همتك نعدل الكفة
111   مشاهدة  

من كرة القدم إلى نشرة الأخبار .. كيف تحولت اهتمامات المقاهي المصرية؟

حرب غزة
  • كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



وكأن الناس –في مصر- كانوا قد نسوا أن هناك قضايا بعيدة عن كرة القدم .. في السنوات الأخيرة كانت القضية الأولى والأخيرة للمقاهي المصرية هي كرة القدم .. هدف قفشة في نهائي القرن والذي استحوذ على مساحة هي الأكبر من مجموع نقاشات المصريين على القهوة، والقهوة في حياة المصري ليست مكانًا للترفيه ولا لتفريغ الطاقة السلبية ولا لكل ما هو متعارف عليه من أساليب الترويج للمقاهي على إنها “هادئة” .. فالقهوة ليست كالـ work spce  .. فطالما دخلت القهوة أصبحت فردًا من مجتمع صغير بداخله تكثيف للحالة العامة للمجتمع .. يمكنك أن تستقي اهتمامات مصر السياسية والاجتماعية والترفيهية فقط فور جلوسك نصف ساعة مع الحجر القَصّ .. هذا وقد طال القهوة المصرية ما طال كل مؤسسة كبيرة كانت أو صغيرة، أساسية كانت أو فرعية .. طالها ما طالها عقب زلزال 7 أكتوبر .. حيث حدث ما نعرفه جميعًا في قطاع غزة.

المساعدات المصرية لأهالي غزة
المساعدات المصرية لأهالي غزة

والقهوة المصرية اليوم بمثابة مكتب إعلامي صغير، على الشاشة الكبيرة قناة إخبارية قسّمت شاشتها أربعة أو خمسة مربعات ينظر أحد الذين أعمتهم الشيشة إلى الخبير الاستراتيجي الذي يتحدث بالفصحى في أمور شديدة التعقيد لكنها في النهاية تثير انتباهة واهتمامه ..  وهذا يفتح على هاتفه فيديوهات قادمة من غزة مباشرة حيث الشهداء والجرحى من الأبرياء .. وذلك يتحدث إلى صديقه معربًا عن قلقه البالغ جرّاء ما يحدث، شاكيًا له خوفه من المستقبل الذي يبدو غامضًا بالنسبة له، وكأن الأيام قد توقفت به عند 7 أكتوبر، وكأن أحدهم قد هوى على رأسه بمطرقة غليظة فارتبكت اهتماماته وعُبثَ في (سيستم) حياته، فهو الآن يراجع نفسه اقتصاديًا واجتماعيًا، ويستعيد نظره الذي فُقد منذ عقود، وتعود له الاهتمامات القومية بعد أن بردت بداخله إلى حد وصلت لدرجة الموت .. وكانت الأيام بالنسبة له تشبه بعضها، حتى جاء اليوم الذي ينظر فيه إلى سلة المشتريات ممسكًا في يد أخرى ورقة عريضة مكتوب عليها “بضائع المقاطعة” “بضائع مصرية”، ولا شئ يخطر على باله منذ أن صحى أكثر من سؤالًا حول : كم شاحنة عبرت اليوم من معبر رفح إلى غزة؟ ..  حتى إنه نفسه متعجبًا من رد فعله الشخصي.

أحد المقاهي المصرية
أحد المقاهي المصرية

ودارت الأيام، ولفّت الأيام، وأغلق هذا دفتي الطاولة، وأبعد هذا ورقة الشطرنج، وجلسا يتحدثا عن أزمة غزة، وخطورة ما يحدث على البيت والعيال وأكل العيش والناس هناك .. ومن بين الأحاديث البسيطة في لهجتها لكنها عميقة كما لم يجود لسان كبار المحللين، وحمل المصريين الهَمّ كما لم يحموله منذ فترة طويلة، حيث الوجوم والترقّب على الوجوه، وصمت الناس بعد أن كانت الضحكة تجلجل من القهوة للقهوة المجاورة، وتمكّن الحزن من الرجال الذين أصبحت القهوة بالنسبة لهم جرعة للاطّلاع المكثف للقضية الفلسطينية التي كانت قد تراكمت عليها طبقات الوقت وظروف الحياة، لكنها الجرح فجأة قد عاد لألمه الأول، ووجعه البِكر، وكل وصايا الأجداد قد تداعت في تلك الأيام ..  والمعروف في القهوة المصرية أنك تخرج منها ليس كما دخلتها، لكن اليوم الداخل منها كالخارج .. نفس الحال .. نفس الملامح!

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان