همتك نعدل الكفة
334   مشاهدة  

هاشتاج “قاطعوا المفطرين”.. الجهاد الإلكتروني في رمضان

الجهاد الإلكتروني
  • صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.

    كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال



“قاطعوا المفطرين” هاشتاج جديد ينتشر بين شريحة من رواد فيسبوك، في مشهد عبثي متكرر يندرج تحت بند الجهاد الإلكتروني؛ معارك متكررة بسلاح المنشورات تحت مسمى الدفاع عن الإسلام، اشتعلت مؤخرًا للرد على صورة وهاشتاج نشرهم أحد المدونين بعنوان “اجهر بإفطارك”، المنشور تسبب في ردود أفعال عنيفة وصلت إلى اتهامه بالتبجح على الله.

بدأت القصة بصورة نشرها أحد مستخدمي موقع التواصل فيسبوك من إحدى محطات القطار، يظهر في يده زجاجة مياه تحت عنوان “اجهر بإفطارك”، ليعلن إفطاره في نهار رمضان في نطاق حريته الشخصية والتي وافقه عليها عدد من المتابعين. المنشور واحدًا من عدة منشورات يعرض من خلالها وجهات نظره- بشكل ساخر أحيانًا- حول قضايا دينية، إلا أنه كان الأكثر تفاعلًا وإثارة للجدل.

الجهاد الإلكتروني
المنشور المتداول ضمن هاشتاج قاطعوا المفطرين

تسبب المنشور في ردود فعل عنيفة تحت هاشتاج بعنوان “قاطعوا المفطرين”، منشورات مكررة بالحرف تناقلها مستخدمون يعبرون عن غضبهم من المطالبة بحق الإفطار العلني، مطالبين برفع الحرج عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مثل هذه الحالات. الهاشتاج المتناقل حمل رسالة واحدة صريحة تدعو للتدخل على أرض الواقع ضد المجاهرين بالإفطار، بتشجيع الناس على رفض التعامل مع الباعة أو السائقين المفطرين، والتحريض ضد من يأكل أو يشرب في نهار رمضان والهجوم عليه بأقوال مثل “اتق الله واحترم الشهر الفضيل”.

الموضوع قد يبدو تافهًا حتى أنه لم يصنع زخمًا كبيرًا في بحر الهاشتاجات اليومية، لكنه لم يكن الأول ولن يكون الأخير؛ كل فترة تخرج قضية من اللاشيء تلعب على المشاعر الدينية لدى المصريين وتأخذها في اتجاه أكثر تطرفًا. غالبًا ما تكشف مثل هذه الحملات عن أفكار أكثر خطورة مما تبدو، تلقى استحسانًا بين العامة، ثوابت مستحدثة تسعى شريحة من المتشددين لفرضها على المجتمع، وتجد قاعدة جماهيرية عريضة بين المسلمين الجدد المهتمين بما يمكن أن نعتبره جهاد إلكتروني.

لا يرتبط الجهاد الإلكتروني دائمًا بالإرهاب أو التفكير الداعشي، قد يظهر بأشكال أقل حدة معتمدًا على نواة العصبية الدينية في مجتمعاتنا العربية، يتسلل عبر مفاهيم وديعة ليستقطب مشاعر المتدينين تحت راية الدفاع عن الإسلام. حالة تتطور أحيانًا متسببة في كوارث على أرض الواقع، ينفذها المتأثرون بتلك الأفكار تطوعًا من عند أنفسهم.

الجهر بالمعصية وفتح أبواب التطرف

نهار رمضان أصبح حجة لفرض ثوابت معينة على الذوق العام، تبدأ من الاستغفارات التي نسمعها في الشوارع لمجرد مرور امرأة ترتدي ما لا يتفق مع رغبات البعض، وتمر بجدل موسمي لا ينتهي في مجتمعاتنا العربية وهو الجهر بالإفطار. بعض الدول العربية تفرض عقوبات على من يتناول أطعمة أو مشروبات علنًا أثناء ساعات الصيام، تصل إلى السجن لمدد تتراوح من شهر لثلاثة ودفع غرامات مالية. تهمة تندرج تحت باب الفعل الفاضح في الطريق العام وأحيانًا ازدراء الأديان، دون الاستناد لنصوص قانونية صريحة أحيانًا، وبالطبع لا تنطبق على غير المسلمين.

قبل سنوات شهدت مصر حملات أمنية على المقاهي التي تقدم المشروبات في نهار رمضان، اعتُقِل خلالها العشرات بتهمة غير موجودة في قانون العقوبات أصلًا وهي “الإفطار علنًا”، الأمر الذي رصدته منظمات حقوق الإنسان حينها ووصفته بالاعتداء على الحريات. 

الجهاد الإلكتروني
منشور دار الإفتاء عام 2016 بخصوص الجهر بالإفطار

وفي عام 2016 أصدرت دار الإفتاء المصرية منشورًا عبر صفحتها الرسمية يتحدث عن الجهر بالإفطار سواء بعذر أو بدون، موضحة رأيها في سلوك اعتبرته جارحًا لمشاعر الصائمين؛ ليصبح محل حديث وسائل الإعلام حينها، لكن النص المتناقل على لسان دار الإفتاء كان مختلف تمامًا عن المنشور الموجود حتى يومنا هذا. ذكرت بي بي سي أن الفتوى الأصلية كانت أكثر عنفًا وتحريضًا، حيث وصف المنشور الفعلة بأنها جهر بالمعصية واعتداء على قدسية الإسلام، لكن سرعان ما حذفته الصفحة بعد هجوم عنيف ومطالبات بالتراجع.

شماعة الجهر بالمعصية قد تفتح علينا أبواب جهنم إذا ما أتحنا لها الفرصة؛ لو اعتبرنا اليوم السيجارة التي يدخنها عامل على الرصيف في نهار رمضان جهرًا بالمعصية، سيأتي الغد لتتعالى أصوات تعتبر خلع الحجاب والفن بأشكاله أو الرقص في الأفراح أيضًا جهرًا بالمعصية، وقس على ذلك عشرات الممارسات اليومية التي تقض مضاجع المتطرفين.

إقرأ أيضا
السوبر الأفريقي

أمَّا لو سلمنا بكونها تجرح مشاعر الصائمين فنحن ننسف الغرض الأساسي من الصيام، الصبر على المشقة والإحساس بآلام المحرومين، كما سنفتح الباب أمام معضلة الكيل بمكيالين؛ لأن مطاعم اللحوم ومنتجات الألبان لا تغلق في أيام صيام المسيحيين، ولم نرى أحدًا يشكو من سيخ الشاورمة لأنه يجرح مشاعره خلال الصيام الكبير. كما سنفتح الباب للاعتداء على الحريات الشخصية باسم الدين؛ المتحرش سيتحول إلى ضحية لأن ملابس الفتيات تجرح مشاعره الدينية والتي تفرض هيئة معينة للنساء، وجرائم الشرف التي نحاول التخلص منها ستصبح من المسلَّمَات.

الصمت أمام تلك الدعوات غير المبررة شرعًا أو عقلًا يشبه السكوت عن توزيع صكوك الغفران، والأخطر أنه يشجع المتشددين على إطلاق أيديهم في أرض الواقع، ويضع بصمات المسلمين -بقصد أو بدون- على السكين التي ستقتل الحريات العامة والخاصة؛ ليندفع المجتمع بشكل أسرع نحو منحدر التطرف الذي يسير نحوه بالفعل.

الكاتب

  • الجهاد الإلكتروني إسراء أبوبكر

    صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.

    كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
3
أحزنني
2
أعجبني
3
أغضبني
2
هاهاها
0
واااو
3


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان