همتك نعدل الكفة
599   مشاهدة  

ما بين “مومياء”شادي عبد السلام و ماجد.. اللي لقى “لقية”

شادي عبد السلام


كان الصوت يطاردني منذ الطفولة.. صوت يأتي بقوة كأنه نابع من وراء الجبل.. يا “ماااااجد”.. كان يناديني بإسمي.. مرات بالهمس ومرات أخرى كأنه يصرخ ومرات كأنه يئن أو يستغيث.

 

دارت أمي بي على “القساوسة”، قالوا روش شريرة تلبسته وترفض المغادرة.. على الأطباء، قالوا ابنك جسده سليم معافى، يبدو أنه مرض نفسي.. والعرافين والسحرة أخبروا أمي أن هناك جنية تغواني..  لكن لا فائدة.. لا زال الصوت يطاردني.. لا يؤذني، لكن الصوت لا يبدو أنه سيتركني في حالي قبل أن أجن.. لكنه اختفى مع بداية المراهقة.. وعاد ذات يوم بعد أن كنت قد نسيته.. لكن هذه المرة، أيقظني من نومي، ووضع في رأسي فكرة، لم اسمعه يقول شيء سوى اسمي، لكن بعدها وجدت نفسي أحفر تحت قدمي دون أن أعرف ما الذي أفعله، حتى رأيت بداية “المقبرة”.

 

تصدق أو لا تصدق.. هذه قصة مواطن وجد “كنزا” مخبأ في منزله، كما رواها هو بنفسه، قطعا الأسماء والأماكن في القصة غير حقيقية، وتم استبدالها بأخرى مستعارة.

 

من بين عشرة آلاف قصة عن البحث عن الآثار، والحفر في المنازل أو المقابر، ستجد واحدة فقط اكتملت بالعثور على “الكنز”.. ومن بين ألف شخص يجد آثارا فرعونية في تنقيبه يسلمها للحكومة.. والباقي يباع ويهرب خارج البلاد، في رحلة طويلة، من السماسرة، والشيوخ و”الدلالين”، حتى الوصول ل “الخواجة”، الذي “يشيل الشيلة” ويدفع فيها الملايين، ليهربها هو بمعرفته لبلاده. أو لمن يدفع أكثر.

 

يقول “ماجد”32 عاما: “يمكن أنا الوحيد في بلدنا اللي ماكنتش بدور على آثار. لكن سبحان الله ربنا كرمني أنا ماعرفش ليه”.

 

يؤمن “ماجد” كمثل غيره في قريته في محافظة “المنيا”، التي يقول إنها تعوم على بحر من الآثار القديمة، يؤمن أن الآثار من حق من يجدها.. فهي “بتاعة أجدادنا” ولا يرى مانع أخلاقي أو وطني في التجارة بها.

 

( ألا ترون ما تفعلون؟.. ألا يوجد بينكم من يقلقه ضميره فينطق؟ يقلقكم ما تفعلون؟

 

قطعة من الذهب هي.. لكنني أراه عين تلاحقني.. هل هذا هو عيشنا؟ هذا عيش الضباع)

 

شادي عبد السلام

 

تذكرت هذا المشهد من “مومياء” شادي عبد السلام.. فيما يراه “ماجد” ومن حولي في القعدة الشتوية أمام “الركية” بمنزل قديم، أنه كلام “مثقفين” مع إضافة “لامؤاخذة” حتى لا أعتبرها إهانة.

 

فيلم المومياء لـ شادي عبد السلام
فيلم المومياء لـ شادي عبد السلام

أكمل حديثه، بعد ضحكة جماعية إثر رأيه الصريح: ” أتحدى أي واحد يلاقي حتة ويسلمها للحكومة.. ده كلام للهمبكة..  لكن ساعة الجد ها تحسبها زي أي عاقل، حتة الحجر دي بملايين تعديك الفقر أنت وأهلك كلهم”.. وختم ” بص يا أبو عمه.. طالما انت بتقول إن الآثار دي ملك للبلد والشعب كله، أدينا إحنا بناخد نصيبنا منها بنفسنا.. لكن تقولي الصح نسلمها.. لما كبارات البلد شغالين في الآثار.. كل المليونيرات دول.. جابوا الفلوس منين؟ ده أنت غلبان”.

 

أيده الجميع بالطبع.. كنا ستة وسابعنا “المنقد” وبراد شاي يغلي فوقه ينتظر تلقيمة الشاي وعود النعناع.

 

ناولني “عماد” 27 عاما،  كوب شاي صغير.. “عماد” أحد الحضور، وأكثر الذين سعوا وراء الثراء بالحفر في عدة منازل، هو وأسرته منذ سنوات بحثا عن أي قطعة ولم يجدوا شيئًا.. لكنهم لم يكلوا.. ولا يؤمنون بمقولة “ماجد” إن “اللي بيدور ما بيلاقيش واللي بيلاقي ما بيدورش”

 

قال “عمدة” كما ينادونه :” بص دلوقتي مافيش شغل النصب بتاع زمان.. فيه جهاز بيكشف إن كان فيه في المطرح آثار ولا لأ.. وفيه شيوخ برضه و دلالين بيعرفوا..  لكن دول واحد في الألف”.

 

لكنه ينطلق إلى أهم نقطة في العملية كلها: ” الأصعب من إنك تلاقي الحاجة، هو تصريفها”

إقرأ أيضا
شادي عبدالسلام

بالعودة إلى “المحظوظ” الوحيد في القعدة “ماجد” فهو الأكثر صدقا في مسألة “التصريف”، فلقد مر بالتجربة كاملة حتى قبض الملايين.

 

يقول: ” في منطقتنا هما اتنين اللي بيصرفوا الحاجة. واحد كان عضو مجلس شعب أيام مبارك، وبدأ من “مراكبي” وانضم للإخوان ووصلوه للمجلس.. ده بيشتغل في المنطقة عن طريق رجالته اللي بيعرفوا مين لقى آثار ومين إشاعات.. التاني رجل أعمال مسيحي وده بيشتغل على تقيل”.

 

يعتدل في جلسته، ويضيف:” كل حاجة بتتم بالتليفون الأول.. تتصل يقولك ابعتلي فيديو للحاجة ومعاهم ورقة مكتوب فيها تاريخ النهارده. أو كلمة كذا.. وتنفذ فورا وتبعت الفيديو.. اتأكد ان الفيديو سليم ومش مضروب، هايقولك استنى مني تليفون. وبعدين يتفق معاك يبعت خبير يشوف الحاجة سليمة ولا مضروبة ويتمنها. الزيارة التالتة معاه المبلغ المتفق عليه ومعاه اللي يشيل”.

 

لكن “ماجد” حالته كانت مختلفة في بعض التفاصيل، فهو تعامل مع “الخواجة” مباشرة، عن طريق وسيط “تقيل” في البلد” على حد وصفه.

 

رفض “ماجد” أن يقول المبلغ الحقيقي الذي باع به ما وجده، رغم تخمين من حوله للمبلغ.. 40 مليون؟ 50؟ .. لكنه يضحك ويسعل إثر نفس من سيجارته المارلبورو، أو ربما إثر نشوة الفلوس، ويقول: ” فلوس كتير.. كتير قوي”.

 

كان من المنطقي جدا، حسب عقله وخططه، أن يفكر “ماجد” في خوض انتخابات مجلس النواب القادمة.. وهو أيضا الخبر الذي كان كافيا لأقوم من القعدة، وأودعهم ب كليشيه “بالتوفيق”.

 

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
2
أحزنني
0
أعجبني
2
أغضبني
0
هاهاها
1
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان