ومات هذا المحامي شهيدًا في قاعة المحكمة !
-
مريم المرشدي
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
ربما لا يعنيكم من أكتب عنه، ولكنني أحب أن أكتب عنه، وربما لن يستوقفكم هذا المقال ، لكنها لحظات في الحياة استوقفتني..
يتحول من الأثرة المطلقة للإيثار اللانهائي، يتبدل حاله من تكبير الدماغ والتطنيش للاهتمام بجميع شئون العائلة، ربما يرجع السبب لزوجته، أو ربما هي دعوات أمه التي تلاحقه أينما ذهب، أو ربما هي مهنته.
اقرأ أيضًا
العصمة والطلاق في السينما المصرية.. أنهم يتبعون دين جديد
محام هو، يعيش يوم بيومه ككافة أبناء مهنته، المحاماة التي دائما أراها كمهنة الأطباء، فهم أدرى البشر بالقوانين التي لا تتطلب حفظًا للأنظمة وواللوائح، وإنما تتطلب سرعة بديهة، ووقتاً ليس بقصير لتنال خبرة، ومتابعة لها أولاً بأول، ينظموها ويشكلوها كنسق مثلما يصف الأطباء لمرضاهم عقاقير لا يتعارض مفعولها مع بعضها البعض، مهنة الفرسان التي تجعلك نبيلاً بغير ولادة، غنيًا بلا مال، رفيعًا بدون الحاجة للقب، سعيدًا بغير ثروة، تبكي أحيانًا على تشرد الأطفال لأسرة تحت مشاحنات الطلاق التي لا تنتهي، على أخوة نزعت التركات مودتهم فسيطر رابط المال على روابط الدم، ترى لحى تكذب وتشهد زورًا، وغنى جاء بغش، وفقرًا سببه الثقة، تشاهد صديقًا يخدع، وشريكًا يخون، وضعيفًا يُستغل، وذممًا تُشترى، ومواقف كالسلع تُباع، ووعودًا كالسراب، تبصر الخداع وهو يأتي من مأمنه، وتدرك ألا أحد بمأمن من الخديعة حتى الحريص، ولكم وددت الالتحاق بـ كلية الحقوق بعد أن أنهيت دراستي بكلية الآداب عندما قرأت مقولة فولتير : كنت أتمنى أن أكون محاميًا، لأن المحاماة أجمل مهنة في العالم.
تتذكر ابنة أخته صوته الجهوري يصيح بها : مُونّه انزلي هاتيلي علبة سجاير الله يخليكي، مثلما كانت تتخيله يصيح بصوته أمام القضاة، يناصر به مظلومًا أو مضطهدًا، ولا يتقاضى أجره من مسكين ضاقت به الأرض بما رحبت، يخدم هذا ويساعد ذاك ويذلل صعاب تلك، شعاره الدائم : المحاماة فضيلة ورحمة قبل أن تكون مهنة، هي رسالة وليست تجارة ولا بضاعة، هي القداسة التي لايستحقها إلا الأكفاء والأنقياء، لا الدجالين والمحتالين.
وعلى المستوى الإنساني كان عندما يستضيف اخوته في شهر رمضان، يرونه يقف ليغرف في طبق كبير من طعام الإفطار من كل صنف ونوع موضوع على المائدة لحارس العمارة التي يقطنها.
مات خالي ممدوح حبيب شهيدًا، مات أمام القاضي بلا صوت ولا صخب بداخل قاعة المحكمة بعد أن كان صوته يزلزل أركانها، سقط هكذا بعد أن توقف قلب كفاءة عضلته 35%، وبعد معاناة مع أمراض بالكلى، مات شريفًا طاهر اليد، محسنًا كريمًا، مات الرجل الوقور اللبيب الحكيم الرصين الحصيف، سديد الرأي راجح العقل، مات مبتسمًا راضيًا، مات موتة الشهداء، موتة يتمناها الجميع.
الكاتب
-
مريم المرشدي
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال