القانون لا يعرف “حنين” .. هل هو حق يراد به باطل؟
-
رشا الشامي
إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة
حاولت أكثر من مرة أن أفض الاشتباك حيال أسباب حبس حنين حسام وملاحقتها منذ نحو عام بعد اتهامها بالإتجار بالبشر والتعدي على قيم الأسرة المصرية غير أنني كنت اصطدم بغضب عام لدى البعض بسبب مطاطية التهمة الأخيرة وعدم القدرة على تعريفها ناهيك عن كراهية قطاع عريض من النساء لما يسمى بقيم الأسرة المصرية التي لا تلقى لدينا مرادفًا غير فرض السيطرة على المرأة وقمعها وانتهاك حقوقها باسم العادات والأعراف والتقاليد ولأن ليس كل القديم ذهب فإن لدينا حق في الغضب وأرى ضرورة الدقة في صياغة وتعريف التهم التي توجه للنساء كما الرجال .
لماذا الإتجار بالبشر
بعد صدور الحكم غيابيًا بحبس حنين حسام ١٠ سنوات وتغريمها ٢٠٠ الف جنيه مصري وحبس مودة الأدهم وثلاثة آخرين ٦ سنوات وتغريم كل منهم 200 ألف جنيه بتهمة “الاتجار بالبشر”. تباينت ردود الأفعال فالبعض كان من أنصار وجنت على نفسها براقش ورأوا فيهم قوله تعالى ” ولا يظلم ربك أحدا ” والبعض الآخر وجد أن الرقص عبر تطبيق تيك توك أو المشاركة بالظهور في بث حي عبر ( لايكي ) وهو أحد برامج اللايف لا يبرر أن تقضي شابتان ربيعهما الذي لم يبدأ بعد خلف أسوار السجن كما لم يفهم الكثيرون كيف تورطت الفتاتان في جريمة الإتجار بالبشر
يبدو منطقيًا أن نتوقع أن فتيات التيك توك لم تكونا على علم بفداحة الجرم قبيل ارتكابه ربما لحداثة سنهما وجهلهما بالقانون من جهة وتطلعمها المادي من جهة أخرى.
لم تتخيل حنين ومودة أن جريمة الإتجار وقعت من جراء تصويرهما أطفال دون الثامنة عشر وتشجيعهم على المشاركة في برامج اللايف سواء الخاصة أو ذات الغرفة الواحدة غير تصويرهما الأطفال “القُصّر” ونشر المواد المصورة الخاصة بالأطفال عبر حسابات التواصل الاجتماعي لحنين ومودة بهدف الترويج للأطفال واستغلالهم في أعمال مفخلة إضافة إلى ضم الأطفال إلى مجموعة تتكون من أشخاص بواسطة تطبيق واتس آب تحمل اسم “لايكي الهرم” بهدف تلقي التعليمات وتوزيع المهام من خلالها إضافة إلى تلقيهما أي حنين ومودة تحويلات بنكية نظير المشاهدات التي تحققت بفعل مشاركة الأطفال أنفسهم وتصويرهم وعرض صورهم وفيديوهاتهم ومن بينهم طفلة تبلغ ١٣ عاما.
أصدق أن حنين ومودة لم تدركا أن فارق العمر الفاصل بينهما وبين الأربعة المشار إليهم في القضية باعتبارهم ضحايا قد وضع للقضية بعدًا لم يخطر على البال ، فلو كانت المتهمتين دون الثامنة عشر لتغيرت المعادلة كليًا، وعلى الرغم من حداثة سن الفتاتين حيث تبلغ حنين ٢١ عامًا ومودة ٢٣ عامًا إلا أنهما في عرف القانون راشدتين.
لماذا أكتب ؟
لا أخفي تعاطفي مع الفتاتين لكنني على الجانب الآخر لا يمكنني تجاهل فداحة الترويج لاستغلال الأطفال جنسيًا بهذه الطريقة بغرض التربح خاصة مع سهولة الممارسة لهذا النوع من الدعارة في ظل مستويات الفقر من ناحية و إمكانية إستغلال الأطفال دون معرفة ذويهم من ناحية أخرى – لو أنك تخيلت فأنا أيضًا مثلك – كارثة لا يمكن السماح بتحققها.
وأجد أن الدفع باتهام فتاتي التيك توك بارتكاب أفعال تعارض قيم الأسرة المصرية كان له تأثير سلبي على التوعية بالجرم الأصلي من وجهة نظري والذي وقعت فيه الفتاتين باستغلالهما ٤ أطفال بينهم صبي نصفهم على الأقل دون ١٥ عشر ولا أريد أن أذهب إلى تفسير يفيد تعمد الدفع بهذه الصياغة لإرهاب المرأة بشكل عام وقمعها وتخويفها من الرقص والغناء وارتداء ما تقرره كل لنفسها وفق إرادتها ومشاركة ما تراه مناسبًا لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي دون تقيد بعرف أو تقليد لأنه يختلف من إنسان إلى آخر ويعد تعديًا على الحرية الشخصية الثابتة بالقانون والدستور.
يريد البعض أيضًا أن يسيئ إلى النساء المدافعات عن حقوقهن واستقلالهن بشجاعة ضمن فئات تجاوزت النخب إلى العامة حيث أصبحت النسوية مرادفًا للمرأة البسيطة ” الجدعة ” التي باتت أكثر وعيًا وأملًا في قدرتها على تغيير واقعها وإن لم يعجب ذلك ما يسموه مجازًا بالمدافعين عن قيم الأسرة، ولما أصبح ذلك مقلقًا للبعض فلماذا لا يشيروا إلينا سلبًا باعتبارنا لا نرى خللًا في ممارسة الدعارة بأشكالها المتغيرة ولا ننتفض أمام استغلال جنسي لأطفال قُصّر على هذا النحو المُخل والمُذل والمنافي للحرية والكرامة.
القانون مفيهوش زينب
جملة خالدة جاءت على لسان الفنان الكبير فؤاد المهندس وباتت رمزًا للعدالة، الجملة التي صرخ بها في مسرحيته “أنا وهو وهي”، ولم يعلم أن “زينب” ستتحول إلى رمز الوساطة، وانتهاك حقوق البسطاء والمظلومين، فعندما لا يعرف القانون “زينب” تتحقق العدالة، ولكن هل انتهى زمن زينب؟
إن إجابتك على هذا السؤل ولو سرًا من شأنها أن تعكس لك جانبًا من الغضب حيال تطبيق القانون دون هوادة على حنين ومودة وكأنما يجد بعض الغاضبين زينب وغيرها في محيطه .
في القانون المصري لا يقتصر تعريف الإتجار بالبشر بالاستغلال الجنسي فقط من خلال التعامل مع شخص طبيعي بل يشمل أيضًا السخرة، الخدمة قسرًا، التسول، واستئصال الأعضاء البشرية كما لا يتوقف فقط على استخدام الجاني الضحية أو استغلاله عن طريق الخداع بل يشمل أيضًا استغلاله باستعمال القوة أو العنف، استغلال الضعف أو الحاجة، أو استغلال السلطة وهذا يعني أن لدى كل منا الحق في تصور أنه ربما كان ضحية أو شاهدًا أو مطلعًا بما يمكن وصفه بالإتجار بالبشر دون أن يُخل ذلك من قيم الأسرة ، وهنا نعود ونتأمل أي التهمتين كانتا الدافع لمعاقبة فتيات التك توك وشركاءهم، الإتجار بالبشر أم الإخلال بقيم الأسرة، فيصبح للنقاش وجاهته وأهميته دون إنكارنا لفداحة الجريمة بحق الأطفال القُصر واستحقاق مرتكبيها العقاب وفق القانون .
روح القانون ومسئولية المجتمع
الحُرّ لا يُضَام أي لا يقبل أن يُذل أو يُقهر
لذلك فإن بذل الإنسان كرامته وامتهان نفسه بفعل (أي فعل) لا يرغبه بل يفعله مضطرًا من أجل التربح دون شرف -وهنا- نظير تعري ورقص بقصد الجنس أو القيام بممارسات حميمة ليست بدافع الحب ولا تحوطها الخصوصية -وإن لم يتم ضبطه- فهذا الإنسان رجلًا كان أو امرأة هو إنسان عديم الشرف وذو نفس قليلة رأت فيما لديها سلعة تقدر بثمن فتبيعها لمن يدفع ، وهنا لا يمكنني أن أصف مرتكب ذلك بالإنسان الحُرّ ، ربما يسهل الفقر كاختبار كشف النفوس القليلة لكن الفقر في حد ذاته ليس مبررًا كما تسهل السلطة كاختبار من كشف آخرين في مواضع مختلفة لكن السلطة في حد ذاتها ليست سببًا.
لكن المجتمع غير القواعد السابقة وأخل بفهم الكثيرين للقيم خاصة الشباب منهم فأصبح على سبيل المثال الحرامي كما يُعرفه المثل الشعبي من يتم ضبطه لا من يقوم بفعل السرقة وأصبح النجاح مرادفًا للثراء السريع والسيارات الفارهة والملابس ذات العلامات التجارية الشهيرة بصرف النظر عن وسيلة تحقيق ذلك ، والشرف للأغنياء والمشاهير والمسئولين فكلهم محل تقدير ، لدينا عشرات القصص الثابتة لفنانة هنا ومشهور هناك كان ثمن حصولهم على فرصهم التي صنعتهم وفق القيم المختلة هو تفريطهم وبيع أنفسهم نظير الدور أو الشهرة أو العمل ذو الراتب الضخم ، نعرفهم في جلساتنا الخاصة حق المعرفة لكن المجتمع يحترمهم .
لذلك لم يكن مستغربًا أن تنحرف الشابات ذوات النفس القليلة بفطرتهن المشوهة بفعل المجتمع وتحاولن النجاح وفق قيمه الجديدة وبسبب حداثة السن وانعدام الخبرة وقعنا في الفشل قبل أن يقعن في الجرم فهل من المعقول أن ينجو المجتمع بفعلته ويخرج منها براءة ؟
ضميري يوافق على الردع الذي يصوب الخطأ ويحقق العبرة ويساوي بين شركاء الجريمة في العقوبة دون أن يعرف زينب، لذلك عندي أمل !
الكاتب
-
رشا الشامي
إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة