كيف اندثرت القطائع عاصمة الدولة الطولونية في مصر ؟
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
انتهى اعتماد مدينة الفسطاط كعاصمة لمصر مع العباسيين الذين استبدلوها بمدينة العسكر، ثم جاءت مدينة القطائع عاصمة الدولة الطولونية في مصر لتظل عاصمتها منذ سنة 869 حتى توارت.
نواة نهاية مدينة القطائع عاصمة الدولة الطولونية
بدأت نواة نهاية مدينة القطائع عندما قامت ثورة الجند المغاربة والبربر في رجب 283 هـ/ أغسطس 896 م، واستهدفت حاكم مصر جيش بن خمارويه بن أحمد بن طولون، واستعرض الباحث إياد أحمد تطور تلك النهاية.
لم يكن جيش بن خمارويه قادرًا على تحمل المسؤولية التي أوكلت إليه، وأقبل على الشراب واللهو وعدم الاهتمام بشئون الدولة، وقد أدى قيامه بقتل أعمامه، وخاصة عمه الذي يريده أولئك الجند أميرًا لهم، إلى اشتعال ثورة الغضب في نفوس في الجند المغاربة والبربر، وقيامهم بحرق أماكن عدة بمصر.
يصف الطبري في تاريخه قصة تلك الجملة فيقول «فهجم الجند على جيش بن خمارويه فقتلوه وقتلوا أمه وانتهبوا داره وانتهبوا مصر وأحرقوها وأقعدوا هارون بن خمارويه مكان أخيه».
نهاية مدينة القطائع عاصمة الدولة الطولونية
دب الفساد في مصر بعد ثورة الجند المغاربة وكان ذلك فرصة للخليفة العباسي المكتفي بالله والذي أراد استعادة نفوذه عليها، فأرسل جيشًا عن طريق البر بقيادة القائد محمد بن سليمان الكاتب، وفي الوقت نفسه أبحر الأسطول العباسي من الشام، قاصدًا السواحل المصرية بقيادة القائد دميانة، ثم تقدم القائد دميانة بأسطوله في النيل، وكان معه ثماني عشرة مركبًا مشحونة بالرجال والسلاح وذلك يوم الثلاثاء 27 صفر 292هـ/ 8 يناير905م، فقام بإحراق الجسور التي تربط بين ضفتي النيل عند الفسطاط، وربما يكون إحراق الجسور الهدف منه قطع الطريق والإمدادات عن الخصوم لإضعافهم والقضاء عليهم بسهولة.
كان محمد بن سليمان الكاتب يتقدم بالجيش العباسي باتجاه مصر، وبدأ ينضم إليه المنشقون عن الجيش الطولوني جماعة بعد جماعة، وعند ذلك اضطر شيبان بن أحمد بن طولون لطلب الأمان له ولأهله من الطولونيين فأعطاهم ذلك محمد بن سليمان الذي لم يحترم هذا العهد.
دخل محمد بن سليمان الكاتب القطائع يوم الخميس 29 صفر 292هـ/10 يناير905 م، وأمر بإحراقها، فأحرقت ووقعت النار في الكثير من معالمها، فالتهمت الدور والمساجد والحمامات وكل معالمها ونهبت المدينة، ولم يبق منها سوى مسجدها الجامع، رغم الأمان الذي أعطاه للطولونيين، فإن المعاملة التي لاقتها الأسرة الطولونية والخراب الذي أصاب حضارتهم في مصر فاق حد التصور، فلم يكتف بحرق القطائع بل نهب أصحابه الفسطاط وقاموا بهدم المعالم الطولونية وآثارهم.
يعلل المؤرخ إياد محمد تصرف العباسيين بقوله «إن حرق القطائع وتدميرها بهذا الشكل الكبير، لا يمكن أن يفسر إلا بالحقيقة الكبرى وهي سخط الخلافة وحقدها الدفين على هذه الأسرة التي تمكنت من استغلال الأوضاع العامة في مصر والشام، والتي قامت بتوحيد هذين البلدين في دولة موحدة وقفت أمام الخلافة العباسية، ونافستها على زعامة العالم الإسلامي، إضافة لما سبق نجد أن الخلافة العباسية عملت على إزالة كل ما قامت به الدولة الطولونية وخاصة مدينة القطائع رمز هذه الدولة، لطمس إنجازات تلك الدولة، ولتحذير أي قوة جديدة تريد الانفصال عن جسد الخلافة العباسية».
المراجع
النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لـ بن تغري بردي
تاريخ الأمم والملوك لـ الطبري
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال