كيف تعلمت من “النمل” معنى الحرية !!
-
مريم المرشدي
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
إن مزاولة أبسط وأتفه الأشياء، كأن تقلب صفحة كتاب، أو أن تلقي التحية، تفقد كل القيمة وكامل المعنى ما دامت لم تُفعل بإرادة الحرية .
صغيرة كنت، أتقافز كفراشة بين الأشجار في حديقة منزل جدتي لأمي رحمها الله حيث المجالات الفسيحة للهو واللعب..
اقرأ أيضًا
ملف الأشجار المقدسة .. قداسة وسياحة
أتذكر صوتها الحاني يناديني حتى أصعد لأتناول فطوري، وكيف كنت أختبئ بين الأشجار وكأنني لا أسمعها، وكأنها لن تراني، وأي طعام هذا وأنا في خضم العابي !!
أتذكر أيضا ذلك الجحر للنمل في تلك الحديقة، وكيف كنت أتأمل وفودهم في ذلك الطابور الرشيق، يدخلون في جحرهم الصغير حاملين غذائهم ويخرجون منه خاويين الأيادي – إن كان للنمل أيادي- كانت متعتي أن أحبسهم في صندوق كرتوني لطيف، أقوم بتزيينه و تلوينه بالألوان الفلوماستر، أغطيه بكيس بلاستيكي وأثقبه حتى يستطيعوا التنفس، ثم أقدم لهم وجبات من قطع سكر القوالب.
كان هدفي نبيلًا بحق، فبدلًا من تكبد العناء ومشقة هذه الحشرات الضعيفة في جلب طعامها، هاهو طعام جاهز من النوع الذي يفضلونه، لكنني دائمًا ما كنت ألاحظ أن هنالك نملة تحاول الخروج من الثقوب الموجودة في الكيس البلاستيكي، وكأنها تريد الفرار من قطع السكر الجاهزة للأكل، فكنت اغتاظ وأحنق وأحاول دهسها بسبابتي.
– أيتها الحمقاء، أنت التي تريدين الفرار مني ؟؟… فلتذوقي إذن أشد العذاب ..وليري بقية إخوتك كيف تتعذبين تحت يدي …
و لكن أكثر ما كان يثير حنقي هو محاولة هروب البقية من صندوقي الفاره الفاخر، وكأنهم لم يشاهدوا أخيهم يدهس أو صديقتهم تتعذب، فكنت أدهس وأعذب كل من يحاول الفرار.
– ولكن لماذا يحدث هذا في كل مرة ؟؟!!…
هكذا تساءل عقلي الصغير..
لم أعرف حينها أن العيش بحرية أفضل ألف ألف مرة من وجبة غذاء أتفضل بها عليهم وقتما اريد، أو أعطيها لهم فقط حين أريد أن أعطي، لم أعلم أنهم عندما يحاولون الهرب فإنهم يريدون النجاة بأنفسهم من بطشي وساديتي وديكتاتوريتي، لم أدرك أنهم يحاولون الفرار نحو كون فسيح أفضل من كوني، لم أفطن أنهم سوف يحرثون المسافات والجدران من أجل لحظة، وإنني لو قتلت نملة فسوف تهرب مني ألف نملة، وسوف يعيشون بعيدًا عن صندوقي بـحـريــــــة.
الكاتب
-
مريم المرشدي
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال