كواليس لوحات وصف مصر “كوميديا رد فعل أهل النوبة على رسمهم”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
وضع المترجم زهير الشايب أسماء 22 رسامًا لمجموع لوحات وصف مصر الدولة الحديثة، وكان ذلك شيئًا له أهميته لتخليد أسماء الجنود المجهولين في ذلك الإنجاز الذي خلفه احتلال الحملة الفرنسية.
موقف المصريين من الرسم
كان موقف المصريين سلبيًا من الرسم، لكن حسب نوع المنطقة يظهر مقدار السلبية، ففي القاهرة مثلاً كان موقف المصريين رافضًا الرؤية للرسومات، وكان قليل منهم يذهب لرؤية اللوحات التي رُسِمَت وكان من ضمنهم المؤرخ عبدالرحمن الجبرتي.
اقرأ أيضًا
أول شهيدات مصر على يد الحملة الفرنسية
حكى الجبرتي عن زيارته لبيت حسن الكاشف الذي اتخذه الفرنسيين مقرًا للمجمع العلمي وذكر أن رسامين الحملة الفرنسية رسموا صورًا للرموز الإسلامية المكانية وكذلك للشخصيات بل وإن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم رُسِم أيضًا.
وقال الجبرتي في تاريخه «فمن جملة ما رأيته كتاب كبير يشتمل على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ومصورون به صورته الشريفة على قدر مبلغ علمهم واجتهادهم وهو قائم على قدميه ناظرًا إلى السماء كالمرهب للخليقة وبيده اليمنى السيف وفي اليسرى الكتاب وحوله الصحابة رضي الله عنهم بأيديهم السيوف وفي صفحة أخرى صورة الخلفاء الراشدين وفي الأخرى صورة المعراج والبراق وهو صلى الله عليه وسلم راكب عليه من صخرة بيت المقدس وصورة بيت المقدس والحرم المكي والمدني وكذلك صورة الائمة المجتهدين وبقي الخلفاء والسلاطين».[1]
مواقف طريفة للمصريين في لوحات وصف مصر
بعيدًا عن القاهرة وفي بلاد الريف كان موقف المصريين من الرسم يتمثل في الجهل التام بذلك الفن والذي أرجعه علماء الحملة الفرنسية إلى اعتقادهم بأن الدين الإسلامي يحرم الرسم، لكن المسألة تفاقمت لأكثر من مجرد البُعْد العقدي فهناك جهل أصلاً بماهية الرسم من خلال الموقف الذي تعرض له عضو المجمع ريجو والذي أراد كتابة سلسلة من الدراسات حول ملامح السكان.
حكى شابرول دي فولفيك عن ما تعرض له الرسام ريجو فقال «كان وصول قافلة النوبة إلى القاهرة عام 1799م فرصة طيبة بالنسبة له (يقصد ريجو)، ينبغي الإمساك بها، وكان قائد القافلة عبد الكريم على وجه الخصوص يلفت النظر بقوة الملامح النوبية المرتسمة على وجهه، ونجح الأستاذ ريجو في أن يجذبه إليه بإغراء النقود، وبعد مفاوضات طويلة كثيرًا ما انقطعت، جاء عبد الكريم إلى المرسم في حراسة 10 – 12 شخصًا من مواطنيه، مع كل الاحتياطات التي يمكن أن يقوم بها رجل مقتنع بأنه مستدرج إلى كمين، ومع ذلك فلقد أمكن طمأنته في النهاية وإقناعه بصرف حراسه».[2]
إلى هنا فإن المسألة عادية ونجح ريجو في عمل صورة لعبدالكريم النوبي بالحجم الطبيعي وبدأ في حالة سرور يصفها شابرول «كان يشير بأصبعه إلى أجزاء الرسم، وإلى الأجزاء التي تقابلها في وجهه وهو يقول: طيب طيب، لكن بعد أن قام ريجو بتلوين الصورة وجاء عبدالكريم يرى الرسمة صاح وصرخ مرعوبًا وفتح باب المرسم وجري وهو يصيح بأنه قادم من بيت نزعوا فيه رأسه ونصف جسمه».
الأمر نفسه تكرر بمواقف مختلفة حكاها شابرول فيقول «بعد ذلك بعدة أيام، جاء ريجو إلى المرسم بنوبي آخر، يعمل بوابًا لأحد بيوت المعهد، فلم يكن أقل من مواطنه شعورًا بالرعب عند رؤيته للرسوم، وجرى يقص على كل جيرانه، بأنه شاهد عند رجل فرنسي عددًا هائلا من الروس والأطراف المقطوعة، فسخر إخوانه منه، وتجمع عشرة منهم ليتأكدوا من صحة الواقعة، ولكن لم يكن ثمة واحد من بينهم لم يتملكه الفزع عند دخول المرسم، ولم يشأ واحد منهم أن يبقى في المرسم لحظة واحدة».
مع النساء الأمر لم يختلف كثيرًا فقد رسم ريجو امرأة كانت مع عبدالكريم النوبي، وبعد أن جاهد في إقناعها ونجح في رسم رأسها وذراعيها قالت له ««لماذا تأخذ رأسي؟ ولماذا تنزع عنى ذراعي؟»؛ وبدا أنها مقتنعة بأن كل أجزاء جسمها التي انتقلت صورتها إلى اللوحة سوف تذبل.
[1] عبدالرحمن الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، تحقيق: عبدالرحيم عبدالرحمن عبدالرحيم، ج3، ط1، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1998م، ص57.
[2] علماء الحملة الفرنسية، وصف مصر، ترجمة:- زهير الشايب، ج1، ط/3، صندوق التنمية الثقافية، القاهرة، 1993م، ص297.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال