همتك نعدل الكفة
555   مشاهدة  

لماذا ألف محمد عمارة كتاب التفسير الماركسي للإسلام.. هل لنقد الخطاب الديني فعلا!

التفسير الماركسي للإسلام
  • مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



القاهرة منتصف عام 1992م الأجواء ربيعية بامتياز رغم سخونة الطرف السياسي المصري، العام الدراسي بجامعة القاهرة كان على وشك أن ينتهي عندما تقدم نصر حامد أبو زيد الباحث بقسم اللغة العربية بالجامعة العريقة ببحث علمي حمل عنوان « نقد الخطاب الديني» إلى لجنة علمية مختصة بغرض نيل درجة أستاذ بقسم اللغة العربية .

أبو زيد الذي قد حاز وقتها درجتي الماجستير والدكتوراه والتي قد بلغ من العمر قرابة الخمسين ، لم يكن يتخيل أن لحظة تقديمه بورقته العلمية تلك ستصبح بمثابة الزلزال يقلب حياته الأكاديمية والشخصية رأسا على عقب، هنا حيث امتزجت أحاديث العلم بصخب السياسة وخطب المساجد الرنانة بعناوين الصحف الصاخبة.

وفي الأعراف الأكاديمية يحصل الباحث على ترقياته العلمية عبر خطوات معروفة سلفا، ووفق هذا النهج تقدم «أبو زيد» ببحثه للجنة من كبار الأكاديميين على أمل أن تقبل تلك اللجنة إنتاجه العلمي ومن ثم تنشره الجامعة ويدرسه الطلاب كمنهج علمي معتمد.

و بالفعل تشكلت لجنة في عام 1993م لمنح الباحث درجة الأستاذية وكانت أسماء اللجنة الدكتور عبد الصبور شاهين، و الدكتور محمد عوني عبد الرؤف، والدكتور محمود مكي .

أشاد الأستاذين « عوني ومكي» بإنتاج نصر حامد أبو زيد وطريقته المنهجية، لكن الغريب إن تقرير عبد الصبور شاهين جاء ليس لتقيم أداء منهجي علمي لكن ليفتش في عقيدة نصر أبو زيد، متهما نصر حامد أبو زيد بأنه يمجد الفكر الماركسي، وأنه يساند سلمان رشدي في نقد الخطاب الديني.

ثم خرج علينا عبد الصبور شاهين في صلاة جمعة بمسجد عمرو ابن العاص وناقش تلك المسائل على الملء بين العامة وطلاب العلم، ولأن عبد الصبور كان لديه مريدون طلابا، باتت الضجة عاصفة، و اتهم أبو زيد وقتها بالردة، الأمر الذي تتطلب أن تُقام دعوة بأحد محاكم القاهرة بفصل الدكتور أبو زيد عن زوجته نظرا لارتداده عن الإسلام، وأصبحت القضية بدلا من أن تكون ساحتها مجالس العلم باتت ساحتها في مجالس القضاء .

فهذه الضجة والقصف الإعلامي المتبادل الذي شهدته الساحة الفكرية التي ثارت حول أفكار الدكتور نصر حامد أبو زيد، والتي امتدت لثلاث سنوات (1993_ 1995)، وبعد أن هدأت تلك الأوضاع حول هذا الكتاب ، أراد الكاتب « محمد عمارة» أن يقدم دراسة علمية موضوعية حسب قولة في مقدمة كتابه ، يحاول فيها أن يتسم بروح العدالة الفكرية وفضائل آداب الحور ، وتدعوا الفرقاء إلى كلمة سواء، و ألف كتاب التفسير الماركسي للإسلام لتحليل كتاب نقد الخطاب الديني للدكتور أبو زيد .

يحتوي كتاب التفسير الماركسي للإسلام للدكتور محمد عمارة، على أربع مقدمات تمهيدية وثلاث مباحث « حرية الاعتقاد، والتكفير، والردة عن الإسلام »، وسنتناول مباحث هذا الكتاب بشيء من التفصيل خلال السطور التالية:

أولا: المقدمة التمهيدية الأولى
المقدمة التمهيدية الأولى قدم فيها« عمارة» بداية متابعته لفكر الدكتور نصر، حيث قال« تعرفي عليه.. وكان ذلك قبل سنوات من قضية« ترقيته» إلى درجة أستاذ والاعتراض عليه، وما ثار حول ذلك من عراك».

ويستكمل « عمارة» قصة تعارفه على أبو زيد فيقول « ذهبت ذات مساء، لأداء « واجب العزاء » في وفاة أحد المعارف، من القيادات الماركسية للحركة الشيوعية المصرية، في مسجد عمر مكرم ، وكان يجلس بجواري الصديق والقطب الماركسي المعروف الأستاذ محمود أمين ، وأثناء تبادلنا لأطراف من الحديث تقدم منا شاب لا اعرفه ، سلم علينا وانصرف، وعلق أمين « الدكتور أبو زيد ..أحسن من يحلل النص».

وأوضح « عمارة » في هذه المقدمة أيضا متابعته لكتابات الدكتور أبو زيد ، مؤكدا أنه استاء من فكرة إطلاقه على الكتاب المقدس مصطلح « النص» لافتا إلى أن تلك المصطلح إنما يطلق في تحليلاته للنصوص الشعرية أو القصصية أو الروائية لا أن يطلق على القرآن الكريم.

ولا حظ عمارة أن اهتمامات الدكتور أبو زيد تدخل في إطار ظاهرة المد الإسلامي المعاصر وليس بقضايا النقد والتحليل للنصوص الأدبية، خاصة حينما رأى كتب كـ «مفهوم النص: دراسة في علوم القرآن» ، كان هذا بمثابة الإنذار، كيف يتجاوز الماركسيين الخطوط الحمراء التي رسموها لأنفسهم إزاء الدراسات الدينية ، ولم يعودوا يكتفون بنقد الجماعات الإسلامية، بل ولا حتى مناقشة « الفكر» الإسلامي.. وإنما غدوا يخضعون « المقدس الإسلامي »، وفي مقدمته القرآن الكريم للتحليل الماركسي ؟!».

المقدمة الثانية
أعلن « عمارة» في هذه المقدمة موقفه من الحكم الذي أصدرته محكمة استئناف القاهرة، دائرة الأحوال الشخصية في الاستئناف رقم 278 لسنة 111، والذي قضت فيه بالتفريق بين الدكتور أبو زيد وزوجته الدكتورة ابتهال يونس، تأسيسا على ثبوت ارتداده عن دين الإسلام، ببيانات رأتها المحكمة فيما كتبه من مؤلفات ودراسات، وهو الحكم الذي أحدث دويا تجاوز وطن العروبة وعالم الإسلام إلى العالم أجمع .

ويبين عمارة رأيه في هذه المسألة فيقول:« إن قضية الدكتور نصر أبو زيد، هي قضية فكرية، مجالها الحوار الفكري والمختصين فيها، هم المفكرون والباحثون، وهي ليست قضية قانونية، يختص بها المحامون ودوائر القضاء، وهذا ليس تقليلا من شأن المحاميين والقضاة، فالدكتور نصر صاحب مشروع فكري، وأنا ممن يختلفون مع قضاياه المحورية اختلافا جذريا ، فكتاباته تدور حول تاريخية النصوص المقدسة، أي نفي الخلود والعموم عن أحكامها، وأنا أرى أن مثل هذه الأفكار يجب أن تكون موضوعا لحوارات فكرية جادة وموضوعية، فعريضة الدعوى ، ليس مجالها مناقشة القضايا الفكرية، وحيثيات الأحكام، ليست مؤهلة في العادة للفصل في مثل هذه القضايا الفكرية».

وتحدث أيضا في هذه المقدمة عن حرية التعدد الفكري في المنظور الإسلامي، وهو يرى أن هذه الحرية تتسع العلمانيين والشيوعيين، كما يرى أن المشروعات الفكرية تعالج بالدراسات الموضوعية لا بتكميم الأفواه ، والذين يريدون تكميم أفواه خصومهم ليس من حقهم الشكوى إذا كنتم خصومهم أفواههم !! فالحل هو في التعددية وفي الحوار

المقدمة الثالثة:
وعن المقدمة الثالثة فقد علق الدكتور محمد عمارة عن فكرة « ظاهرة التكفير» في حياتنا الفكرية المعاصرة، و كذلك عرض فكرة الكفر المطلق والإيمان المطق .

وكتب في المقدمة الثالثة أيضا فكرة أن الدين الإسلامي يتميز ويمتاز عن كل أنساق الاعتقاد الديني الأخرى، عندما يعترف «بالآخر» حتى ذلك« الآخر » الذي لا يعترف بالإسلام!!..

وميزة أخرى يتميز بها الإسلام، وهي أنه الدين الوحيد الذي لم يقف في الفضائل ، عندما حد الاعتراف « بالآخر» بل لقد جعل حماية هذا الآخر والدفاع عن حقه في الاختلاف، الذي هو بنظر الإسلام « كفر » جعل حماية حق الآخرين في « الكفر» بالإسلام عقيدة وذمة و عهدا وميثاقا، لا يكتمل بدون رعايتها، و الجهاد في سبيل الحفاظ عليها إيمان المؤمنين بالإسلام!!.
المقدمة الرابعة

وفيها تناول « عمارة» الموقف الشرعي من الارتداد عن دين الإسلام، موضحا إن« الإيمان» : تصديق بالقلب يبلغ مرتبة اليقين، والتصديق القلبي لا سبيل للاطلاع عليه إلا من قبل علام الغيوب، ولذلك لا يمكن أن يكون ثمرة للإكراه، ولهذه الحقيقة كان التعبير القرآني « لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم » .

ويؤكد عمارة أن حرية الاعتقاد حتى وإن كانت اعتقاد المحرم والضار والممنوع حق طبيعي ، والحرمان منها قهر للإنسان على النفاق، لا يمكن أن يثمر إيمانا أو اعتقادا راسخا ..أما « التعبير» عن هذا الاعتقاد، فهو حق تحكمه اعتبارات الصالح العام، ومقتضيات الحفاظ على المقومات الأساسية للاجتماع الإنساني، التي تعارف عليها مجتمع من المجتمعات .

وتحدث أيضا عن حد الردة في التراث الفقهي، فيقول: « أما التراث الفقهي الذي تحدث علماؤه وأئمته وأعلامه عن « حد الردة» وهو القتل، بعد ثبوتها، واستتابة مقترفها» .

إقرأ أيضا
منصة تكوين

من تلك المقدمات الأربعة ، يقول الكاتب أنه يتبين من خلالها فكر الأستاذ نصر أبو زيد، من المعلوم بالفطرة والبداهة والذي لم يختلف فيه أحد أي المعلوم بالضرورة من ثوابت عقائد الإسلام ، رافضين أي لون من الإكراه الفكري، مستهدفا فيه فقط السعي ، كي يتسق « الفكر » مع الثوابت التي لم يختلف عليها أحد من خاصة أو عامة المسلمين.

ما لا يجوز الخلاف فيه
بعد صدور حكم محكمة الاستئناف دائرة الأحوال الشخصية بالتفريق بين دكتور أبو زيد وزوجته تأسيسا على تضمن ما يجعله مرتدا عن دين الإسلام .

بعد أيام قليلة من الحكم ، نشر الدكتور أبو زيد للناس بيانا قال فيه « أنا مسلم، فخور بأنني مسلم، أومن بالله سبحانه وتعالى، وبالرسول، عليه الصلاة والسلام، واليوم الآخر ، وبالقدر خيره وشره، وفخور بانتمائي إلى الإسلام، وأيضا فخور باجتهاداتي العلمية وأبحاثي، ولن أتنازل عن أي اجتهاد فيها إلا إذا ثبت لي بالبرهان والحجة أنني مخطئ » .

وبعد أيام قليلة ، نشر أيضا الدكتور أبو زيد قال :«.. أعلن استعدادي لتلقي ما أثاره الحكم القضائي من أسئلة واستفسارات في عقول أبناء مصر جميعا، للإجابة عنها، وشرح ما هو غامض، أو ملتبس، أو مثير للريبة»
وأمام هذه التصريحات يعلق الدكتور عمارة، ويقول أننا أمام مجموعة من الحقائق منها:

1- هذا الإعلان الصريح من الدكتور نصر عن أنه مسلم، وفخور بإسلامه، وبانتمائه للإسلام، يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره ..وهو إعلان صريح عن إسلام الرجل، لا يجوز التشكيك فيه بحال من الأحوال.
2- إعلان دكتور نصر عن تمسكه بآرائه وأبحاثه وهي التي أثارت ضده العاصفة .
3- التقدير المسؤول من قبل الدكتور نصر لما أثارته آراؤه وأفكاره لدى الناس، من قبيل « ما هو غامض أو ملتبس أو مثير للريبة ».

من هذه النقاط انطلق الدكتور عمارة لمحاورة الدكتور أبو زيد ، وانطلق من فكرة نظرة أبو زيد المادية للماركسية، والتي ترى أن المادية الجدلية تعتبر الفكرة انعكاسا لواقع موضوعي، وهي تؤكد في الوقت نفسه التأثير العكسي للفكرة على تطور الواقع المادي، بهدف تحويله

كما ترى الماركسية نسق هذه العلاقات الإنتاجية الأساس والقاعدة الحقيقية لكل مجتمع، عليها يرتفع بناء فوقي سياسي وقانوني واتجاهات مختلفة للفكر الاجتماعي .

فالمادة والواقع هما القاعدة التي يتشكل فيها ويخرج منها،  ويصدر عنها الفكر بكل ألوانه: المفاهيم ، والأحكام، والنظريات والديانات ، وليس هناك مصدر للفكر خارج الواقع أو مفارق للمادة والطبيعة.، تلك هي النظرة الماركسية للفكر والدين.

الكاتب

  • كتاب التفسير الماركسي للإسلام مي محمد المرسي

    مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان