همتك نعدل الكفة
572   مشاهدة  

من المخطئ ؟ بين تولستوي وصوفيا (2)

صوفيا


توقفنا في المقال السابق عند التحول الذي جرى في حياة تولستوي وزوجته صوفيا، عندما وصل لسن السبعين، دعنا نكمل تلك القصة التي تبدل فيها تحول الحب إلى كراهية، والسعادة إلى تعاسة، والعشق إلى مشاحنات، والود إلى عداوة.

كان تولستوي يخيط أحذيته الممزقة بنفسه، ويصنعها بيديه، وكان يعمل في اأرض مع الفلاحين، وكان من رأيه أن العمل اليدوي هو الشئ الوحيد الذي له قيمة في الحياة، فكتب قائلًا في هذه المرحلة: “إن أي جزمجي انفع للحياة والإنسانية من شكسبير.” وقرر التنازل عن كل أملاكه للفلاحين الذين يعملون في أرضه، لأنه كان يمتلك نزعة انسانية عالية، وأصبح يحلم بترك القصور والعيش في الأكواخ مع البسطاء والمساكين، رغبة منه في أن يعيش مع الفقراء في حياتهم الخشنة وأن يتعذب مثلهم، فزهد في حياة الترف والنعيم والثراء.

صوفيا

وهنا بدأت المشاكل مع صوفيا، التي عندما التف حوله تلاميذه وشجعوه وبدأوا في مساعدته على تنفيذ افكاره، بدأت تحاربه وتحاربهم، لأنها كانت تري أنهم رعاع أوغاد لصوص يريدون سرقة زوجها وحرمان أولادها من ميراثهم، فكتبت مذكراتها التي ذكرت فيها أن زوجها قد جُن جنونه واتلحس في دماغه، فكتبت :

– ” لماذا أنا غير سعيدة ؟ أنا أعرف كل أسباب معاناتي الروحية : أولا يحزنني أن …أطفالي ليسوا سعداء كما كنت أرغب . ومن ثم أنا في ألواقع وحيدة للغاية. زوجي ليس صديقي، إنه كان لي حبيب عاطفي في بعض ألأحيان، خاصة وأنه في هذه السن، ولكن طول حياتي شعرت بالوحدة معه، إنه لايذهب للتنزه معي، ويفضل ألتفكير بالعزلة أكثر من كتاباته، ولم يتخذ أي مصلحة تجاه أولادي لأنه يرى أن هذا عمل صعب وممل”

صوفيا

وكتبت أيضًا : ” تولستوي لم يكن جيدا وهو يخطو نحو ألثمانين من عمره ، فقد كان يهددني باستمرار بتركي وترك ألأسرة مما حدا بي يوما أن أقفز إلى إحدى ألبحيرات لأتخلص مما أنا به لكنه أنقذوني وقد صرخت بهم : أريد أن أغادر هذا العذاب لأنني لم أعد أتحمل هذه ألحياة ألرهيبة ولا أستطيع أن أرى أي أمل”

صوفيا

كان تولستوي يصر على أن ترضع صوفيا أطفال الفقراء وكان هذا شئ مؤلم جدا، لأن حلامتها كانت متشققة مثلما ذكرت في يومياتها، وكان يأمر خدمه بأن يناموا على أسرّة الأسرة، بينما كان هو ينام على البلاط البارد،  فكتب : :” الملكية هي سبب استغلال الإنسان للإنسان، وانتشار الظلم والتمييز في المجتمع، فطبقة الإقطاعيين تمتلك كل أراضي روسيا، ومعظم الشعب هو من الفلاحيين ولايمتلك أي شيء تقريباً فأين العدل إذن؟ “

وهنا العقدة التي لا حل لها : من المخطئ ؟؟

صوفيا كانت تدافع عن نفسها وعن حق ابنائها، وتولستوي كان قلبه ملئ بالرحمة والعدل، وحلم أحلام غاية في الإنسانية، عندما اكتشف أنه لا يستطيع ان يعيش سعيدًا والناس حوله في شقاء وبؤس وتعاسة، وكان يتمنى دائمًا أن العالم يصبح مكان لا يتعذب فيه إنسان.

صوفيا

هرب تولستوي من بيته وهوا فوق الثمانين سنة، وركب قطار درجة ثالثة، ونظرا لأن المكان كان مزدحمًا والحرارة خانقة والدخان كثيف، فقد أصيب بالتهاب رئوي شديد، ولم تتحمل وصحته، فمات في مكان متواضع نقله إليه تلميذه الذين كانوا برفقته، وعاشت صوفيا بعده تطلب المغفرة والصفح عند قبره.

“سأحاول أن أكون مخلصة وصادقة حتى النهاية. كل حياة هامة وحياتي قد تلفت ذات يوم انتباه أولئك الذين قد يريدون معرفة أكثر عن المرأة التي اختارت لها العناية الإلهية أن تعيش إلى جانب العبقري والمعقّد ليو نيكولايافيتش تولستوي “… صوفيا في يومياتها.

إقرأ أيضاً

ماذا تعرف عن الأب الروحي لروايات الجيب في مصر والوطن العربي؟

…..

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
2
أحزنني
1
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان