ماذا لو فشل عمرو بن العاص في فتح مصر؟!
-
نيرفانا سامي
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
منذ سنوات تعلو وتيرة الحديث عن أننا مصريون ولسنا عرب، وكذلك محاولات جادة ومجهودات رائعة من بعض المتخصصين في اللغة القبطية لإعادة احياءها مرة أخرى، وايضًا الحديث عن أننا بالتأكيد كنا سنبقى أفضل بكثير لولا فتح عمرو بن العاص لمصر، او كما يطلق عليه أصحاب الشوفينية المصرية الاحتلال العربي لمصر.
ورغم أن التاريخ لا يقبل وضع افتراضات لأحداثه لأنها حقائق نعيش نتائجها اليوم، إلا اننا اليوم من خلال هذا المقال سوف نحاول التلاعب بالمنطق، ونطرح سؤال (ماذا لو فشل عمرو بن العاص في فتح مصر)، ولن نتعمق في الحديث عن أحداث تاريخية أو دينية بقدر حديثنا عن المجتمع المصري والتغيرات التي حلت به مع الفتح وخلال حكم الدولة الاموية والفاطمية بالتبعية.
الهوية المصرية وفتح عمر بن العاص مصر
منذ فجر التاريخ وصولاً إلى فتح عمرو بن العاص مصر في عام 641 م بعد سقوط حصن بابليون، استطاع المصريون رغم احتلال مصر وحكم شعوب أخرى لها لعشرات المرات أن يحافظوا على لغتهم القبطية وعاداتهم الاجتماعية، ولو لم يحدث هذا الفتح لظل المصريون يتحدثون لغة أجدادهم بدلاً من اللغة العربية.
كتب طه حسين في مقال كتبه في عام 1933 أشعل الحرب بينه وبين الأزهر، “أن المصريين قد خضعوا لضروب من البغض وألوان من العدوان جاءتهم من الفرس واليونان والعرب والترك والفرنسيين”، وكان عميد الادب العربي من مفجري الجدلية التي مازلنا نعيش فيها حتى الآن، أن المصريين ليسوا عرب وأن الفتح العربي لمصر كان احتلال مثله مثل ما سبقه وما تلاه.
كما كتب أيضًا طه حسين في كتابه (مستقبل الثقافة في مصر) عن سلبيات فتح عمرو بن العاص لمصر “لو ان الله عصم مصر من الفتح العربي، لاستمر اتصالها بأوروبا وشاركت في نهضتها، وسلكت معها إلى الحياة الحديثة نفسها”.
لا نتحدث هنا عن انضمام مصر إلى الاتحاد الأوروبي الحديث بالطبع، ولا نتحدث بالضرورة عن أن تواجد العرب في مصر أدى لانهيار أو تدني ثقافتها لأن العديد من الحقائق التاريخية تكشف عن عكس ذلك في بعض اللحظات التاريخية، ولكن المعنى الذي يقصده طه حسين هنا يتعلق باستمرار هذه الحضارة إلى العصر الذي عايشه هو والذي شهد ما قبله وما بعده تأخر واضح في المؤشر الحضاري بين مصر وأوروبا.
مصر نقطة إنطلاق الفتوحات إلى أوروبا
من مصر انطلقت الجيوش العربية إلى شمال إفريقيا حيث ممالك البربر والشعوب المتجذرة أصولها في هذه المنطقة الغنية بالتراث، وما كان من الممكن أن تتمكن تلك الجيوش من العبور إلى تلك المنطقة إلا بعد إحكام السيطرة على مصر، لذا لو لم تكن قد تمكنت من الأولى لما تمكنت من الوصول إلى الثانية، ولربما كانت استمرت تلك القبائل في حكم تلك المنطقة لسنوات طويلة، ومن يعلم لربما أيضًا تمكنت من التوسع واحتلال مناطق أخرى ولكان لدينا اليوم مملكة بربرية أو مجموعة من الشعوب التي تعتمد على تلك اللغة القديمة اعتمادًا كليًا.
“أنا شيء ؟!” قراءة صوفية لديالوج مشهد محمود عبدالمغني في فيلم صاحب المقام
من المغرب انطلقت الجيوش العربية إلى إسبانيا أو ممالك القوط القديمة والتي تحولت فيما بعد إلى الأندلس، وما كان من الممكن ان يصل العرب إلى هذه البقعة الأوروبية إلا من خلال المغرب أي من خلال مصر في البداية، وأيضًا لو ما كان هذا لما كان ذاك، وما كانت لتتمكن الجيوش العربية من اقتحام أوروبا إلا من خلال التغول من الشرق إلى الغرب وهو ما يعني اصطدامها بمجموعة من القوى العسكرية العظمى الأخرى في جنوب أوروبا وهو ما قد يمنعها من الوصول إلى أرض القوط بشقيها، وربما لما كانت ضعفت القوى والحضارات الموازية في تلك الفترة.
فتح مصر من وجهة النظر الإسلامية مثل نقطة فاصلة في التاريخ الإسلامي ككل، فلمصر مكانة كبيرة على مختلف المستويات التاريخية والجغرافية والسكانية والاقتصادية أيضًا، ولذا كان من الضروري وشديد الأهمية أن تتمكن القوة العربية الوليدة من فرض سيطرتها على الأراضي المصرية وهو ما أدى للعديد من التبعات التاريخية التي لربما أدت لتضخم واستمرار الإمبراطورية الإسلامية على مدى عقود وقرون باختلاف مسمياتها، ولربما أدى فشل السيطرة على مصر إلى حدوث نتيجة عكسية كليًا.
مصير الكنيسة القبطية لو لم ينجح عمرو بن العاص في فتحه مصر
على المستوى الديني للمصريين، كان الخلاف في أوج اشتعاله بين ما كان يُعرف حينها بالكنيسة الخلقدونية والكنيسة اليعقوبية والأخيرة هي ما تُعرف اليوم باسم الكنيسة الأرثوذكسية القبطية، وقد ساهم تدخل العرب في الشأن المصري في ترجيح كفة الفئة الثانية والتي كانت مضطهدة حينها بسبب استغلال المسيطرون على مصر للمذهب الأول بغرض فرضه على عموم المصريين، ولربما كانت الكنيسة الخلقدونية هي المسيطرة اليوم لو ما كان تمكن عمرو بن العاص من دخول مصر… من يعلم.
وربما يقيت الأسكندرية عاصمة لمصر ولم تبنى القاهرة أبدا، وبهذا كانت العاصمة ستتوسع غربا لتسع التعداد السكاني الضخم للقاهرة فكان المصريون سوف يسكنون الساحل الشمالي.
على المستوى الاجتماعي فبعد فتح عمر بن العاص مصر، زادت هجرة القبائل العربية إلى مصر، وهو ما أدى بالطبع لانتشار اللغة العربية وتواري اللغة القبطية، كما ذهب عدد كبير من هؤلاء إلى صعيد مصر، ليخرج من ظهورهم العشرات من المبدعين والمفكرين على مدى التاريخ، ولو لم يكن قد حدث ذلك كان من الممكن ألا يولد عدد كبير من المبدعين والمفكرين والسياسيين المصريين الذين ولدوا في صعيد مصر، وحتى صاحبة هذا المقال التي تنحدر أصولها من الصعيد المصري، والتي قد يكون لها جذور عربية لا تعلم عنها شيء حتى الآن على الأقل.
الكاتب
-
نيرفانا سامي
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال