همتك نعدل الكفة
1٬096   مشاهدة  

قصة اعتراف إسرائيل بتنفيذ اغتيال يحيى المشد “استعانوا بعالم ذرة عراقي”

اغتيال يحيى المشد
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



مضت 10 سنوات على اغتيال يحيى المشد عالم الذرة المصري في عملية نفذها جهاز الموساد الصهيوني، ثم جاء كتاب عن طريق الخداع والذي حمل اعترافًا هو الأول من نوعه والأخير على قيام الموساد بالعملية.

الكتاب الذي أغضب إسرائيل

غلاف الكتاب بطبعته الإنجليزية
غلاف الكتاب بطبعته الإنجليزية

ثارت ثائرة إسرائيل لأول مرة على المستوى الرسمي ضد كتاب يصدر عن جهاز مخابراتها الموساد، خاصةً وأن كاتبه فيكتور أوستروفسكي كان عميلاً لجهازها.

مايكل جيه دونتزين - القاضي الذي أصدر حكم منع الكتاب
مايكل جيه دونتزين – القاضي الذي أصدر حكم منع الكتاب

رفعت إسرائيل قضية على الكتاب في سبتمبر عام 1990، وتمكنوا من إقناع قاضي المحكمة العليا في مانهاتن مايكل جيه دونتزين، بمنع الكتاب، لكن بعد يومين ألغت محكمة الاستئناف هذا الحكم.

غلاف الكتاب بترجمته العربية
غلاف الكتاب بترجمته العربية

بعد الضجة التي أخذها الكتاب وصار الأكثر مبيعًا لعام 1990 ك استطاعت المؤسسة العربية للدراسات والنشر في لبنان بترجمة الكتاب إلى اللغة العربية، عن طريق 3 من المترجمين هم هشام عبدالله وماهر الكيالي وجورج خوري.

لغز العالم العراقي في عملية اغتيال يحيى المشد

فيكتور أوستروفسكي - مؤلف الكتاب
فيكتور أوستروفسكي – مؤلف الكتاب

كشف فيكتور أوستروفسكي عميل الموساد، أن عملية أبو الهول، التي قامت بها اجهزة الموساد لاغتيال الدكتور يحيى المشد تمت بالتعاون بين عالم طبيعة عراقي والمخابرات الاسرائيلية.

اقرأ أيضًا 
شولا كوهين .. لؤلؤة الموساد التي اصطادتها المخابرات

وأورد أوستروفسكي في الفصل الأول من الكتاب تفاصيل اغتيال الموساد للمشد في باريس، إذ قال أن المخابرات الإسرائيلية أرسلت وحدة الاغتيالات المؤلفة من 3 رجال والتي قامت بذبح الدكتور يحيى المشد في سريره.

وفجر أوستروفسكي مفاجأة مفادها أن الذي قدم كل المعلومات عن الأسرار الذرية العراقية وساهم في اغتيال العالم المصري هو عالم الذرة العراقي بطرس بن حليم والذي أرسلته بغداد في أغسطس 1978 م إلى فرنسا للإعداد لعقد صفقة شراء يورانيوم مخصب.

الدكتور يحيى المشد
الدكتور يحيى المشد

بدأت المأساة بوصول بطرس بن حليم إلى باريس ومعه زوجته العراقية سميرة لكي يتولى الإعداد لعقد صفقة يورانيوم مخصب من فرنسا، وكانت أجهزة العراقية قد أوصت خبيرها العراقي بطرس بن حليم بمراعاة الحذر وهو يقوم بمهمته في باريس، التي وصل إليها مع زوجته سميرة في أغسطس عام 1979 وبدأت الخطة الاسرائيلية التي كانت قائمة على إرغام بطرس بن حليم للعمل مع جهاز الموساد بعلمه او بدون علمه.

صدام حسين ورجال الطاقة الذرية
صدام حسين ورجال الطاقة الذرية

كانت فرنسا قد توصلت إلى اتفاق مع العراق بتزويده بمفاعل نووی عام 1973 في مقابل تزويد العراق لفرنسا بالبترول، وكانت فرنسا تريد بيع مفاعل نووی قوته 700 ميجاوات على أن يتم استخدامه للأغراض السلمية ووافقت فرنسا على تزويد العراق أيضًا بـ 150 رطلاً من اليورانيوم المخصب بنسبة 93 % ، وتأكدت إسرائيل من أن هذه الكمية ستكون كافية لانتاج أسلحة ذرية فخاطبت أمريكا.

جيمي كارتر
جيمي كارتر

رفض الرئيس جیمي کارتر في ذلك الوقت نقل التكنولوجيا النووية إلى العراق وتمت اتصالات بين أمريكا من جهة وفرنسا والعراق من جهة أخرى لعدم الاستمرار في هذه العملية، فتراجعت فرنسا عن الصفقة وأبلغت العراق بانها ستزوده بنوع آخر من اليورانيوم أقل فاعلية من النوع المطلوب ويطلقون عليه اسم كراميل الذي يمكن توليد الطاقة النووية منه، ولكن لا يمكن استخدامه لإنتاج الأسلحة الذرية.

رفض العراق هذا العرض، وأعلن صدام حسين في يوليو عام 1980 م خلال مؤتمر صحفى في بغداد أن الصهيونية تحاول فرض سيطرتها على العرب، وتنبهت اسرائيل واتخذت قرارها بالقضاء على كل برامج العراق النووية بضرب المفاعل وقتل العلماء، وانتقل الموساد بنشاطه إلى باريس وكلف جهازه السرى من الرجال والنساء بتنفيذ خطة الإبادة للعلماء، وبعد ذلك تتولى إسرائيل ضرب المفاعل نفسه بالقرب من بغداد والمعروف باسم مفاعل أوزيراك.

دور بطرس بن حليم في اغتيال يحيى المشد

الشهيد يحيى المشد
الشهيد يحيى المشد

كانت خطة أبو الهول بدأت تنفيذها في باريس عام 1979 م واستمرت حتى اغتيال الدكتور المشد في يونيو عام 1980 م، وضرب المفاعل النووي في بغداد في 7 يونيو عام 1981 م وركز جهاز الموساد اهتمامه على  بطرس بن حليم، الذي كان قد وصل إلى باريس بدعوى أنه سيستكمل دراسته في جامعتها ترافقته زوجته سميرة.

كان بطرس بن حليم لا يرحب بالاتصال بأي من الجيران ويتوجه إلى عمله في مكان ما بباريس وهو يستقل سيارة الأوتوبيس يوميًا، وانتهزت المخابرات الاسرائيلية هذه الفرصة وأقحمت عليه فتاة جميلة اسمها مارسيل من جهاز الموساد.

كانت هناك سيارة تتبع الأوتوبيس يقودها ضابط من الموساد يحمل الجنسية البريطانية، ودعا بطرس والراكبة الحسناء لتوصيلهما إلى مقار عملهما، وباختصار شدید استطاع قائد السيارة أن يغري عالم الذرة العراقي بتناول العشاء معه ومع مارسيل الحسناء في أغلى المطاعم.

 بدأ الموساد بتكليف فتاة أخرى بالتعرف على زوجة بطرس بدعوى أنها تبيع لها أفخر أنواع العطور بأرخص الأثمان وكانت تتردد عليها في منزلها، بينما كان زوجها يقضى سهراته مع صديقه الانجليزي ضابط المخابرات الإسرائيلية واستطاعت عملية الموساد أن تقنع سميرة بالإفصاح عن كل أسرارها العائلية واصطحبتها إلى أشهر كوافير في باريس، وفتحت سميرة قلبها لهذه الفتاة الباريسية الحسناء، ونجحت هذه الفتاة في إقناع سميرة بقبول هدية عبارة عن سلسلة مفاتيح من الذهب واستطاعت بهذه الوسيلة أن تحصل على مفتاح الشقة.

أثناء تردد الاثنين على الكوافير، كان رجال المخابرات يفتحون الشقة التي يقطنها حليم، ويضعون فيها أجهزة التسجيل وآلات التصوير، وسجلوا كل ما يدور بين الزوج والزوجة التي قررت السفر إلى بغداد وحصلت المخابرات الاسرائيلية على كل المعلومات الخاصة بالأسرة العراقية، ومواعيد سفر ووصول زملاء حليم وأسماءهم إلى باريس وفي مقدمتهم الدكتور يحيى المشد الذي كان الهدف الرئيسي من كل هذه العملية وكشف عن هويته باعتباره من خبراء الذرة وعن طبيعة عمله.

انتهز رجال المخابرات فرصة سفر الزوجة إلى دمشق وأقنعوا بطرس بعقد صفقات لبيع الأسلحة والأجهزة الذرية والمفاعلات وأسرفوا في تقديم مكافآت مالية وعمولة لهذه الصفقات بينما كان بطرس يتورط في علاقات نسائية مع أغلب فتيات المخابرات الإسرائيلية، ويزوده عميل الموساد بتذاكر سفر وإقامة في فنادق أوروبا ثم طلب منه معلومات وصورًا للخطابات والوثائق الرسمية الخاصة بالعراق، وعندما عادت الزوجة إلى باريس شعرت بالتغيير الواضح الذي حدث أثناء غيابها، واتصل حليم بصديقه الانجليزي وهو يبكي ويبدي خوفه من أنه قد تورط في التعامل مع أجهزة مخابرات أجنبية، وطمأنه الصديق الانجليزي وهو ضابط المخابرات الإسرائيلية في نفس الوقت بأن هذه الأجهزة قد تكون من المخابرات الأمريكية.

أبلغ بطرس بن حليم زوجته بمخاوفه والتي قالت له على الفور أن الأجهزة التي يتعامل معها هي جهاز الموساد الإسرائيلي، وكان حليم قد تلقی ۸۰۰۰ دولار ثمنًا للمعلومات التي قدمها لصديقه الإنجليري  دونالفان، الذي كان يحمل جواز سفر بريطانيا وهو في حقيقة الأمر من كبار رجال الموساد، وغادر باريس إلى لندن وترك رقم تليفونه لحليم.

عندما علم ضابط المخابرات الإسرائيلية بوصول الدكتور المشد إلى باريس طلب من عميله العراقي تحديد موعد لعشاء ثلاثي يضم حليم والمشد ودونافان، ولكن المشد كان حريصًا جدًا ورفض الجلوس إلى المائدة وانسحب على الفور دون أن يفتح فمه بكلمة واحدة.

كانت خطة الموساد أن تغرى المشد على العمل معها أسوة بالعمل الذي يقوم به حليم، لكن هذا لم يحدث للفارق بينهما، وفي هذا يقول أوستروفسكي «بالرغم من أن هذا الشاب العراقي كان من أنبه وأبرع خبراء العلوم والطبيعة، إلا أنه كان ساذجًا ضعيفًا أمام النساء والإغراء المالي».

إقرأ أيضا
أطلس

مراحل تنفيذ الخطة سفنكس

خبر تدمير شحنة اليورانيوم
خبر تدمير شحنة اليورانيوم

بدأت الخطة سفنكس يوم 5 إبريل عام 1979م عندما قامت إسرائيل بعملية تدمير شحنة اليورانيوم التي كان من المقرر شحنها إلى العراق وذلك في مدينة لا سين سور مير بالقرب من تولوز بناءًا على المعلومات التي حصلوا عليها من عميلهم العراقي، وعندما سمع نبأ الانفجار الذي حدث في تولوز صرح قائلاً أنها المخابرات الإسرائيلية.

اتصل بطرس بن حليم بضابط المخابرات الإسرائيلي الذي يدعى أنه من رجال الأعمال البريطانيين، وأبلغه بانزعاجه الشديد لهذه المأساة المروعة، وأنه سوف يلقى عقوبة الإعدام في العراق، أو يقتلونه في باريس وقال له دونافان لا تخش شيئًا، «لا أحد يعلم بك، وقادرون على إنقاذك»، ووعده بأن يرتب له لقاء مع أجهزة المخابرات الإسرائيلية للتعاون معهم في المستقبل، وتوفير الحماية الكافية له وسوف يدفعون له أي ثمن يريده، ولكن حليم أبلغه بأنه يفضل أن يعود إلى العراق مهما كانت النتائج.

كانت مهمة المخابرات الإسرائيلية قد انتهت مع حليم، وجاءت ثاني المراحل من الخطة سفنكس وركزت على الدكتور يحيى المشد الذي كانت تعتبره من أهم وأخطر علماء الذرة، وعلى صلة بأكبر المسئولين في العراق، ولديه كل المعلومات التي تحرص المخابرات على الحصول عليها وقد حصلت على معلومات كافية عن موعد وصوله الى باريس والفندق الذي ينزل فيه، وكانت مهمتها معرفة الأسرار التي يحملها ورفض أن يفتح فمه بكلمة واحدة بشأنها.

كانت المعلومات التي أخذها الموساد من بطرس بن حليم تؤكد أن المشد سيصل إلى باريس، وينزل في فندق المريديان في قلب العاصمة الفرنسية، وهو من مواليد بنها ويحمل جواز سفر يشير إلى أنه من مواليد 11 يناير عام 1932 م وأنه يعمل كمحاضر في جامعة الإسكندرية.

وثيقة شحن جثمان يحيى المشد
وثيقة شحن جثمان يحيى المشد

عُثِر على جثمان الشهيد يحيى المشد «عالم الذرة» قتيلاً بضرباتٍ على الرأس في 14 يونيو سنة 1980 م، داخل الغرفة 941 في فندق الميرديان الفرنسي وأعلنت الشرطة الفرنسية في اليوم التالي لمقتله.

جواز سفر يحيى المشد
جواز سفر يحيى المشد

قالت الشرطة الفرنسية أن المشد قد التقى بامرأة من العاهرات اسمها ماری اكسبريس واسمها الحقيقي ماري كلور ماجال وهي التي كانت تتردد على بطرس بن حليم، وقالت كانت تنوي قضاء سهرة حمراء مع يحيى المشد لكن الأخير المعروف عنه التدين رفض.

من تقارير الشرطة الفرنسية عن اغتيال المشد
من تقارير الشرطة الفرنسية عن اغتيال المشد
تقرير الشرطة الفرنسية عن حادث اغتيال المشد
تقرير الشرطة الفرنسية عن حادث اغتيال المشد

يعقب الكاتب بقوله «لم يعتبر البوليس الفرنسي المختص بالجرائم السياسية أن مقتل المشد هو حادث اغتيال، بل اعتبروه حادث عادي، في حين أن القاتل الحقيقي هو رجال المخابرات الإسرائيلية»، ثم انتهى ملف يحيى المشد في يوم 12 يوليو من العام 1980 خرجت ماري كلود ماجال من بار أولدناين في بوليفارد سان جيرمان ودهستها سيارة طراز رينو 5 وأفادت فرنسا أن الحادث عرضي لأن الضحية كانت سكرانة ليموت شاهد العيان الوحيد على جريمة اغتيال المشد.

جريدة الثورة العراقية يوم 10 يونيو 1981 م
جريدة الثورة العراقية يوم 10 يونيو 1981 م

انتهت المعركة الأخيرة من الخطة سفنكس بنسف المفاعل الذري العراقي يوم 7 يونيو 1981 م، عن طريق غارة إسرائيلية جنوب شرق العاصمة العراقية.

المصادر
  1. جريدة الأهرام، 7 إبريل 1979 م + 18 أكتوبر 1990 م
  2. جريدة الثورة العراقية، 10 يونيو 1980 م
  3. كتاب عن طريق الخداع، تأليف/ فيكتور أوستروفسكي
    ترجمة: هشام عبدالله وماهر الكيالي وجورج خوري

الكاتب

  • اغتيال يحيى المشد وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
3
أحزنني
2
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان