يا ستي ليه المكايدة..حكايات سومة والنجريدي طبيب الأسنان (12)
-
أحمد كريم
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
أهلا بكم أعزائي القراء في الحلقة الثانية عشر من قصة كوكب الشرق أم كلثوم، وكنا قد انتهينا في اللقاء السابق حيث لقائها المهم بالشيخ سيد درويش الذي تنبأ لها بمستقبل مشرق، واليوم ننتقل لمحطة أخرى مهمة من حياة ربة الفنون والمعاني، صاحبة العصمة الآنسة أم كلثوم إبراهيم، محطة تميزت القطع التي سجلت فيها لأم كلثوم بطابع واحد فريد، هو طابع يا كروان والنبي سلم ويا ستي ليه المكايدة وخايف يكون حبك فيا شفقة عليا، لذلك فالحديث عن علاقة أم كلثوم بالطبيب الملحن أحمد صبري النجريدي.
أم كلثوم والطبيب الملحن أحمد صبري النجريدي:
في نفس العالم الذي تعرفت فيه أم كلثوم على شاعر الشباب أحمد رامي وهو ثاني أعوامها في القاهرة 1924م تعرفت على الطبيب والملحن الهاو أحمد صبري النجريدي، ابن مدينة طنطا، والحقيقة أن المصادر التي تحدثت عن الدكتور أحمد صبري النجريدي وعن تاريخه قليلة خصوصا لما سيأتي من اختفائه بعد فترة قليلة من الوسط الفني تماما وعودته إلى مدينة طنطا.
أحمد صبري النجريدي
وعلى حد قول البعض يمكن اعتبار طبيب الأسنان أحمد صبري النجريدي امتدادا للشيخ أبو العلا محمد، وأحد الذين تأثروا به تأثرا كبيرا انطبع على تلاحينه لأم كلثوم في فترة العشرينات، والتي تقترب من خمسة عشر لحنا سجلت على اسطوانات الشركات المختلفة في تلك الفترة، والذي يستمع لتلك الألحان قد يظن أنها للشيخ أبو العلا محمد لشدة تأثر النجريدي به، كذلك تولى الدكتور أحمد صبري النجريدي تعليم أم كلثوم العزف على العود قبل أن تصير الأمور للمرحوم محمد القصبجي.
ومن ألحان الدكتور أحمد صبري النجريدي لام كلثوم مونولوج “خايف يكون حبك فيا شفقة عليا” و “طقطوقة الخلاعة والدلاعة مذهبي” و”طقطوقة يا كروان والنبي سلم” و الفل والياسمين والورد،أنا على كيفك،يا ست ليه المكايدة،طلع الفجر ولاح،شفت بعيني ماحدش قال لي،مالي فتنت بلحظك الفتاك،كم بعثنا مع النسيم سلاما، والله ماحدش جنى غير قلبي ده علي أنا.
والحقيقة أن العلاقة بين سومة وبين الدكتور أحمد صبري النجريدي لم تكن فقط علاقة ملحن هاو بمطربة ناشئة، فالدكتور أحمد صبري النجريدي هو المحب الأول لأم كلثوم، سمعها وهو لا يزال في عيادته بمدينة طنطا فأحبها قبل أن يراها وشغل بها من قبل أن يلتقيها، فأغلق عيادته وراح وراء شغفه وحبه يجري، يقول عبد النور خليل في كتابه “رجال في حياة أم كلثوم”:” إن الدكتور أحمد صبري النجريدي لم يكن حريصا على أن يكسب شهرة كطبيب أسنان في مدينة طنطا.
ويكمل أنه بقدر ما كان يعطي حياته ووقته كله لهوايته الموسيقية وتلحين الأغاني، كما أنه لم ينحُ ما كان عليه المشايخ المشتغلون بالتلحين والغناء مثل الشيخ أبو العلا محمد والشيخ زكريا أحمد وغيرهما، وكان النجريدي رومانسي النزعة يميل أكثر ما يميل إلى أشعار الغزل والحب، ولأنه كان يعيش في قلب الوجه البحري فقد سمع عن أم كلثوم ورغب بالتعرف إليها ولتأكيد رغبته في التعاون معها وكانت يومها لا تزال مطربة ناشئة قرر الانتقال من طنطا إلى القاهرة بعد أن أقفل عيادته في الأولى.
جاء في جريدة القبس الكويتية
في القاهرة يلتقي الدكتور بالصوت الذي عشقه قبل أن يرى وجه صاحبته ويقدم لهذا الصوت سبعة عشر لحنا، بعضها لا يزال يتردد له صدى إلى اليوم ومع مرور الوقت، وبعد لقاءات كثيرة له مع أم كلثوم، بدأ يستشعر في قلبه حبا جامحا لها، وفي فترة وجيزة لم تتجاوز العامين، وجد هذا الطبيب نفسه مريضا بهوى أم كلثوم، لذلك بدأ يتلمس الوسيلة التي يمكن أن يتوج بها حبه لها، وذلك بالزواج منها، وفي تلك الفترة الوردية من حياته وحياتها على السواء، كان النجريدي يقضي بجوار أم كلثوم ساعات طويلة كي يحفظها ألحانه، وفي واحدة من تلك الجلسات الرومانسية وإثر إعجاب أم كلثوم بلحنه خايف يكون حبك فيا شفقة عليّ تشجع الطبيب العاشق وباح لأم كلثوم بحبه، وازداد شجاعة عندما عرض عليها الزواج.
وما كان من الآنسة سمية إبراهيم إلا أن أحالت المشروع برمته، عشقا وزواجا إلى والدها الشيخ إبراهيم البلتاجي وإلى أخيها خالد على عادة أهالي طماي الزهايرة ولم يكن رأيهما ايجابيا، وهناك من يرجع الانتكاسة التي مني بها مشروع النجريدي لا إلى الوالد والشقيق وحدهما، بل ايضا إلى ابن العم الذي كان يرافقها كظلها في تلك الفترة مع الوالد والشقيق، ويبدو أن جلسة المكاشفة والمكابدة بين العاشق ومعشوقته قد أصابته بمقتل، وأعادت إلى الذهن بيتا قديما لأحد المتصوفة يقول فيه وهو يقصد محبوبه :”اباحت دمي إذ باح قلبي بحبها، وحلَّ لها في حكمها ما استحلَّتِ”.
وهو ما يوحي بأن أم كلثوم وضعت حدا لتعاونها مع طبيب الأسنان فنيا، كما وضعت حدا لعاطفته النبيلة تجاهها، فما هي الا فترة بسيطة، حتى وجد النجريدي نفسه خارج محيط أم كلثوم، ويبدو أن هذه العلاقة العاطفية للطبيب مع المطربة الناشئة يومها قد تسربت أخبارها إلى الصحف فنشرت ما نشرت عنها، وما نشرته شكل سلاحا ضده بيد أهلها فضغطوا عليها حتى أخرجوه تماما من حياتها فعاد بعد ذلك إلى طنطا.
وأعاد طبيب الأسنان أحمد صبري النجريدي عيادة طب الأسنان التي كان قد هجرها سعيا وراء الصوت الذي عشقه، ووراء صاحبته وايا ما كان الامر، فان النجريدي غاب بعد ذلك لا من حياة أم كلثوم وحدها بل من الحياة الفنية كلها والحقيقة أن خسارة الفن كانت كبيرة بانقطاع العلاقة بين أم كلثوم والدكتور أحمد صبري النجريدي بهذا الشكل الذي أراه مأساويا، لا أخفيكم سرا فأنا أحد العاشقين لبواكر تسجيلات سومة والتي من أهمها ما لحنه لها النجريدي من مونولوجات وقصائد وطقاطيق.
صحيح كانت تلاحينه الخاصة بـ المونولوجات تلاحين بدائية لم تثبت أركان المونولوج الذي طوره القصبجي حين أحدث ثورته بمونولوج إن كنت أسامح وأنسى الأسية إلا أن شكل مونولوجاته معها كانت مختلفة عن باقي مونولوجاتها، فمن تلاحينه سمعنا ليالي رائعة بمونولوج طلع الفجر ولاح وهو أحد أربع قطع فقط بدأتها الآنسه بليالي، وأعتقد أن النجريدي كان يملي على أم كلثوم حتى ما ستتغنى به في ما يعرف بالموال او الليالي لتخرج بهذا الشكل، على أية حال فإن الدكتور أحمد صبري النجريدي على حد تعبير الدكتورة رتيبة الحفني كان من الأفراد القلائل الذين عملوا بالفن من أجل الفن فقط، واعترفت أم كلثوم في لقاءات عديدة بالدور الهام الذي لعبه النجريدي في حياتها الفنية.
وإلى هنا أعزائي القراء نكون قد وصلنا إلى نهاية هذه الحلقة على أن نكمل الحديث في حلقات قادمة إن شاء الله.
دمتم في سعادة وسرور.
الكاتب
-
أحمد كريم
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال