قضية اغتيال اللورد موين “رد بالوثائق على اتهامات إسرائيل لمصر جيشًا وشعبًا”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
تقتضي الضرورة التاريخية الوطنية أن يخصص موقع الميزان تحقيقًا خاصًا عن قضية اغتيال اللورد موين في مصر، ومستقلاً عن التقرير الذي تناول تفاصيل عملية الاغتيال (هـــنـــا).
الضرورة التاريخية التي جعلت الميزان يكشف أوراق قضية اللورد موين
حتى الآن لا زالت تتحسر إسرائيل على قيام مصر بإعدام قاتليّ اللورد موين وتسرد من خلال أدبياتها على مدار السنوات السابقة قصصًا تمس بالسلب الوطنية المصرية شعبًا وجيشًا.
كان أول اتهام لقيه الشعب المصري من المؤرخ الصهيوني جيلي هيكسي والذي قال أن الرأي العام المصري كان متعاطفًا مع قاتليّ اللورد موين خاصةً بسبب الكلمة التي ألقاها إلياهو بيت زوري التي استعرض فيها ما زعمه من معاناة لشعبه وحاول أن يجعل نفسه مثل المصريين مقاوم للمحتل.
أما المواقع الصهيونية فبعضها يتهم القضاء العسكري المصري بأنه لم يحكم من تلقاء نفسه وأنه أجبر على إصدار حكم بالإعدام سنة 1945 م على إلياهو حكيم وإلياهو بيت زوري.
أرادت إسرائيل أن تُوثق هذا الكلام لكن بعد أن استعادت رفات إلياهو حكيم وإلياهو بيت زوري من المقبرة اليهودية في القاهرة إلى مدفن مهاجرو المشنقة في المقبرة العسكرية أعلى جبل عين كارم في القدس (الذي يسميه الصهاينة جبل هرتزل)، وتمت استعادة رفاتيهما في 25 يونيو 1975 خلال صفقة تبادل للأسرى مع مصر.
بعد استعادة رفات حكيم وبيت زوري تم ضمهما إلى قائمة مهاجري المشنقة وهو مصطلح يطلق على اليهود الذين هاجروا للقيام بأعمال مسلحة في مختلف البلدان قبل قيام دولة الكيان وتم شنقهم.
مضت 11 سنة على استعادة رفات حكيم وبيت زوري لتقرر إسرائيل في 4 فبراير 1986 م تشييد متحف ليحي نسبة إلى منظمة ليحي (اشتيرن) التي ينتسب لها قاتلا اللورد موين، ثم أطلقت بعد 8 أشهر جمعية تتبع المتحف وسمتها جمعية إحياء ذكرى شهداء ليحي (الرابط هــنـــا).
جاءت سنة 1996 وأنتجت هيئة الإذاعة الإسرائيلية فيلمًا وثائقيًا عنوانه حتى الموت (للمشاهدة مـــن هــــنـــا) يستعرض قصة الاغتيال والاعتراف الصهيوني الأول إعلاميًا، ثم أطلقت موقعًا إلكترونيًا (رابطه هنا) وصفحة على الفيس بوك تخص المتحف (رابطها هــنــا) يوم 29 إبريل 2013 م.
التحريات والتحقيقات
بعد ساعات من جريمة الاغتيال تم إعلان موت اللورد موين وسائقه وإلقاء القبض على القاتلين، تولى أحمد حسين سامي بك كبير الأطباء الشرعيين في مصر بالاشتراك مع الدكتور دوجلاس مورجان عملية المعاينة للسلاح وجثة اللورد موين وسائقه، إلى جانب حالة إلياهو حكيم وبيت زوري.
أثبت تقرير الطب الشرعي أن اللورد موين أصيب بجرح نافذ بالجهة اليمنى من الحلق أعلى التروقة وجرح آخر بالجهة اليمنى من جدار البطن الأمامي، و 4 جروح نافذة بالأصبع البنصر في اليد اليمنى، وجرحين على جانبي الثدي الأيسر، واستقرار رصاصة بصدره، وجاءت وفاته بسبب إصابته بنزيف داخلي وصدمة عصبية.
ولم يختلف سبب وفاة آثر فولر عن موين إلا في أشياء طفيفة منها شكل الإصابات وأنه مات في الحال.
أما عملية التحريات والتحقيقات من قِبَل البكباشي أحمد عبدالرحمن واليوزباشي محمد توفيق السعيد والملازم أحمد سلمان وتبين أن الفيلا التي كان يسكنها اللورد موين مملوكة للخواجة موريس عدس وإيجارها شهريًا 150 ج، وقد طلب اللورد موين قبل أسبوع من مصرعه برفع الحراسة عنها.
أما القاتلين فقد جائا إلى مصر كجنود في الأوراق الرسمية بجنسيات أجنبية واستقرا فيها لأيام استعدادًا لاغتيال اللورد موين، ويوم الجريمة استئجرا من عجلاتي دراجتين وتهيئا للجريمة وبعد تنفيذهما لها استقلا الدراجتين حتى تمكن الكونستابل منهما بعد مقاومة له.
ظلت التحقيقات مع إلياهو حكيم وإلياهو بيت زوري حتى ديسمبر 1944 ثم صدر قرار الإتهام والذي وجه 4 تهم إلى كليهما، الأولى أنهما قتلا اللورد موين عمدًا، إذ قام الأول بإطلاق الرصاص عليه، بينما قام المتهم الثاني بمساعدته، أما الإتهام الثاني فكان قيام إلياهو بيت زوري بقتل آرثر فولر سائق اللورد موين، فيما كانت التهمة الثالثة هي الشروع في قتل الكونستابل الأمين بالله محمد عبدالله منير، بينما كانت التهمة الرابعة هي حيازة أسلحة بدون ترخيص.
مالم يُحْكَى عن المحاكمة
في العام 1975 أصدر أنشل سبيلمان العضو السابق في منظمة ليحي كتابًا بعنوان اغتيال اللورد موين احتوى على تفاصيل المحاكمة ونُشِرت للمرة الأولى على صعيد الدولة الصهيونية.
احتوى كتاب أنشل سبيلمان الذي يبلغ 105 صفحة على إتهام صريح القضاء العسكري في مصر بالظلم (رابط الكتاب هـــنـــا)، فضلاً عن تعنت المحكمة مع المتهمين.
لم يكن للإحتلال البريطاني أي حضور في هيئة المحكمة، فالجلسة عُقِدَت في الساعة 8:45 صباح 10 يناير 1945 برئاسة المستشار محمود منصور بك، وعضوية أحمد زكي البهنيهي وعبدالحميد رشدي، والقائمقام مصطفى حسن حافظ والبكباشي جلال صبري؛ أما ممثل النيابة فكان عبدالرحمن الطوير وبمعاونة أحمد موافي ونجيب أحمد ، فيما تولى كتابة محضر الجلسة علي محمد أحمد ومحمد إبراهيم.
«حق الدفاع»
حق الدفاع عن المتهميين أعطته المحكمة لهما، فقد انتدبت توفيق باشا دوس محاميًا عن الأول بمعاونة عبدالفتاح السيد والمحامي المختلط جولدنج ومحامي آخر اسمه أشيل.
فيما كان الدفاع عن المتهم الثاني من المحامي حسن الجداوي والمحامي حسن حسني؛ وذلك ينفي ما تردده المراجع الصهيونية.
«اختصاص المحكمة»
يزعم كتاب أنشل سبيلمان أن المحامين ورطا إلياهو حكيم وبيت زوري وكان من حقهما أن يحاكما مدنيًا لولا رغبة إنجلترا، لكن ذلك الزعم باطل لأن المحامي عبدالفتاح السيد قام بتقديم دعوى يطالب فيها بعدم اختصاص المحكمة وضرورة أن تكون القضية في محكمة عادية.
لكن الدعوى رُفِضَت بحكم المادة 3 من القانون 15 الصادر سنة 1929 (نص القانون هـــنـــا) أي أن المادة التي أعطت حق المحاكمة عسكريًا ليس لها صلة بأجواء الأربعينيات.
«لغة الحوار»
يزعم الكتاب أن لغة الحوار لم تكن موجودة لاختلاف اللغات، لكن هذا أيضًا وهم باطل، فقد طلبت المحكمة مترجمين من القضاء المختلط،لكن إلياهو حكيم قال أنه يجيد التكلم بالعربية أكثر من العبرية، ثم تراجع وقال أنه يريد أن يكون كلامه بالإنجليزية وقد استجيب لطلبه.
أما المتهم إلياهو بيت زوري فقد أصر على أن يتكلم بالعبرية وطلب استبدال المترجم، فكلفت المحكمة الدكتور فؤاد حسانين علي بأن يقوم بالترجمة لكنه قال أنه لا يجيد العبرية جيدًا، فكلفت المحكمة محمود غزالي بك مدير بالأمن العام بانتداب أحد المختصين، وخلال ساعتين جاء صمويل عطية أفندي مدرس في المدرسة الإسرائيلية بالعباسية ليقوم بالترجمة ووافق بيت زوري عليه.
«لغز رسالة التي يحتفظ بها متحف ليحي»
يزعم موقع ليحي أن المحكمة لم تسمح لإلياهو حكيم وإلياهو بيت زوري أن يذكرا الدوافع (الوطنية) التي جعلتهما يقتلان اللورد موين، وأنها تعمدت إظهارهما كمجرميين.
لكن هذا الكلام غير صحيح بل العكس هو ما جرى إذ سمحت المحكمة لكليهما بعرض أفكارهما دون غضاضة، لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل أتاحت للمحامي حسن الجداوي أن يترافع عنهما وهو يعرض أفكارهما لدرجة أنه بكى وهو يحكي عن معاناة شعب حكيم وبيت زوري.
بل إن المحامي حسن صالح الجداوي ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ راسل جريدة التايم في فبراير 1945 م وأراد حشد رأي عام دولي يدعم ضرورة تخفيف الحكم من الإعدام إلى السجن، وقد احتفت جريدة الشمس اليهودية التي كانت تُطْبَع في مصر بما قاله.
كواليس اليوم الأخير في حياة إلياهو حكيم وإلياهو بيت زوري
صدر الحكم بالإعدام في قضية اغتيال اللورد موين في 22 يناير 1945 م وقضت المحكمة العسكرية عليهما بالإعدام، وبعد شهر ذهب المستشار محمود منصور إلى رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي لعرض حيثيات الحكم عليه، وبناءًا عليها رفض محمود فهمي النقراشي بصفته الحاكم العسكري كافة المطالبات والالتماسات المحلية والدولية.
في تمام الساعة 6 صباح 22 مارس 1945 تحركت سيارة الشرطة من سجن مصر وهي تحمل إلياهو حكيم وإلياهو بيت زوري إلى سجن الاستئناف وبدأت لحظاتهما الأخيرة، عندما دخلا دخل إلى غرفة خاصة وارتديا البدلية الحمراء، ثم تناولا الفطور وكان شاي ولبن وحلوى وبسكوت.
حضر تنفيذ الحكم اللواء جيز باشا حكمدار الإسكندرية، والقائمقام أنور عامر نائبًا عن محافظ القاهرة، والملازم مهدي البنداري، والحاخام نسيم أوحانا رئيس المحكمة الشرعية الإسرائيلية، والبكباشي حسين شلبي مأمور السجن، واللواء محفوظ ندا، وبعد تنفيذ الحكم وضعت جثتيهما في نعيش ودفنا في مقابر اليهود في عزبة البستان وظلا فيها حتى استعادت إسرائيل رفاتهما في يونيو 1975 م.
المراجع
- محضر جلسة قضية اغتيال اللورد موين – المحكمة العسكرية بسراي الإستئناف
- عدد مجلة الشمس اليهودية – فبراير 1945 م
- أعداد جريدة المقطم ـ يناير وفبراير ومارس 1945
- إصدارات متحف ليحي
- قرارات الحاكم العسكري – عائلة محمود فهمي النقراشي
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال