من المفضوح المتحرش أم الضحية؟!

منذ صغري وأنا أسمع أن من تتعرض  لحادثة تحرش “مفضوحة” يجب عليها التكتم على الأمر، والحسبنة في المتحرش المجرم الذي مسكها من جسدها، والدعاء عليه، وتناسي الموقف.

يجب عليها تناسي الأمر؛ لأن هذا الموقف يحدث بشكل متكرر، وسنواجه مين ولا مين؟..وهذا سيورط رجال العائلة بأكملها في مشاجرات.

هكذا كانت تفكر السيدات من حولي بصوتِ منخفض، وكأن مجرد تفكيرهم بأخذ حقهن من المجرم المتحرش حرامًا، وكأن مجرد تفكيرهن بالأمر هو الجريمة.

كبرت ورأيت من حولي فتيات تمتعن بالشجاعة والنفس الطويل حتى حبست منهن أول متحرش، ولكنني كنت أقرأ التعليقات على الخبر فتدفق الدماء بشرايني من الغضب.

معظم التعليقات كانت بصف المتحرش المجرم، وأن الفعل الذي لا يستحق أن تسجنه، وعلينا تحري الدقة فيما كانت ترتدي، وماذا فعلت كي تستفزه، وكأن حكم المحكمة ليس كافيًا للتأكد من إدانة المتهم بالأدلة والشهود.

كبرت وسمعت نفس السيدات من حولي يرددون:

وهنحبس مين ولا مين، ولو كل متحرش بلغنا عنه يبقى هنتفضح بكتر البلاغات!

تخاف النساء أن تصاب سمعة بناتهن، فالبنت التي ستتوعد كل متحرش ببلاغ، ربما اتهمها الناس في شرفها أنها من تستفز الرجال، وربما لا تجد ابن الحلال الذي يتغاضى عن أن هناك من لمسها دون رضاها.

تخاف السيدات أن يتحدثهن بهذا الأمر؛ لأنه مؤلم ولأنهم لم يتعلموا لهن حقوق، لم يعرفوا لهن حقوق  ورفض العلاقة الجنسية حتى أثناء الزواج، وأن عاشروهن بالمعروف، وكل شيء بالخناق إلا المزاج بالاتفاق.

لم يعرفوا أن الفضيحة تكون للمجرم الذي يغتصب أنثى أو يتحرش بأنثى، وأن الله فرق بين الإنسان والحيوان بأن الإنسان عليه التحكم بغرائزه لا أن يتجه للإجرام ويتحجج بالغريزة، والتي ننسى تمامًا أنه خلقها بالأنثى التي تصطدم بالرجال على الشواطىء بالملابس الداخلية أحيانًا، وحينها لا نسمع نصيحة من عابر سبيل عن الحياء والحرام.

نحن نتحدث عن بديهيات ونعيدها مع كل حادثة تحرش لعل وعسى يستمع إلينا من مازال يحاول تشغيل عقله الذي وهبنا الله إياه كي نعمر الأرض ونكون خلفاء له بتحقيق العدل والرحمة لا بإهماله وإهمال الإنسانية والفطرة السليمة.

نتحدث عن بديهيات أن مقالاتنا وكلماتنا ليست عيبًا في حين أن العيب والحرام هو السكوت عن هذا الفحش والإجرام الذي زاد بالسكوت عنه.

يتحدث المجتمع بلسان الدين  في الأمور الذي يريد قلب حقيقتها، في حين أن الله أغرق فرعون بجنوده لأنهم أعانوه على الظلم ، ومن لا يستطيع الوقوف بشجاعة للدفاع عن حقوق المرأة عليه ألا يساند المجرمين ويتعاطف مع المغتصبين لأنك ستقع في المشاركة بالظلم والإجرام.

النساء تشارك بهذا الظلم إن لم يستمعوا لبناتهن، وإن لم يتيقنوا أن كلامنا يرهب كل مجرم مازال يمارس إجرامه، وأننا يجب أن نتحدث عن الأذى الذي نتعرض له والذكريات التي تطاردنا من التحرش، ونصفهم بالمجرمين؛ لأن التحرش جريمة رغم أنف كل شخص يقلل من وقع التضرر الذي يقع علينا.

إقرأ أيضا

قصتي مع سمك الاسكندرية التي تصل للخواجة ميتسو

غياب الأمان الذي أصبحنا نشعر به بكل أتوبيس وبالشوارع لن يكون بصالح المجتمع، ولا بصالح الرجل الذي يسير مع أخته أو زوجته أو حتى طفله وهو على علم تام بأن التحرش أصبح ظاهرة يجب علينا جميعًا التصدي لها.

تتسائل النساء من حولي:

هنحبس مين ولا مين؟

فأقول سنحبسهم جميعًا بالتحدث عن الأمر وإبلاغ السلطات حتى يتطهر المجتمع من هذا الوباء