الذي وقع في يونيو من نفس العام، وقال بيان الداخلية «سيعلن السيد الرئيس حقائق هذه العناصر خلال خطابه أمام ممثلي الشعب».
لكن في 3 سبتمبر بدأت أوسع عملية اعتقالات منذ قيام النظام الجمهوري في مصر، إذ تم التحفظ على عدد من الصحفيين والمحامين والمشتغلين بالحياة العامة وإحالتهم جميعًا إلى المدعي العام الاشتراكي للتحقيق السياسي معهم.
إلى جانب تلك الاعتقالات تم سحب ترخيص بعض الصحف الدينية التي تصدرها الجماعات الإسلامية مثل «الدعوة، الاعتصام، المختار الإسلامي»، وإلى جانبها بعض الصحف المسيحية مثل «جريدة وطني، مجلة الكرازة»، وكانت الأخيرة هي الناطقة الرسمية بلسان الكنيسة القبطية وتصدر شهريًا ولا زالت موجودة، بينما جريدة وطني هي أكبر الجرائد الأسبوعية المسيحية انتشارًا حتى الآن؛ إلى جانب ذلك تم سحب تراخيص جرائد «العمل، الشعب، الوفد».
الصحف الحكومية قالت «حاولت بعض العناصر المعارضة أن تصور لوكالات الأنباء، أن الإجراءات التي اتخذها الرئيس السادات هي لقمع المعارضعة، وقد وضع بعد التعرف على الحقائق أن الإجراءات هي أولاً وأخيرًا لاتخاذ موقف حاسم وقاطع للقضاء الكامل على جذور الفتنة الطائفية، وإذا كان بعض من المعارضين قد شملته الاجراءات فإن هذا البعض هو الذي ثبت عليه أنه قام بنشاط أو اتصالات لاستثمار الفتنة الطائفية بهدف النيل من استقرار مصر ووحدة أبنائها ونضالها الناجح من أجل البناء، وقد وضح من عدد المقبوض عليهم واتجاهتهم أن عدد المنتسبين إلى الأحزاب المعارضة لا يمثل إلا قلة كان لها اتصالها بالعناصر الدينية المتطرفة المسلمة والمسيحية التي ثبت اشتراكها في إثارة أحداث الفتنة، وكان الاتصال بهدف استثمار الموقف وإشعال النار».
جريدة الأخبار عقبت على كل ذلك بخبر يوم 4 سبتمبر 1981 بقولها «خطاب الرئيس السادات غدًا سوف يكشف بالتفصيل كل مؤامرات أحداث الفتنة الطائفية، سيتحدث الرئيس كما عود الشعب بمسئولية كبير العائلة المصرية الذي يرعى المسيحيين بمثل ما يرعى المسلمين من أبناء الشعب لأنها مسئوليته الأولى كحاكم مسلم يطبق تعاليم الشريعة الإسلامية القائمة على التسامح والمودة واحترام كل عقائد الأديان».
يبدو أن السادات كان يجهز مبكرًا للخطاب إذ كان موجودًا في الإسكندرية من أواخر أغسطس 1981 م، ولم يقطعه عن الإعداد للخطاب سوى حضوره جنازة حما نائب الرئيس، في الأول من سبتمبر 1981 ثم عاد وأكمل الإعداد للخطاب الذي ألقاه يوم 5 سبتمبر.
ما قبل خطاب السادات بساعات
قبل ساعات من إلقاء الخطاب عرف المصريون من الصحف أن الرئيس السادات لن يلقي خطابًا مكتوبًا، وإنما سيكون مرتجلاً إذ اعتمد في خطابه على نقاط كثيرة وملفات تضم تقارير شاملة عن المحرضين للفتنة، وسيكون حطاب الرئيس بمثابة حديث من القلب إلى الشعب يشرح فيه أبعاد الأخطار التي يمكن أن تفجرها أعمال الفتنة الطائفية والتعصب الديني.
جريدة الأهرام وصفت الخطاب من قبل إلقاءه بأنه إعلان ثورة في العمل الداخلي، وأن خطاب الرئيس يمثل بداية مرحلة جديدة من المواجهة الكاملة لكل المشكلات وأشكال الانحراف والتطرف والتسيب، وهي مرحلة يمكن بكل الثقة وصفها بأنها ستكون ثورة في العمل الداخلي تبدأها مصر من اليوم.
نجيب محفوظ تكلم عن الخطاب في عامود وجهة نظر على الأهرام وقال في بدايته «بشرتنا الصحف بأن الرئيس سيلقي بيانًا هامًا عن الفتنة الطائفية وأنه يعتزم معالجتها من جذورها، كما يعتزم القضاء على التسيب وتطهير البلاد من ويلاته، ونحن ننتظر ذلك بقلوب مليئة بالأمل، وعلى يقين من أن الرئيس قد تصى أسباب الفتنة ما ظهر منها وما بطن وأنه سيعالج كل سبب بما يناسبه متوخيًا غاية وطنية وإنسانية لا خلاف عليها، وهي أن يتمتع كل مواطن بالأمن والأمان والسلام والحب وأن يمارس وجاباته وحقوقه في جو من المساواة المطلقة، جدير بمصر ذات التاريخ المجيد والأصالة العريقة».
ولم يتخلف أنيس منصور عن تعليقه على الخطاب إذ قال «سلامة مصر من بعض أبناء مصر، فليس من هؤلاء الأبناء إلا واحد يريد لمصر أن تكون أم الدنيا وأجمل حفيداتها ولكنه لا يعرف كيف ويصور له حبه العظيم لبلده أنه هو وحده القادر على ذلك وينسى أن الحب وحده لا يكفي».
خطاب السادات قراءة رقمية
في الساعة السادسة من مساء 5 سبتمبر سنة 1981 م وخلال الجلسة المشتركة بين مجلسي الشعب والشورى ألقى الرئيس محمد أنور السادات خطابًا مرتجلاً مدته 4 ساعات إلا بضع دقائق.
لا زال الخطاب متوفرًا ومتاحًا لكن به جزء مفقود من بدايته، ويصل عدد الكلمات المفقودة إلى 2236 كلمة بمقدار نص ساعة أو تزيد قليلاً.
هاجم السادات في الخطاب كل أطروحات من اعتقلهم، ووصل إلى هجومه إلى الشتيمة، حيث قال السادات جملة «أهو مرمي في السجن زي الكلب» عن إمام مسجد القائد إبراهيم الخطيب أحمد المحلاوي والذي هاجم السادات بعائلته.
تكررت كلمة البذاءة في خطاب السادات 6 مرات واصفًا بها خطب أئمة الجماعات الإسلامية أو كلام المعارضة المدنية، التي تهاجم السادات، وذكر السادات اسم شنودة مجردًا من اللفظ البابوي (البابا) أو الكهنوتي (الأنبا) 4 مرات، بينما قال لفظ «رئيس الكنيسة» مرتين واتهمه علنًا بأنه أضر الأقباط لأنه يريد أن يكون زعيمًا سياسيًا.
بينما ذكر الحزب الوطني 18 مرة، من ضمنها خلال نفيه أنه متورط في أحداث الزاوية الحمراء إذ قال «والله اذا كان الحزب الوطنى مسئول عن الزاوية الحمراء والله لو انشنق فيه 10 ما يكفونى .. انما لو ما هوش كده .. طيب ليه قلة الحيا بقى ؟ وليه ضرب الوحدة الوطنية فى البلد .. ليه ؟ ليه ؟».
قرأ السادات خلال الخطاب 6 آيات من القرآن الكريم خلال 3 ساعات، أخطأ في آية واحدة عندما قال «وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم»، ليتدارك خطأه بعد ذلك ويقرأها صحيحة «وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا».
أما باقي الآيات فهي «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»، وقول الله تعالى « وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ۖ»، وقوله سبحانه « قُلْ يَٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ ۚ»، وقوله تعالى «إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِۦ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ».
بينما كانت الآية الأخيرة التي قرأها هي خواتيم سورة البقرة خلال نهاية خطابه بعد إعلانه قرار عزل البابا شنودة من منصبه وتشكيل لجنة خماسية من الأساقفة.
جمل صارت كوميك مع الزمن في قرارات سبتمبر 1981 م
بعد 20 سنة من خطاب 5 سبتمبر 1981 م عُرِض فيلم أيام السادات والذي تناول ما يخص قرارات اعتقالات سبتمبر، ومع تطور السوشيال ميديا حفظ التاريخ جملاً من الخطاب صار بعضها كوميك ساخر.
على رأس تلك الجمل مقولة «غسيل في بلكونة مواطن، نزلت منه مية على غسيل في بلكونة مواطن اللي تحتيه، والظاهر إنها مية مش ولابد يعني» التي ذكرها أحمد زكي في مشهده التمثيلي، وقد ذكر السادات في الخطاب كلمة الغسيل مرتين، كانت الأولى عندما قال « بعد خمس أيام من النزاع الأول أمر بين أسرتين وبلكونتين محطوط فيهم غسيل وقع علي بلكونة من التانية ميه مش تمام»، أما الثانية فكانت «يعني الجماعة بتوع البلكونتين دول حكاية عادية جدا .. بيدلقوا الجردل جه علي الغسيل يعني الحركة دى بتجري كل يوم وداخل العائلة الواحدة وداخل البيت الواحد وداخل القرية الواحدة».
ثاني تلك الجمل «الديمقراطية لها أنياب»، وقال قالها السادات في خطابه نصًا « لن يقع إنسان فى غلطة واحدة بدون أن يحاسب بالقانون انا قلت كده ان الديمقراطية لها انياب أشرس من الدكتاتورية».
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال