من حبي فيك يا جاري .. حينما يفسد المخرج كل شيء
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
في عام 1958 وتحديدًا في شهر أبريل عرض فيلم أحبك يا حسن للمخرج حسين فوزي وبطولة نعيمة عاكف وشكري سرحان وعبدالمنعم إبراهيم قصة وسيناريو حسين فوزي وحوار زكريا الحجاوي، وشارك في التمثيل المطربة حورية حسن، ربما الفيلم نفسه غير مشهور ولكن بالتأكيد أغنية حورية حسن من حبي فيك يا جاري هي الأشهر وربما هي السبب في بحث البعض عن الفيلم مصدر الأغنية.
الأغنية كلمات مرسي جميل عزيز كتبها في شكل مونولوج ذاتي بتقوله المطربة لنفسها طول الوقت، نحن نستمع لصوت واحد فقط في الأغنية، والألحان لمحمد الموجي على مقام النهاوند والذي استغله الموجي أفضل استغلال ممكن، لأنه مقام واسع يمكن أن يعبر عن أكثر من حاله شعورية.
فل قسمنا الغنوة إلى اقسام سنجد أننا أمام ثلاثة منها الاستلطاف، العلاقة، التمني، فكل مقطع من الغنوة يحملك بشكل تصاعدي للمقطع التالي، فستجد المقطع الأول ” وحياة حبك ما شبكنا غير شباكوا وشباكنا” علاقة تبدأ بين جارين بالنظرات والابتسامات وإشارات، قصة حب جميلة تبدأ بين إثنين، لكن القصة لابد أن تتطور.
والتطور يحدث في المقطع التالي مباشرة، حينما ندرك ما الذي تشعر به الفتاه حينما تقابله صدفة على السلم ” لما تصادف ع السلم” وتحكي حالتها التي تعيشها حينما تقابله صدفة، ولكن هل تنتهى القصة هنا؟!
الإجابة بالطبع لا هناك جزء ثالث، حينما يكون الجزء الأول والثاني البداية والتطور، ونحن نعرف من احداث الفيلم أن القصة مستمرة، إذا فإن الجزء الثالث من المحتمل أن يكون تمني أو ملامه، وبما أن الأغنية من الأساس لا تحمل صبغة اللوم، فكان التمني هو النهاية المنطقية التمني الذي يحتل القسم الثالث من الغنوة ” لما تخبط على بابنا وتجينا يا أعز احبابنا”.
بكلمات بسيطة وسلسلة صاغ مرسي جميل عزيز هذه الحالة المناسبة للفيلم والمقتبسة من دراما الفيلم نفسه، وبحرفية وإبداع استخدم محمد الموجي النهاوند ليصيغ الحالات الثلاث مع اختلاف مشاعرهم من ارتباك وخجل البداية لفرحة التطور لشجن التمني، وبالطبع صوت وأداء حورية حسن، لتكون الأغنية في منتهى العظمة كشريط صوتي ولكنها في النهاية أغنية درامية فلابد لها من ضلع رابع وهو الصورة، فما الذي فعله حسين فوزي؟
يمكن تلخيص ما فعله حسين فوزي على المستوى المرئي بأغنية من حبي فيك يا جاري كمنتهى السذاجة والسطحية في تناول أغنية درامية، بل أنه لو تعامل حسين فوزي بنفس العقلية التي قدمها في الأغنية مع باقي الفيلم لكن ينطبق عليه مقولة “حط الكاميرا ووقف يشحت جنبها”.
ربما أفضل ما في الغنوة افتتاحيتها، حيث غرفة نوم الفتاة، والتنقل بين منزلها ومنزل حبيبها الآلاتي، لتبدأ الكوارث من المقطع الأول، الاغنية بتقول صراحة ” أخبي الشوق وأداري لا يعرفوا الجيران” ولكن حسين فوزي كان له رأي أخر، فلقد قرر أن “يعرفوا الجيران” عادي.
حينما تروي المطربة كيف بدأت قصة الحب من الشباك، يقرر حسين فوزي أن تخرج المطربة في الشباك ويصورها من الخارج كأنه هو الجيران، بدلا أن يتماشى مع محتوى الأغنية ويصورها من داخل غرفتها وهي تتلصص من خلف الشيش أو تختلس النظر، ولكن حسين فوزي قرر أن يكون هو أحد الجيران.
الأهم أن البطلة التي تخشى الجيران، فوجئت أن الجيران يقفون في الشرفات يرقصون ويحتفلون بقصة الحب اللطيفة بينها وبين حبيبها “طب ما الجيران إيزي أهو.. خايفة ليه بقى؟!” وبوجود رجل يشبه صلاح سالم بنظارته السوداء في خلفية الكادر والسيدة التي ترقص في مقدمة الكادر وخلفها الرجل الذي “يدخن” الكلارينت اكتمل دور الجيران.
في مرحلة التطور، وبما أن المقطع تدور أحداثه على السلم، فكان طبيعي أن يحملنا حسين فوزي مع المطربة إلى السلم بينما الجيران يرقصون في الشارع احتفالا بأنها تخبي عنهم الشوق وتداري، وتنزل على السلم كأنها تتذكر الموقف، في انفصال تام بين ما يحدث في مواقع الحدث الثلاثة، السلم حيث تقف البطلة، شقة الحبيب “عبدالمنعم إبراهيم” والشارع حيث احتفالات الجيران المجانية.
ولأن الأغنية لم تقدم لحسين فوزي ديكورًا محددًا في المقطع الثالث وهو التمني، فقرر أن يتركها على السلم “عادي” تستكمل اغنيتها بعدما وصلت إلى “الباسطة” ووقفت في نصف الطريق لتتمنى، وأحمد الله أنه لم يتفتق ذهنه عن الذهاب بها إلى سطح المنزل أو القهوة المجاورة له.
حسين فوزي اثبت فعليًا أن الكاميرا ممكن أن تتحول إلى سلاح يفتك بعمل إبداعي جيد المستوى، فقد لأن المخرج قرر أن تكون هذه الأغنية في الفيلم لكي ترقص البطلة عليها فقط لا غير ولكن لا أهمية للغنوة كحدث درامي، والحقيقة أن العديد من المخرجين قديمًا كانوا يفكرون بنفس الطريقة، ليقتص الجمهور من حسين فوزي بعد ما يزيد عن 60 عام وعبر السوشيال ميديا.
إهداء إلى: صديقتي “آية” التي طلبت مني الكتابة عن تلك الأغنية في محاولة لإخراجي من عزلتي.
إقرأ أيضاً
سامح العجمي و أشرف سالم صاحبا أغنية “زحمة الأيام” .. أخر جيل صناع الأغنية الحقيقي
الكاتب
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال