“مارثا جراهام” راقصة القرن الحائزة على وسام الحرية
-
إسراء أبوبكر
صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
أيقونة نسائية ثورية، وصف من الصعب تخيل إطلاقه على راقصة مهما بلغت قدراتها الفنية. لكن مارثا جراهام المعروفة بلقبها الذي أطلقته عليها مجلة التايم “راقصة القرن” لم تكن مجرد راقصة ومصممة رقصات عادية، كانت بالفعل أيقونة تاريخية غيرت المجرى الفني للرقص في الولايات المتحدة والغرب؛ بشكل جعلها تصنف في الفئة نفسها مع فنان مثل بيكاسو، وتدخل البيت الأبيض لتصبح أول راقصة تحصل على قلادة الحرية من الرئيس الأمريكي فورد. وحتى في أواخر عمرها لم تنقطع جراهام عن شغفها الوحيد الذي وهبت له 80 عامًا من حياتها، وما يزال مشوارها الفني مستمر رغم مرور عقود على وفاتها من خلال مدرستها التي تستعد للاحتفال بمئويتها الأولى.
أيقونة نسائية ابتكرت الرقص الحديث
في مايو/ أيَّار 1894 م ولدت مارثا جراهام لعائلة عادية تقطن ولاية بنسلفانيا الأمريكية، ثم انتقلت معهم إلى كاليفورنيا لتبدأ مشوارها مع رقص الباليه في سن الـ 17. وبحلول عام 1926 أي في سن الـ 32 أسست استديو رقص خاص بها في مانهاتن سرعان ما تحول إلى الشركة الضخمة التي تحمل اسمها حتى الآن “شركة مارثا جراهام للرقص“. من خلال شركتها الصغيرة مارست جراهام رقص الباليه وصممت مئات الرقصات المنتمية لفن الرقص الحديث غير المألوف وقتها، والذي تعتبر أحد رواده بل يمكن القول أنها اخترعته. وظلت جراهام “أم الرقص الحديث” تؤدي عروضها بانتظام حتى خريف عام 1970 م، حين ظهرت فرقتها لأول مرة على المسرح بدونها معلنةً الاعتزال دون أن تصرح به لينتهي بهذا مشوار 76 عامًا من الرقص.
لم يكن ابتكار جراهام للرقص الأمريكي الحديث فقط هو ما جعلها “راقصة القرن” أو “أيقونة نسائية” كما صنفتها مجلة بيبول، فقد ارتبط اسمها بتقنية جديدة للرقص يرى مختصون أنها أحدثت ثورة في عالم الرقص تقارن بما أحدثه بيكاسو في مجال الرسم. كانت “تقنية جراهام” للرقص تعبر عن روحها الحرة ونمطها الذي لا يخضع لأي نمط، وهو ما قامت عليه مبادئ الرقص الحديث المعروف بالحرية وكسر تقاليد الرقص بأنواعه. ومن هنا كانت تقنية جراهام المعتمدة على مزج الباليه بالجاز وأنواع أخرى من الرقص دون قواعد سوى التعبير عن الذات بانسيابية هي ما حددت الرقص الحديث وماهيته.
آخر رقصة تقدمها جراهام في سن السبعين “رسالة إلى العالم”
“القبح قد يكون جميلًا”. كانت هذه هي رسالة مارثا جراهام عن لسانها حين سألت خلال مقابلة صحفية حول الجمال في الرقص، موضحةً أنها دائمًا ما تحاول تعليم تلاميذها أن الرقص لا يجب أن يكون ناعمًا وأنثويًا بل يمكن أن يكون قويًا وجميلًا في الوقت نفسه. وهو ما يظهر بالفعل في 181 رقصة صممتها بنفسها.
الحب والحرب، القبح والجمال، النساء والتقاليد مفاهيم عديدة جسدتها جراهام خلال مشوار أكثر من 70 عامًا في الفن الراقص، كانت خلاله ثورية على الصعيدين الفني والإنساني؛ حيث أصبحت أول من يستخدم راقصين من أصول أفريقية وآسيوية خلال عروض ضخمة على خشبة المسرح الأمريكي.
ظلت جراهام ترقص حتى في سن متأخرة، فقد قدمت آخر رقصاتها “رسالة إلى العالم” في سن الـ 76 خلال مهرجان بروكلين للرقص. وعن هذا اليوم الذي لم يعلم أحد أنه سيشهد آخر ظهور لجراهام على المسرح، روى مدير أعمالها ما لا ينساه عن حالة التوتر والغضب غير المعتادة التي سيطرت عليها. وحين ظهرت يومها فجأة على خشبة المسرح استقبلها الجمهور بتصفيق حار وقوفًا على الأقدام؛ وكأنهم عرفوا أنها آخر مرة ترقص فيها الأسطورة السبعينية مارثا جراهام.
على الرغم من اعتزالها استمر مشوارها مع الرقص حتى مراحل متأخرة من حياتها، حيث عملت في تدريس وتصميم الرقصات من خلال مدرستها المعروفة. وقبل أن تنتهي الأسطورة كرمها الرئيس الأمريكي جيرالد فورد بوسام الحرية الرئاسي، وأصبحت أول راقصة تحصل عليه في العام 1976 م، ثم اتبعه رونالد ريغان في العام 1985 م، عندما اختارها من أوائل الحاصلين على الميدالية الوطنية للفنون. وحتى بعد رحيلها في العام 1991 م ما تزال مدرستها تقدم رقصاتها للعالم الذي يراها دائمًا بالانبهار نفسه، ويحتفل جوجل سنويًا بذكرى راقصة لا تقل شأنًا عن بيكاسو.
الكاتب
-
إسراء أبوبكر
صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال