كيف يعزف النمل الموسيقى؟ صوت أقدم آلة نفخ خشبية يجيب “ديديجريدو”
-
محمد الموجي
محمد الموجي ممثل وكاتب مصري، تخرج من كلية الإعلام جامعة القاهرة، وعمل بعدد من المؤسسات الإعلامية بينهم قناة أون تي في ووكالة أونا للأنباء وموقع إكسترا نيوز وموقع كسرة والمولد، والتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية قسم التمثيل والإخراج.
كاتب نجم جديد
قديمًا وقبل أن نكتشف مانطلق عليه في يومنا هذا «اللغة»، كان لابد من وجود وسيلة للاتصال بين البشر وبعضهم البعض، كانت الإشارة والرسم على الجدران من الوسائل التي استخدمها الإنسان القديم.
ولمَ كانت الطبيعة ملهمة الإنسان الأولى، ومعلمته الوفية، كان أمر بديهيًا عندما اكتشف آلته الموسيقية الصغيرة “الحنجرة” أن يحاكي بها معلمته، حيث فرح كما تفرح وعبر عن سعادته كما تُعبر، وثار كما تثور فعبر بكل قواه عن غضبه مثل أمه الطبيعة.
تأمل الإنسان عوامل الطبيعة المختلفة، والأصوات الصادرة عنها مثل: الرياح، البرق، والرعد، والأمطار، ليصدر أصواتًا تعبر عن فرحه وحزنه، هدوئه وثورته، ويبتكر وسيلة جديدة للاتصال والتعبير أسماها الصوت.
لم يكتف الإنسان بآلته الموسيقية الصغيرة “الحنجرة”، ولا بذلك الصوت الإيقاعي الناجم عن ارتطام كفيه وأخذ يفتش في الطبيعة عن أصوات يحاكيها، بل صنع آلات تصدر نفس الصوت ليصبح لدينا آلات موسيقية عديدة، وتصبح “الموسيقى رفيقًا جديدًا يصاحبنا في المناسبات، ولغة عالمية نجيد فهمها رُغم اختلاف ثقاقتنا.
«ديديجريدو» أقدم آلة نفخ موسيقي خشبية في العالم، وفقًا لما أثبتته دراسات عديدة، ويقول الفرنسي رافائيل -أحد أهم عازفي الألة في العالم ورائد العزف عليها في فرنسا- حتى وقتنا الحالي وفقًا لدراسات شتى، هى بالفعل أقدم آلة لكن يجب أن نضع بعين الاعتبار أنه وُجدت لوحة مرسوم عليها «ديديجريدو» ترجع لحوالي 2000 عام، بينما تقول بعض القبائل أن تاريخ هذه الألة يعود إلى 60 ألف عام، وهنا نجد فجوة تاريخية بين حقيقة مثبتة وهى اللوحة وكلام القبائل.
ديديجريدو وحرارة
يزور رجل الموسيقى «رافائيل» مصر للمشاركة ببرنامج موسيقي للعزف على آلته المفضلة، فيحدثه أحد أصدقائه عن ثائر مصري يدعي أحمد حرارة، يأخذهما الحديث عنه، ويعرف رافائيل الكثير عن شخصية حرارة ومشاركته في ثورة يناير، فيعزم على لقائه بعدما أُعجب بشخصيته واحترمها كثيرًا -على حد قوله-
يقابل عازف الديدجريدو «رافائيل»، المصري أحمد حرارة، ويعرف من خلال الحديث معه أنه مولع بالموسيقى، وأنه يخصص وقتًا مقدسًا لها، ومن ثم تبدأ رحلة تعلم حرارة لأقدم آلة نفخ في العالم صنعتها جيوش النمل الثائر «ديدجريد».
رحلة الناشط السياسي أحمد حرارة للتعلم على «ديدجريدو» ، كانت مماثلة تمامًا لرحلة التعبير عن الحرية والثورة «فكلاهما ليس بالسهل ولكنك تسعى للوصول إليه حيث أن مذاقه في غاية العذوبة».
ويقول «رافائيل»: العلاقة بين الثورة والموسيقى هي «الحرية».. فالثورة تقوم للتغيير.. وتسعى لتغير المجتمع للأفضل، أما عن الموسيقى فهى «ثورة الروح»، حيث أنك عندما تلعب موسيقى تشعر أنك حر، لا تفكر في كل ماحولك وتتجه فقط للموسيقى.
لم تختلف نظرة حرارة، حول الموسيقى عن نظرة صديقه «رافائيل»، حيث رأى أنها لغة الحرية والثورة، فالموسيقى، كانت جزء لا يتجزأ من ثورة يناير، وإذاعُدنا بالزمن 3 أعوام ونظرنا على ميدان التحرير، ومعظم ميادين مصر سنجد أن الموسيقى كانت صديقًا وفيًا يحفزُ المتظاهرين، وقبل الثورة كنت ألعب موسيقى، والموسيقى والثورة متشابهان كل منهما يجعلك حرًا ، ويغير منك وهذا ما أحدثته معي الثورة فأشعر أنني بعد الثورة أصبحت إنسانًا آخر.
وعن رغبته في تعلم العزف على «ديديجريدو»، يقول حرارة: « قبل الثورة كنت أخلو إلى نفسي بالمنزل وأعمل على الموسيقى، كان هذا الوقت أكثر وقتًا أشعر فيه بنفسي وأشعر أنني موجود، عندما سمعت ديديجريدو شعرت أن هذه الآلة خطفتني، وأنه يوجد انسجام روحي بيني وبينها، ربما لأنها أقدم آلة نفخ، أو لتاريخها، وربما بسبب تلك الموجات التي تصدر عنها حيث بإمكانها أن تعزلك عن العالم ونقلك إلى عالم آخر».
اسم الآلة “ديديجريدو” هو اسم مكتسب، كما أنه لها أسماء عديدة، فالكثير من قبائل شمال أستراليا كانت تلعب هذه الآلة لذلك اكتسبت أسماء مختلفة، حسب قول العازف رافائيل.
عندما وصل الأستراليون الجدد إلى أستراليا -البيض- سمعوا عزف السكان الأصليين -القبائل الاسترالية- على آلة تُدعى «ييداكي»، وكان الصوت الناجم عن هذه الآلة عبارة عن موجات: « ديدجي ديدجي دديدي» فأطلقوا عليها «ديدجريدو» تماشيًا مع ذلك الصوت عنها.
لم تكن الآلة تُستخدم قديمًا كألة موسيقية فحسب، بل كانت جزء من حياة القبائل، فتُستخدم في الشعائر والمناسبات المختلفة مثل: الميلاد، الجنائز، الأفراح، وغيرها من المناسبات، والتعبير عن الولاء وتقديس الآلهة، واُستخدمت أيضًا لتبجيل السيدات عند جمع الثمار، كما كان يتم استخدامها في رقص التماسيح، الكنغر، الثعابين.
جيوش النمل الثائر
كعادته يبهرنا بقدرته النظامية الهائلة، جيوش عظيمة من النمل الثائر لم تمنعها ضخامة أعدادها أن تلتزم النظام ولاتخالفه فتتقن عملها بشكل يفوق الخيال داخل شجر الكارفور لتحدث تجويف هندسي بعينه ونحصل على هدية من الأم الطبيعة تتمثل في «ديدجريدو».
ويقول «رافائيل» وهو يمتلك ورشة لصناعة «الديدجريدو»: كل ما علينا بعد ذلك هو انتقاء الشجرة ذات الفتحة الكبيرة من أسفل والطول المناسب وفتحة متوسطة من أعلى لنتمكن من تهذيبها والنفخ فيما بعد لنحصل على آلة موسيقية خالصة.
البدايات
يعود بنا «رافائيل» إلى تلك الرحلة التي بدأها عام 1995 مع صديقته «ديدجريدو»، كنت أعزف من قبل على على آلة آخرى وهى «الساكسفون» وذلك لمدة عامين عندما كنت في الـ20 من عمري ، ثم اكتشفت هذه الآلة عام 1995 وكان عمري 27 عامًا حيث ذهبت إلى أستراليا.
أول مرة تعرفت فيها على الآلة شعرت بصدمة، لكنها كانت صدمة جيدة، شعرت أن كل خلايا جسدي تتفاعل معها، ومع ذلك الصوت المختلف، وتأكدت حينها أنني سأرافقها طيلة حياتي، وقررت في نفس اليوم شراء واحدة، وبالفعل اشتريت وأحذت وتدربت كثيراً.
كان أكثر ماجذبني لهذه الآلة عن الآلات الآخرى هو الاهتزاز (التردد) الناجم عنها، وصوتها بشكل عام، وذلك العمق في الصوت.
الأمر في البداية لم يكن سهلًا، فعندما أحضرت «ديدجريدو» إلى فرنسا -كنت أول من يقدمها لفرنسا حينها- كان هناك من يسخر مني ويضايقني، لكنني كنت أقول دائمًا: «إنهم مخطئون .. لذا قمت بثورتي الخاصة في عالم الموسيقى وأثبت أنني على حق، وبالفعل بعد حوالي 23 عامًا كنت فيها على صلة بالموسيقى: سأطلق ألبومي الموسيقي السابع، كما أنني أقدم معزوفات للأفلام والإعلانات ولدي استديو خاص بي، وورشة لصُنع ديدجريدو.
بالنسبة لي فهي آلة خاصة جدًا وتتميز عن الآلات الأخرى، فهي تتكون من أنبوب فقط بدون أي فتحات خارجية، وبالطبع يوجد طرق وتقنيات عديدة للعزف عليها، لكن العامل الأساسي هنا هو التخيل، والعامل الروحاني وأن تمتلك قصصًا تريد أن تصلها للناس عبر هذه الآلة، فأنا مازلت اكتشف الجديد عنها رُعم أنني أعزف منذ أكثر من 20عامًا وهذا شيئ جيد.
يمكن أن تصدر أصواتًا مختلفة من الآلة عن طريق استخدام الفم، اللسان، الزور، الصدر، البطن، أو الدمج بينهم جميعًا للحصول على أصوات مختلفة فهى بمثابة طبقات، يمكن نطق بعض الحروف بداخلها i o u للحصول على أصوات.
ديدجريدو والطب
في دراسة أُجريت عام 2005 في مجلة طبية بريطانية أكدت أن تعلم وممارسة “ديد جيريدو” ساعد على الحد من الشخير وتوقف التنفس أثناء النوم من خلال تعزيز العضلات في مجرى الهواء العلوي، وبالتالي تقليل ميلها للانهيار أثناء النوم.
وفي هذا الصدد يقول «رافائيل»: تجعلك تشعر بالاسترخاء، وهى جيدة للتنفس، كما أن طريقة العزف تعتمد بشكل كبير على التنفس، وتعالج من يعانون «الشخير» وصعوبة التنفس أثناء النوم، وتساعد الرغبين في الإقلاع عن التدخين للوصول إلى هدفهم،وأعرف صديق أقلع عن التدخين بعد العزف.
كوميديا «ديدجريدو»
أحدهم اتصل بي يومًا ما وسألني عن كيفية صنع الآلة، وذكر لي أنه يملك في حديقة منزله شجرة من نفس نوع الأشجار التي يصنع منها ألة «الديدجريدو» فماذا لو ترك النمل بداخلها ليحصل على آلة؟! وكم المدة التي يحتاجها النمل ؟!
أخبرته أن هذا مستحيل حتى مع وجود النمل ، وأنه لو تمكن من ذلك فعليه الاتصال بي كي أتعلم منه كيف فعلها!
وآخر قال لي إنه بعد أن تعلم على الآلة وجد أن العزف يتوقف على تاريخ ميلاده ، فسألته كيف ؟ قال لي: أنا من مواليد 26 يناير، لذا يمكني العزف على نوتات محدودة، بينما لو كنت من أبناء شهر آخر كان الأمر اختلف، فلم أجيبه!
لم يكن غريبًا على الرجل الذي فخر بهدية الطبيعة «ديدجريدو» ورافقها في جولات عالمية مختلفة، أن يعشق صوت جارة القمر الساحر المطربة العربية فيروز، يقول رافائيل في نهاية حديثه: أعرف مطربين عرب كثيرين، لكن مطربتي العربية المفضلة هى فيروز، كما أعرف صاحب أغنية «دي دي» الجزائري الشاب خالد.
الكاتب
-
محمد الموجي
محمد الموجي ممثل وكاتب مصري، تخرج من كلية الإعلام جامعة القاهرة، وعمل بعدد من المؤسسات الإعلامية بينهم قناة أون تي في ووكالة أونا للأنباء وموقع إكسترا نيوز وموقع كسرة والمولد، والتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية قسم التمثيل والإخراج.
كاتب نجم جديد