“لماذا نجحوا ؟” عندما تمكن القوط من إسقاط الإمبراطورية الرومانية الغربية
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
كتب القديس المؤرخ سانت جيروم بعدما هزمت الإمبراطورية الرومانية الغربية على يد القوط «لقد تسرب الضوء من الدنيا، فالمدينة التي قهرت العالم كله قد هوت، ماذا يمكن أن ينقذنا إذا هلكت روما؟».
الإمبراطورية الرومانية الغربية التي كانت
لقيت الإمبراطورية الرومانية الغربية هزيمتها على أيدي القوطيين الغربيين، وهم قبيلة من القبائل البربرية الكثيرة التي تدفقت كالسيل على أقاليم الإمبراطورية الرومانية، وفي مقولة سانت جيروم، تصوير عما أصابه من الدهشة المفزعة، إذ وجد من العسير أن يصدق أن روما التي ظلت زهاء قرون عدة أقوى مدينة في العالم وأشدها منعة، يمكن أن تحتلها قبيلة من البرابرة الرحل، وكما حدث، فإن أمر الغزو لم يقتصر على روما وحدها، بل كل أرجاء الإمبراطورية الغربية قد سقطت بين أيديهم.
كانت الإمبراطورية الرومانية أكبر إمبراطورية في التاريخ وأحسنها تنظيمها، على الأقل حتى مشارف المصور الحديثة، فقد غطت أقاليمها التي بلغت غايتها من الامتداد والسعة في القارة الأوروبية، من نهر الراين والدانوب ووصولاً إلى جبال الألب الشاهقة
مع القرن الرابع الميلادي أصبحت الإمبراطورية تعاني أشد المتاعب في سبيل تحقيق نظام حكم تسوده الكفاية والنفوذ الفعالين وكانت تحت ضغط ملحٍ مستمر من جانب القبائل غير الرومانية المتربصين بها والمتنقلين خارج حدودها، وكان يتفق بين حين وآخر أن يباشر إمبراطور قوي وكفء، ومقتدر حكم البلاد جميعها لفترة ما.
غير أنه كان في حقيقة الأمر إمبراطوريتين منفصلتين كانتا مقسمتين بفعل المناطق الجبلية و البلقانية عبر خط معادل على وجه التقريب، وكان معظم الأهالي المتعلمين في الجانب الشرقي من ذلك الخط يتكلمون اليونانية، بينما يتكلم الأهالي في الجانب الغربي اللاتينية.
أفـول نجم الإمبراطورية الغربية
مضى عهد الرخاء الأكبر، وخاصة ذلك الذي كان يتمتع به النصف الغربي من الإمبراطورية، فلم يعد كثير من المدن الكبرى مكتظةً بالسكان، وضعف النشاط التجاري، وعز التداول، وعاد الناس في أنحاء كبيرة من الغرب إلى الأخذ في التعامل بالطريقة التي كانت تتبع من قبل، وهي طريقة المقايضة، وكانت كتائب المحاربين مكونة غالبًا من برابرة سابقين قليلي الإدراك لمعنى الولاء للإمبراطورية، وفي المناطق الأمامية، كان أفراد القوات الدفاعية يطيب لهم في أكثر الأحايين الاستقرار على الأرض التي احتوتهم، مؤثرين ذلك المصير على المضي في الاحتفاظ بأعباء مهامهم العسكرية.
بذلك اثنين من أكبر الأباطرة خلال القرن الرابع جهودًا مضنية لمنع الإمبراطورية من السقوط والتمزق أولهما ديوكلينيان وكان من أهالي البلاد التي تسمى في الوقت الحاضر يوغوسلافيا، وقد حكم من سنة 284 م إلى سنة 305 م، وثانيهما قسطنطين، وقد حكم من سنة 306 م إلى سنة 337 م، وتوج قسطنطين بالفعل إمبراطورا في مدينة يورك البريطانية.
وواقع الأمر أن روما أخذت تفقد أهميتها حتى بداية القرن الرابع، وإنها وإن تكن حتى ذلك العهد ما زالت عاصمة الإمبراطورية، فإنها لم تعد في الحقيقة مركز النشاط الحكومي، ومن ثم قرر ديوكليتيان أنه من العبث أن يحاول حكم هذه الأقاليم الشاسعة في إطار إمبراطورية واحدة، فاقتسم سلطانه مع إمبراطور آخر؛ أما قسطنطين فقد ترامى له أنه لا يزال في الإمكان توحيد الإمبراطورية في حالة ما إذا أدبرت دفة الحكم من الشرق الحافل بالثراء والخيرات.
على هذا الأساس أقام دعائم مدينة كبيرة جديدة على ضفاف البسفور في سنة 330 وقد أصبحت روما الجديدة التي عرفت فيها بعد باسم القسطنطينية غاية في الكبر والاتساع والغنى، حتى رأى الجانب الغربي نفسه أكثر عزلة و تفردا عما كان عليه من قبل.
ولم يعد الأباطرة الذين خلفوا قسطنطين في الشرق، يعانون كثيرا بالاحتفاظ بمظاهر قوتهم ونفوذهم في الجانب الغربي، الذي سرعان ما وجد نفسه يواجه بالمتطلبات التي تفرضها تلك المهمة المستحيلة التحقيق والخاصة بصد المد البربري المتدفق.
استمرت الإمبراطورية في الشرق تعمل على البقاء وإن كان قد تضاءل حجمها في أيامها الأخيرة إلى درجة كبيرة، وظل الأمر على هذا النحو حتى عام 1453 م، حيث غزاها الأتراك، لكن نواة الانهيار كانت بدأت في الغرب قبل 1000 سنة نتيجة للانحطاط الأخلاق الذي ساد جيوشها، وافتقارها إلى الأسواق التجارية ، وبسبب أقاليمها المتباعدة القليلة السكان.
كانت أفواج البرابرة خارج حدود الإمبراطورية تنتسب إلى عدد كبير من الشعوب المختلفة وقد تمكن القوطيين الغربيين من عبور نهر الدانوب، ودخول الإمبراطورية في سنة 376 م وبعد ذلك بسنتين، ألحقوا الهزيمة بالقوات الإمبراطورية في معركة إدريانوپل، ومن ثم واصل أولئك القوطيون الغربيون تحركاتهم في داخل البلاد البلقانية، ثم أتيح لهم عقب ذلك بوقت قصير أن يدخلوا إيطاليا وفي خلال سنة احتشدت تجمعاتهم في وسط إيطاليا وأحدقوا بروما نفسها.
اقرأ أيضًا
هنيبعل القرطاجي .. كابوس روما القاسي يموت منتحرًا
كانت توجد في ذلك العهد بطبيعة الحال مدن في داخل الإمبراطورية أكثر أهمية من روما و لكن روما كانت صلبة العود صامدة أمام الغزو يعز قهرها لمدة طويلة.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال