همتك نعدل الكفة
252   مشاهدة  

معركة غير متكافئة وقانون عاجز.. الخطف الأبوي جريمة “بلا عقوبة” (ج 2)

الخطف الابوي
  • صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.

    كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال



“ماما بتحبك” كلمات بسيطة منع من قولها أمهات أكثر من أن نستطيع حصرهم، كما حرم من دفء حروفها أطفالهن، وفي بعض الأحيان يقع الآباء أيضًا تحت وطأة هذا الظلم لسنوات. خطف أحد الوالدين للأطفال جريمة متفشية ليس فقط في مجتمعنا، بل حول العالم، وللأسف لا تزال تمر بلا عقوبة بحجة أن “الأب/ الأم لا يمكن أن يختطف طفله”. 

“الخطف الأبوي” مشكلة أكبر من أن يتحدث عنها شخص واحد، ناهيك عن حصرها في قصة واحدة نرويها ونتأثر، ثم نعبر بإيموجي أحزنني ونمر مرور الكرام. القضية إنسانية في المقام الأول، لكن جوانبها القانونية قد تكون أهم؛ لأننا لن نصل للحل دون مبادرة على أرض الواقع، أو أضعف الإيمان الإشارة إلى الحلول، لعل وعسى تصل لأهل الاختصاص. 

هل نتحيز للمرأة بمسمى “الخطف الأبوي”!

الخطف الأبوي
الكاتبة والحقوقية لمياء لطفي

“نسبة الآباء الذين يعانون من اختطاف أطفالهم على يد الأم لا تُذكر” هكذا أكدت، الكاتبة والحقوقية، لمياء لطفي، في حوارها مع الميزان أن المرأة هي المتضرر الأكبر من الظاهرة، على الأقل داخل حدود مجتمعنا. لأسباب عديدة على رأسها الإمكانية؛ فالسلطات المصرية تمنع سفر الأم بصحبة طفلها بدون موافقة الأب، رغم عدم وجود قانون ينص على ذلك.

المتعارف عليه أن المطارات المصرية لا تسمح للأم بالسفر بصحبة الأبناء دون والدهم إلا بموافقته؛ في حين يمكن للأب السفر مع أبنائه للخارج بكل سهولة دون أي مسائلة، خاصةً إذا كان من أصحاب الجنسيات الأجنبية. وهو ما حدث مع المهندسة سلمى رضوان في وقعة اختطاف ابنها علي، حيث استطاع الأب السفر إلى فرنسا مع الولد دون أي عقبات.

اقرأ أيضًا

ماما بتحبك يا علي”.. الخطف الأبوي جريمة بلا عقوبة (ج1)

جدير بالذكر أن حالات الخطف الأبوي خارج البلاد عادة لا تكون مرتبطة بازدواج جنسية الأب؛ فغالبًا ما يختطف الأطفال إلى البلاد التي يعمل بها والدهم. أوضحت لطفي أن أغلب القضايا التي تتابعها تكون في البلاد محل عمل الوالد، حيث يصطحب الأب أسرته إلى البلد المقيم به ثم يدفع زوجته للعودة إلى مصر بأي حجة، ليمنعها من العودة بعد ذلك ويحرمها من أطفالها. وهنا تدخل الأم معترك المحاكم المصرية، والتي لن تستطيع تقديم أي حلول عملية لها.

إجراءات طويلة ومنهِكة والمجتمع المدني عاجز

الخطف الأبوي
محكمة الأسرة

في كل الأحوال بعد مشوار المحاكم المرير، والذي لا تستطيع كل الأمهات تحمل نفقاته أصلًا؛ تصبح الأم حاضنة للأطفال على الأراضي المصرية، لكن تنفيذ الحكم غالبًا ما ينتهي بجملة واحدة “لم يستدل على مكان الأب”. وحتى لو قررت الأم السفر إلى البلد المختطف إليها طفلها، لن تتمكن من استعادته؛ في أفضل الأحوال تحصل على الحضانة المشتركة ولا يحق لها اصطحابه خارج البلاد.

الإجراءات هي العدو الأول للأم في تلك القضايا؛ فوفقًا للطفي الروتين واحد في كل الحالات، وهو دائمًا منهك وطويل المدى، وللأسف بلا جدوى. والجهود التي تبذلها إدارة التعاون الدولي بوزارة العدل لا تتعدى كونها مرسال، ويبقى الأمر منوطًا بالدولة الأجنبية المختطف بها الطفل. 

أمَّا اللجوء للإنتربول فقد يبدو حلًا واعدًا في معظم الجرائم الدولية؛ لكن قضايا الأسرة والطفل لا تعتبر ذات أولوية. حتى الجمعيات الأهلية المعنية بقضايا الأمومة والطفولة تقف عاجزة أمام تلك القضايا؛ فقد أشارت لطفي إلى صعوبة دعم الأمهات في تلك المشكلة؛ لأنها أطول وأكثر تعقيدًا، كما أنها أعلى تكلفة أمام محدودية موارد تلك الجمعيات. 

يأس وانتحار تنتهي به قضايا الخطف الأبوي

الوضع داخل مصر ليس أفضل، فقد تطرقت لطفي إلى صعوبة تنفيذ أحكام الحضانة محليًا؛ رغم حصول الأم على الأحكام القضائية المطلوبة. لأن الشرطة تلزم الأمهات بتقديم محل إقامة الأب مع الأبناء، حتى تقوم بتنفيذ حكم الحضانة، وحتى بعد الحصول على العنوان لا يحق لهم اقتحام المنزل أو تفتيشه. والاكتفاء بطرق الأبواب والاستفسار حول وجود الأطفال من عدمه، دائمًا ما ينتهي بالإنكار وعودة الأم خالية الوفاض، وهي على بُعد شعرة عن أبنائها.

إقرأ أيضا
محمود الخطيب رئيس النادي الأهلي

حقيقةً القانون هنا يحمي الأطفال في المقام الأول بحرصه على منع تسليم الأطفال بالقوة الجبرية؛ في النهاية نفسية الأطفال أهم ولا يمكن تعريضهم لمثل هذه الأحداث. لكنه في الوقت نفسه يُسَهل على الأب خطف الأطفال، والإفلات من تنفيذ الأحكام القضائية. ليستمر سيناريو المعاناة أمام عجز القوانين، والذي تسبب في عدد من حالات الانتحار؛ فقد كشفت لطفي عن معاصرتها لعدد من قضايا الخطف الأبوي التي انتهت بالأم منتحرة. 

كما أعربت لطفي عن أهمية التعامل مع الأطفال وحقهم في رعاية الأم كأولوية، وإن تعثر ذلك في قضايا اختطاف الأطفال خارج البلاد؛ فيجب على الأقل تطبيق إمكانية منع الطفل من السفر على الفور في حالة وجود خلاف بين الوالدين. وتابعت: “إجبار الأم على تقديم محل إقامة الأب والأطفال لتنفيذ حكم الحضانة أمر غير مفهوم إطلاقًا، وغالبًا ما يبوء بالفشل. نحتاج لتعديل القوانين، خاصةً وأن الخطف الأبوي يعد جريمة خطف مكتملة وفقًا للقانون؛ لكن الأب لا تقع عليه أي عقوبة في النهاية”. 

من الغريب حقًا أن تظل القوانين لسنوات عاجزة عن التكيف مع الجرائم، والأغرب ألا تعتبرها جرائم من الأساس. الضحية هنا ليست مادية يمكن تعويضها وإن مر العمر؛ لأن العمر نفسه هو الضحية. سنوات تنتهي في أروقة المحاكم وعلى عتبات أقسام الشرطة، وأطفال يحرمون من أبسط حقوقهم، وجود “الأم”.

الكاتب

  • الخطف الأبوي إسراء أبوبكر

    صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.

    كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان