هدية عيد الحب
-
أمل فكري
كاتب نجم جديد
لطالما اقترب موعد عيد الحب دعونا نتذكر سويا قولة الكاتب الأمريكي اريك سيجال “الحب هو ألا تضطر أبدا أن تعتذر” تلك الجملة الشهيرة التي تحتوي معنى عميق صاغها بحكمة الكاتب الأمريكي في تحفته السينمائية عام 1971 “لاف استوري” أو قصة حب – على لسان بطلة الفيلم ألي ماكجرو.
وقد لاقت هذه الجملة المقتبسة من الفيلم رواجا كبيرا وصارت أحد أشهر اقتباسات الأفلام منذ السبعينات والى وقتنا هذا بالرغم من وجود بعض الانتقادات بمعناها من قبل المحللين والنقاد المدافعين عن مبدأ أهمية الاعتذار وقول “انا اسف” كنوع من الالتزام الأخلاقي بعد ارتكاب خطأ ما. و ظنا منهم ان سيجال كان يقصد بها الحب يغفرارتكاب الخطأ وعدم الاعتذار للمحبوب بينما المعنى الحقيقي للجملة هو ألا ” تضطر” أبدا للاعتذار لانك ستكون حريصا طوال الوقت بشكل مستمر وباهتمام شديد ألا تخطئ في حق من تحب. فاذا لم يحدث الخطأ في حق المحبوب بالأساس فلن تضطر للاعتذار عن شئ لم يحدث.
ويقال ان هذه القصة بعد أن تم نشرها ككتاب أيضا، حققت مبيعات وصلت الى خمسة مليون وخمسمائة ألف نسخة حتى الآن. فلماذا يقبل الناس على قراءة الحب ، بينما هم لا يجيدون ممارسته والاعتناء به حتى لا يموت في واقعهم ويبحثون عنه فقط في الروايات؟
ما هو مفهوم الحب
و كهدية منا لانفسنا في عيد الحب هذا العام دعونا نحاول فهم معنى الحب. فنحن بالكاد نرى الحب في بعض القصص من حولنا وكثيراً ما نراه إن وجد، يهرب سريعا ولا يستمر.
فلماذا يستحيل علينا زراعة الحب والاعتناء به وتعزيزه بالماء والهواء والأسمدة إن تطلب الأمر حتى نضمن صحته ونموه واستمراريته.
اذا اتفقنا على ان الحب هو مرادف معنوي يجسده العطاء ويحميه الإخلاص. وهو العاطفة التي يكمن معناها في منطقة الشعور بالسعادة المفرطة بتحقيق المنح للآخر، لا تحقيق المتعة المأخوذة من الآخر. فمن هذه الزاوية نرى أن حب الأم من أعلى درجات التجلي والوضوح لهذه العاطفة فهو سعادة البذل والمنح والرضا بالعطاء دون مقابل. أما العلاقات الرومانسية فيقل فيها العطاء بل وتزيد التوقعات في استقبال العطاء قبل بذله، مما يسبب الاحباطات والالم.
ومن طرائف الحب العفوي الجميل نجد في العمل المسرحي الغنائي (فيدلر اون ذا روف Fiddler on the roof )
أو (عازف الكمان فوق السطح)، الزوج الروسي تيفي يسأل زوجته جولدي اذا ما زالت تحبه بعد ربع قرن من الزواج فتجيبه قائلة: تسألني بعد خمسة وعشرين عاما من غسيل ملابسك وطهي وجباتك وتنظيف المنزل وانجاب الاطفال وإطعام البقرة… إن لم يكن كل هذا هو الحب فما هو إذن؟؟
في الواقع انه من الطبيعي أن تكون هناك احتمالية ان يصنع الانسان كل الواجبات المكلف بها تجاه شخص ما على اكمل وجه دون ان يشعر باي مشاعر تجاه هذا الشخص فالحب ليس وظيفة أو تكليف بالمساعدة مقابل أجر. وليس الزاميا يصنع على مضض وإنما هو العطاء بلا مقابل كترجمة للمشاعر المكنونة داخلنا.
وسوف يساعدنا كثيرا في الوصول الى فهم اعمق واضح لمعنى الحب إذا ما تعاملنا معه مثل تعاملنا مع علاقة الأبوة أو علاقة الصداقة ، وهما مثال جيد للعلاقات التي تحدد بالأفعال لا بالمشاعر فقط.
كيف نعد أنفسنا لاستقبال الحب؟
وقد نظل نبحث طوال الحياة عن هذه التعويذة السحرية التي تحقق لنا إيجاد المعنى الحقيقي للحب … ونمر بحكايات وتفاصيل ومرارات وتجارب تحمل بداخلها علامات كثيرة مرسلة إلينا خصيصا لتمنحنا الرؤيا والبصيرة وتُنيرالطريق نحو المراد…. إلا أننا لا نلتقط الإشارات ولا نفطن للمعنى… المعنى الذي لطالما قرأنا عنه في الروايات وشاهدناه يتبلور في عروض السينما والمسرح.
ولكننا إذا دققنا النظر في واقعنا سنجد أننا نعيش جميعا من خلال الحب فأنت وأنا موجودون بالفعل في هذا العالم لكي نمنح شيئاً ما لشخصٍ ما. وهذا المنح أو العطاء هو سر وجود الحب بيننا جميعاً.
الحب بمفهومه الأوسع هو العطاء وبذل هذا العطاء في كل ركن من أركان الحياة بالتأكيد سوف يرد إلينا أضعاف وأضعاف وسوف نجد الحب يكافئنا أينما نذهب.
طبيعة الحب واستمراره
إذا اتفقنا على ان كل شئ طويل الأمد يحتاج بشكل مستمر الى تعزيز وتطوير. وإن كل شئ ما أن يصل الى الذروة الا تراجع ومن ثم خبى وتلاشى. وخاصة اذا لم يتم تعزيزه بأشياء تساعده على الاستمرار. والحب هو احد هذه الاشياء التي تحتاج الى شحن مستمر حتى لا ينهار ويسقط على صخور الأزمات النفسية والمادية العنيفة.
عوامل كثيرة قد تتدخل لقتل الحب
منها:
روتينية الحياة ، والمسؤوليات التي تكسر أجنحة الأحلام والخيال ، والتخلي عن المتع الشخصية ، والتأقلم داخل صندوق اجتماعي يستنزف الطاقات والمشاعر ويتركنا عرايا بلا اي اختيارات.
والى جانب كل هذا وفي هذا الزمان المزعج ، يأتينا ايضا من هنا وهناك فرسان التنمية البشرية و مفكرين وفلاسفة العلاقات العاطفية المهشمة ، ليلقوا علينا تعاويذ وطلاسم نجاحاتهم الجوفاء في علاج اصحاب التجارب القاسية.
العلاقات العسكرية الأوروبية المصرية.. استمرارية رغم التحديات وهكذا تميز عهد الرئيس السيسي
وغالبا ما يكون هؤلاء أنفسهم ضحايا لتجارب مريرة ومن ثم يشرعون في ختم كل التجارب المحتملة للآخرين بختم تجربتهم. ويقررون في شكل ديكتاتوري تعديل منهج التعامل مع الانكسارات النفسية بإدخال مبدأ الاستغناء والاستعلاء على احتياجاتنا البشرية للعاطفة والترابط والحب. بل ويصل الامر الى التطبيع مع الوحدة كونها المعادل الأمن لحياة خالية من الأوجاع. وهذه النبرة القاسية المتمردة التي تبدو ظاهريا وكأنها تثأر للقلوب المحطمة ، تجد استحسان وتصفيق حار من قبل أغلب العامة من أصحاب التجارب أنفسهم أو حتى من المتفرجين.
الحفاظ عليه بالفعل وليس بالكلام
وأمام كل هذه العوامل القاتلة للحب في حياتنا علينا ان نقاوم ونؤمن بامكانية افاقة الحب وانعاشه …فهل ان الاوان ان نغير معنى كلمة حب في عقولنا و نحاول فهمه بشكل أعمق حتى نستطيع الحفاظ عليه؟.
إجبار الزوجة على الحجاب “كيف تغلبت الذكورية على أحكام الشريعة في المجتمع الشرقي ؟”
والكلمة تستخدم بشكل عام طبقا لاول تعريف لغوي لها وهو شعور مكثف من الاحتياج والانجذاب لشيء أو لشخص.
ويقول محرر بمجلة نيويورك تايمز، أنه بعد سنوات من التحدث مع ثنائيات المتحابين قبل وأثناء وبعد الزواج وكذلك التحدث للآباء والأبناء المتصارعين دوما في علاقاتهم ، قد اصبح مقتنع تماما بقصور هذا المعنى المتفق عليه لغويا عن توصيف مفهوم الحب الصحيح.
فالحب لا يجب ان يصنف على انه مجرد مشاعر وإنما هو عاطفة تفاعلية. فتجربة الحب هي الشعور الداخلي والتفاعل السلوكي معا. هو ان تشعر بالحب وتتصرف بحب لا أن تشعر وتشبك يديدك في صمت. فالحب عاطفة سهلة الكسر و علينا ان نكون مستعدين لفعل اي شئ لحمايتها، وفي فعل الحماية هذا يكمن الحب.
في عالمنا البشري يعنى الحب الارتباط والتواصل بين شخص وآخر أو شخص وشئ. نعم يمكنك ان تحب شئ بلا توقع أن يحبك هو الاخر لانه مجرد شئ مثل لوحة فنية قطعة موسيقى أكلة لذيذة لون السماء الصافي شكل الجبال الخضراء تصميم البيوت القروية القواقع الرمال ممزوجة بعد انحسار الموجة وغيرها من الامور والاشياء المحسوسة التي قد نحبها من طرف واحد.
ولكن حب شخص لاخر يختلف في كونه ليس مجرد ارتباط عرضي وإنما علاقة تفاعلية هناك طرفان عاملان فيها ، المحب و المحبوب.
يقول بعض الناس أشياء جميلة عن الحب ويقول البعض الآخر أنه مرض وهلاوس. والحقيقة التي قد يغفلها كلا الفريقين هي أن الحب بحلوه ومره هو حاجة اساسية ملحة في حياة كل انسان وان لم يلتفت لاهمية وجوده يظل طوال حياته شاعرا بتعاسة غير مفهومة تنقض عليه من وقت لآخر لتذكره بأن هناك شئ ما ناقص.
وبما أنها علاقة تبادلية بين شخصين فان استمرارية الارتباط وقوته تعتمد على السلوك والتفاعل لكلا الطرفين. ورغبتهما المزدوجة في تطوير هذا الحب بعد سنوات طويلة بخروجه من منطقة الروتين وفتح مسارات جديدة لتجارب مختلفة. كما أن الاهتمام بتطوير الذات لكلا الطرفين جزء أساسي من خطوات الحفاظ على الحب لأنه بمرور الوقت تحدث التغيرات وتكبر الفجوات في التفكير والاهتمامات وتقل الحوارات بين المحبين ويصبح من الصعب التواصل والاندماج مرة أخرى.
الكاتب
-
أمل فكري
كاتب نجم جديد