كيف واجه ذوي البشرة السوداء نظام الأبارتيد العنصري في جنوب إفريقيا؟
-
مريم مرتضى
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
التمييز العنصري، أزمة أخلاقية بشعة مر بها معظم الشعوب على مدار السنين، الجميع كان يعاني حسب توجهات وسياسة بلاده، وهو ما حدث لذوي البشرة السمراء في دولة جنوب أفريقيا، الذين عانوا مثلهم مثل غيرهم من التمييز العنصري ضد لون بشرتهم، وأجبرهم نظام الأبارتيد على العيش في محميات منفصلة عن ذوي البشرة البيضاء وكأنهم حيوانات، كما تم حرمانهم من وظائفهم وحقوقهم المجتمعية، وإعطاء أملاكهم لذوي البشرة البيضاء.
ما هو نظام الأبارتيد؟
نظام الأبارتيد هو سياسة رسمية للفصل العنصري تم فرضها في دولة جنوب أفريقيا عام 1913م، أي بعد حصول جنوب أفريقيا على استقلالها بثلاث سنوات، وسياسة الأبارتيد تنطوي على تمييز سياسي واقتصادي واجتماعي وحتى قانوني، ضد كل من هو ذو بشرى سمراء، أو حتى ضد كل من هو ليس أبيض، وكان أول قانون تم إقراره وفقًا لنظام الأبارتيد، هو إجبار ذوي البشرة السمراء على ترك منازلهم وأعمالهم للبيض، والعيش في مناطق منعزلة، والعمل في الحرف اليدوية الشاقة.
“صناع العمل ماتوا كلهم “.. عن الفيلم النحس اللي تناول قصة حياة جنكيز خان
ومع مرور الوقت ازداد الأمر سوءًا بالنسبة لذوي البشرة السمراء، إلا أن ذروة الأمر كانت بعد فترة الحرب العالمية الثانية والكساد العظيم، اللذان سببا العديد من المشاكل المالية والسياسية لجنوب إفريقيا، وقام السياسيين النشطاء آنذاك بالدعوة لتغليظ قانون الأبارتيد، لأنه في اعتقادهم الحل الذي سينقذ البلاد، وفي الانتخابات العامة التي أُجريت عام 1948م، فاز الحزب الوطني الذي كان شعاره الأبارتيد بنسبة أكثر من 75٪!.
الممارسات الحكومية ضد السود
تولى الحزب الوطني تشكيل الحكومة وبدأ في تنفيذ برنامجه الانتخابي، ووضعوا عدة قوانين جديدة فيها المزيد من القمع لذوي البشرة السوداء، فمثلًا حظروا الزواج بين ذو البشرة السمراء وأي أعراق أخرى، فلا يتزوجون إلا من بعضهم البعض، كما منعوا أي علاقة جنسية بين السود والبيض، وفي عام 1950م، أصدرت الحكومة قانون جديد لتسجيل النفوس، وفيه صنفت المواطنين إلى ثلاثة أصناف هم، البانتو ويقصد به ذوي البشرة السمراء، والملونين وهم العرق المختلط، وأخيرًا الصنف الأبيض، وبناء على ذلك التصنيف، أقرت الحكومة العديد من القوانين لصالح الأقلية البيضاء في البلاد، وجعلوا أكثر من ثلثي موارد البلاد تحت سيطرة البيض، وفرضوا قانون مرور جديد، يسمح لأصحاب البشرة البيضاء بالتجول في جميع أنحاء البلاد بحرية، بينما باقي الأصناف يحذر عليهم دخول بعض المناطق والأماكن.
ثورة الشعب الأسود على نظام الأبارتيد
حاول ذوي البشرة السمراء مناهضة ومقاومة نظام الأبارتيد منذ البادية، حيث قاموا بتشكيل أحزاب معارضة مثل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي ANC، الذي دعا إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم جميع الفئات، وتكون النسبة الأكبر لذوي البشرة السمراء الذين يشكلون معظم الشعب في دولة جنوب أفريقيا، ولكن بالطبع لم يتمكنوا من أخذ خطوة واحدة تجاه التحرر، حتى عام 1956م، عندما قامت الثورة النسائية بتجمع ما يقرب من عشرين ألف امرأة من جميع الأعراق، وخرجوا للتظاهر ضد الحكومة ونظام الأبارتيد، وعلى الرغم من انتهاء التظاهرات بدون أي نتيجة تُذكر لصالح الشعب الأسود، إلا أنه كان يمثل شعاع النور لهؤلاء الذين يريدون الحرية، وتكررت المظاهرات مرة أخرى عام في 1960م، وخرجت من مدينة شاربفيل، ولكنها انتهت بمأساة حيث قُتل أكثر من سبعين مواطن أسود، وأُصاب أكثر من مائتي شخص منهم، بعد أن تصدت الشرطة للمتظاهرين السلميين، وسُجلت هذه الحادثة في التاريخ باسم مجزرة شاربفيل نظرًا لوحشية قوات الشرطة في التعامل مع السود، وبعد تلك التظاهرات قامت الحكومة بحل جميع الأحزاب المعارضة، وسجنت العديد من القادة الأفارقة من أبؤزهم كان نيلسون مانديلا، الذي صار رمزًا لمقاومة نظام الأبارتيد والتمييز العنصري.
ومع تزايد التظاهرات، وصل صوت الشعب الأسود لجميع أنحاء العالم، وفضحوا الوجه القبيح للحكومة الوطنية وممارستها الظالمة تجاههم، فقامت الحكومة الأمريكية بتغيير ولائها للتمييز العنصري، وأصدرت قانون مناهضة الفصل العنصري الشامل في عام 1960م، وقامت بفرض عقوبات اقتصادية كبيرة على النظام الوطني في جنوب أفريقيا، الذين قاموا بدورهم بإلغاء الحظر عن الأحزاب المعارضة، وأطلقوا سراح القادة المسجونين، وتابع نيلسون مانديلا نضاله السلمي، حتى حصلوا على الحرية عام 1994م، وتم إلغاء نظام الأبارتيد نهائيًا، واُنتخب نيلسون مانديلا كأول رئيسٍ منتخب بعد أول انتخابات مختلطة جرت في جنوب إفريقيا.
الكاتب
-
مريم مرتضى
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال