محمد يونس القاضي..المنسي الذي تعيش كلماته في قلوب الملايين
-
مريم مرتضى
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
تعيش كلماته باقية ويتم ترديدها يوميًا، حيث نستمع إلى كلمات نشيد “بلادي بلادي” في المدارس والمؤسسات وعلى التليفزيون المصري والإذاعة، ولكن مؤلفها شخصيًا عانى من نسيان الناس له وعاش في أواخر عمره على أطلال ماضيه، إنه الشيخ “محمد يونس القاضي” الذي قال في أخر حديث له “أنا أعيش في ضياع، أريد أن تمر أيامى بسرعة، أعيش الآن تائهًا، صرفت كل ما أملك على الأدوية والعلاج، الخوف من الأيام يطاردني، إن آلامي من الناس فاقت كل ما تجمع في جسدي من آلام” وذلك بعد أن أقعده المرض والفقر والنسيان.
ميلاده ونشأته
وُلد “يونس” في 1 يوليو عام ١٨٨٨م في حي الدرب الأحمر بالقاهرة، وانتقلت أسرته المكونة من ٩ أطفال وأم وأب يعمل في القضاء إلى مركز أبو قرقاص في المنيا، والتحق بمدرسة الشيخ محمود عمرو، وكان والده يُقيم ندوة أدبية كل يوم جمعة بعد الظهر يحضرها وجهاء المحافظة، يتبادلون فيها الشعر والزجل، وكان يمتلك مكتبة تضم آلاف الكتب، وكان يونس يجلس في الندوة ويسجلها كسكرتير، ومن هنا بدأت هوايته للشعر والأدب.
الخطوات الأولى للصحافة
وعندما أتم يونس 12 عامًا، عادت الأسرة إلى مسقط رأس الوالد في قرية النخيلة بمركز أبوتيج مُحافظة أسيوط، حيث استكمل تعليمه، ليُسافر بعدها إلى القاهرة ويلتحق بالأزهر، وحاول منذ أيامه الأولى الوصول إلى الصحافة، وذهب للقاء الزعيم مصطفي كامل في الحزب الوطني وقدم له أول مقالاته التي نشرت في جريدة المؤيد، ليتولى يونس بعدها تبسيط خطب مصطفي كامل في العديد من الصحف، كما شارك في تأسيس ١٤ جمعية لتعليم فنون الخطابة، ونشط سياسيًا في الأزهر، وشارك في ثورته الأولى عامي ١٩٠٨م و١٩٠٩م.
اعتقاله عدة مرات
خلال الفترة بين عامي 1905م و1942م، كتب يونس آلاف المقالات الصحفية، وما يزيد على ألفي دور وطقطوقة وموشح، سجل أغلبها على أسطوانات بأصوات كبار مطربي ذلك العصر، مثل: “منيرة المهدية” وزكي مراد” و”عبداللطيف البنا”، إلى جانب أعماله المسرحية التي تعدت ٥٨ مسرحية غنائية اجتماعية وفكاهية، ذات محتوى سياسي، كانت تؤدى في الكثير من الأحيان إلى خروج الجمهور في مظاهرة ضد الإنجليز بعد العرض، ووصل الأمر إلى أن أوقف الإنجليز عرض مسرحيته “كلها يومين” ١٧ مرة، لأنها تحمل عبارات عنيفة ضد بريطانيا، كما تم اعتقاله ١٩ مرة.
حكاية أغنية أهو ده اللي صار
كانت بداية علاقة الشيخ محمد يوني بسيد درويش بداية لمرحلة جديدة في حياة كل منهما، فقد قدما أجمل الأغنيات الوطنية والعاطفية، مثل “زوروني كل سنة مرة”، و”أنا هويت وانتهيت”، و”أهو ده اللي صار”، ولهذه الأغنية حكاية وسبب في تأليفها، فقد اعتقل الإنجليز ذات مرة الشيخ فقابله نجيب باشا وكيل الداخلية، وأمسكه من جبته وقفطانه، وقال له: “بدل ما تقول الكلام الفارغ ده دوّر الأول إزاى تصنع جبة وقفطان في بلدك”، فكتب الشيخ: “مالكش حق تلوم عليّا، وخير بلادنا ماهوش في إيدنا، وبعدها لوم عليّا، إيدك في إيدى نقوم نجاهد، والأيادي تكون قوية، سعدك أصيل والخصم عايب دولا أنصار القضية”.
إقرأ أيضًا…وصلت إلينا النسخة الثالثة..فما هي حكاية النسخة المختفية لفيلم ” الناس والنيل “؟
أغنية يابلح زغلول
حين منع الإنجليز ذكر اسم سعد زغلول ورفاقه، كتب الشيخ محمد يونس القاضي أغنية “يا بلح زغلول”، ليغنيها الفلاحون في موسم حصاد البلح، وتحايل على القانون، فراح يذكر كلمة سعد وزغلول في كل أغنية ومسرحية يكتبها.
أول رقيب على المصنفات الفنية
الشيح محمد يونس القاضي كان أول رقيب على المصنفات الفنية، حيث عمل في هذه المهمة كخدمة لأحد أصدقائه في جهاز الداخلية، وكانت مهمته أن يمنح التصاريح لإجازة الأعمال الفنية، حيث نقى الأغنية المصرية من كثير من الأعمال الرديئة، حتى أنه منع طقاطيق كان هو شخصيًا كتبها لمنيرة المهدية، وزكريا أحمد.
وفاته
لكن مات الشيخ محمد يونس القاضي عام 1969م بعد معاناة من المرض والتهميش، وإن ظلت كلماته خالدة نرددها جيلاً بعد جيل، ومطربًا بعد مطرب، فيظل الرجل هو الحاضر كلمة وأغنية، والغائب اسمًا وحقًا.
الكاتب
-
مريم مرتضى
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال