همتك نعدل الكفة
1٬943   مشاهدة  

إمبراطور الدعارة في مصر منذ ١٠٠ عام .. أدار ٥٠ بيتا وأنشأ سجنا خاصا له وتجاوزت ثروته الباشوات

إبراهيم الغربي
  • كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال

  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



انجراف أي مؤرخ لتوثيق تاريخ الدعارة في مصر سيؤدي به إلى شخصية إبراهيم الغربي فهو قواد قائد للدعارة وبشكل منظم، ولم يسبقه في طريقته أحد، وكذلك لم يأتي بعده أحد يشابهه.

رجل يرتدي ملابس النساء يتحدث بطبقة صوتية يعجز مستمعها على تحديد جنس من يحدثه، رجل صار خلال سنوات امبراطور الدعارة – التي كانت قانونية في هذا الوقت – في بر مصر بأكمله لدرجة أنه افتتح ٥٠ بيتا للدعارة أدارهم بنفسه دون مساعدة

إبراهيم الغربي
إبراهيم الغربي الذي لم يكن يرتدى سوى زي النساء
إبراهيم الغربي
أحد رخص بيوت الدعارة في هذه الفترة الزمنية

إبراهيم الغربي والاتجاه إلى الدعارة

إبراهيم الغربي في ملابس النساء
إبراهيم الغربي في ملابس النساء

كانت تجارة العبيد التي يعمل فيها والد إبراهيم الغربي غير مربحة، فترك بلدته كروسكو التي كانت تتبع منطقة الدُر في أسوان(1)، وجاء إلى مصر وهو في سن الأربعين وتحديدًا عام 1890م، ولم تكد تمضي أشهر حتى أسس أول بيت للدعارة في بولاق في منطقة شارع وابور الماء، وقد استأجره إلى أن اشتراه.(2)

بعد أن ذاع امره ما بين القوم، ولم يمض عام حتى قام إبراهيم الغربي بشراء البيت بالكامل وابتياع اثاث فاخر له وادخار ٥٠٠٠ الاف جنيها، وهو رقم باهظ في ذلك التوقيت.

اقرأ أيضًا
“من محمد علي باشا إلى صديق الشعراوي” مواجهة الدعارة في مصر بسبب جامعة عين شمس

وَسَّع إبراهيم الغَرْبِي من نشاطه فخرج عن نطاق بولاق وأسس عام 1896م واستأجر منزلاً في منطقة اسمها الوسعة ملحقًا بها مقهى تعمل فيه راقصات برقصات خليعة؛ وكان الغَرْبِي ذكيًا في اختيار منطقة الوسعة، إذ جعلها منافسة لمنطقة وش البركة؛ خاصةً وأنها ضمت كل فئات النساء اللواتي يعملن في الدعارة، بعكس وش البركة التي كان للداعرات فيها معايير معينة لها صلة بالجمال.

توماس راسل
توماس راسل

اتسع نشاط إبراهيم الغَرْبِي خارج بولاق والوسعة فصار له 15 بيت للدعارة في منطقة الأزبكية بقوة بشرية تبلغ 150 امرأة مومس، ويصف توماس راسل في مذكراته هيئة إبراهيم الغَرْبِي عام 1916م فيقول «رجل نوبي سمين كان يُرَى كان مساء جالسًا واضعًا ساقًا فوق أخرى على إحدى الدكك الخشبية أمام أحد منازله في شارع عبدالخالق(3)، وكان يرتدي ملابس نسائية وغطاء شعر ويجلس صامتًا كصنم أسود، وفي بعض الأحيان يرفع يدًا مثقلة بالمجوهرات لأحد المارة ليقبلها بإعجاب أو يمنح أحد خدمه أوامر صامتة».(4)

كان إبراهيم الغَرْبِي على صلاتٍ مع البوليس من أجل تسهيل أعماله، لكن جاء القبض عليه للمرة الأولى عام 1916م في ظل الأحكام العرفية التي كانت تحكم مصر منذ عام 1914م بسبب الحرب العالمية الأولى أصدر هارفي باشا حكمدار القاهرة قرارًا بإقامة معتقل في الحلمية لحبس كل من يعمل في الدعارة، ولم يكن الغربي أو أيٍ من النساء اللاتي تعمل معه في الدعارة من ضمن الذين في المعتقل.

كان توماس راسل قد سأل هارفي عن استطاعته القبض على الغَرْبِي، لكن هارفي لم يرد على السؤال بنعم أو لا، بل قرر الرد فعليًا لأنه لم يكن يعبأ بأي أحد في مصر، وتوجهت قوة للقبض على الغربي فجاء بملابسه النسائية وأمر هارفي بتجريده منها وإيداعه في معتقل الحلمية والذي بقي فيه لمدة عام واحد.

وبعد خروج إبراهيم من حبسه الأول معلنا بينه وبين رفاق المهنة واتباعه انتصاره على الحكومة تحول إلى امبراطور الدعارة في مصر، لدرجة أنه أنشأ سجنا خاصا له في أحد بيوته المتعددة في القاهرة يسجن فيه بائعات الهوى اللاتي يتمردن عليه وكذلك المستجدات حتى يلن له ولتجارته.

إبراهيم الغربي
عاملات بالجنس في بيوت إبراهيم الغربي

وكانوا لا يجرأون على ابلاغ السلطات ولكن يحكى أن في مرة احتجز إبراهيم فتاة اسمها “قطافة” فقدمت شقيقتها شكوى إلى النيابة العامة، فجاء رسول إلى إبراهيم يبلغه بأمر الشكوى، فأخلى جميع الزنزانات وذهب بنفسه مرتديا ملاءة لف الى النيابة ليثبت عدم صحة هذا البلاغ الكاذب.

كذلك لم يسمح أبدا أن تتلقى عاملة بالجنس أجرها بل كان يقبضه بنفسه أو يرسل أحد ليقبضه ليخصم منه أجر الإقامة والأكل الذي لم يكن يخرج عن الفول والجبن وكذلك قيمة الملبس التي كانت من القماش الرديء فلا تحصل العاملة بالجنس على أجر في النهاية لتبقى أسيرة ديكتاتور الجنس الذي يسيطر على مستقبلها وحاضرها.

وكان ينفق كثيرا على بعض الفاسدين من رجال القانون ليتجاهلوا الشكاوى التي كان يقدمها البعض في حقه لدرجة أنه مرة عند تفتيش منزله عثر على عريضة قديمة قدمت ضده إلى الشرطة وبدل من ان تذهب الى النيابة، انتهى بها المطاف عند إبراهيم ذات نفسه واستطاع إبراهيم في ظل الاحتلال ان يوسع تجارته بشكل كبير، حتى وصل الى “سنتى” رئيس مكتب الآداب المسئول عن حماية الاخلاق وإصدار تراخيص البيوت حينها و “جورج فلبيس” الرجال الثاني في الإدارة حينها.

بوجود البوليس وإدارة الآداب تحت سيطرته أصابه جنون العظمة وعمل على توزيع تجارته أكثر فأكثر فصار يعمل على “استيراد النسوة للعمل بالجنس التجاري من أوروبا وتركيا وبعد البلدان الأخرى، حيث كان يقف اعوانه في بالموانئ المصرية بالإسكندرية وبورسعيد منتظرين الفتيات ليستقبلوهم استقبال الفاتحين.

ليتحول بعد ذلك إلى دعارة القاصرات ويبدأ في رشوة الأطباء لتسنيين الفتيات،

وكان في هذا التوقيت معروفا بمثليته الجنسية وحبه للمنظر الأنثوي، فكان بعيدا كل البعد عم المعايير الاجتماعية التي قد تتخيلها لاحد “قوادي” تجارة الجنس التجاري .

وارتدى ملابس النساء ووضع مساحيق التجميل وتحلى بجواهر واساور وخلاخيل فضية وذهبية، حتى آن خلخاله الذهبي المرصع بألف جنيه ذهبي أطلق عليه “الخلخال الألفي” وأحدي الكتابات التي كتبت في وصفه في تلك الفترة جاءت من صحيفة العالم في عددها رقم “25 الصادر بتاريخ 25 أكتوبر 1926 وجاء فيه:

“كان يحلى جسمه وملابسه النسائية بالمجوهرات والمصوغات. منها زوج خلخال من الدهب المرصع بالماس وقسمته ستمائة جنيه، وزوج اساور من الذهب تتدلى من كل منهما سلسلة تتكون من خمسة وأربعين جنيها انجليزيا، وبآخر السلسلة قطعة بخمسة جنيهات انجليزية، ويقدر ثمن السوار بثلاثمائة جنية، وزوج اساور بشكل ثعبان مرصع بالماس ثمنه ثلاثمائة جنيه”

وكتابات أخرى عن مظهر إبراهيم الغربى جاءت في كتابات محمد يونس القاضي حيث يصفه كما شاهد بانه:

“كان في سواد الأحباش، معتدل القامة، في كلامه رخاوة، وفى حركته ميوعة وكان معظم وقته يرتدى ملابس النساء، ويحلى معصميه واذنيه بالأساور والاقراط ويرتدى في رجليه خلاخيل الذهب وكثيرا ما كان يشاهد ذاهبا الى القصام الشرطة وهو يرتدى “الملاءة اللفة” المصنوعة من “الكريشة الدمياطي” والمشغولة “بشغل الظرافة” وهي عقد تشبه الأهرامات كانت تتحلى بها راس المراءة اللف”

ولم يكن لدى إبراهيم أي من الأبناء فهو مثلى الجنس ولم يتزوج ولكن قرر ان يتبنى اثنين من الأبناء هم الولدين (محمد وإسماعيل) فأغدق عليهما وعلمهما الى نالا دبلوميهما من مدرسة الفنون الجميلة ودخلا خدمه الحكومة.

نهاية إبراهيم الغربي

من أخبار شبكة الغربي
من أخبار شبكة الغربي

إشكالية صعوبة القبض على إبراهيم الغَرْبِي أنه قانونًا لا تهمة عليه، فالدعارة أصلاً مقننة ولو كانت الأزمة على تصريح مزاولة مهنة الدعارة فإن ذلك أمرًا سهلاً عليه، وبالتالي لابد أن يقع بتهمة أخرى غير القوادة وهو ما كان عام 1922م بسبب بنتين قاصرتين اسمهما إحسان حسن مصطفى البالغة 14 عامًا.

إقرأ أيضا
الحلقة 6 من الحشاشين

خرجت الطفلة من منزلها بدون علم أهلها لميدان السيدة زينب فوجدتها امرأة مومس فأغوتها بأنها ستزوجها ابنها وأخذتها لمنزل في منطقة جبل زينهم وهناك تم تخديرها واغتصابها ثم سيقت لمنازة الدعارة للعمل، لكنها أصيبت بمرض جنسي معدي فتركوها عند مستشفى الحوض المرصود وعلمت الشرطة بقصتها ليبدأ طرف الخيط من هنا.

ميرات إبراهيم الغربي
ميرات إبراهيم الغربي

أرشدت الفتاة عن من اعتدى عليها وقالت أن هناك تنظيم يغوي الفتيات القاصرات ويعملن ببيوت الدعارة بالإكراه بعد أن يتم تزويجهن لمدة 24 ساعة ثم يتم تطليقهن ويدخلن في طابور المومسات، وتبيع أن هناك 400 فتاة تعرضت لهذا الموقف، بعد أن يتم ابتزازهن بكمبيالات.

هنا كانت نهاية إبراهيم الغَرْبِي عام 1923م(5)، إذ وجهت له تهم الإغراء بالبغاء والإكراه عليه والاستعانة بالقاصرات وتزوير في تراخيص ممارسة الدعارة مما يعني ضلوع رجال الشرطة في الجريمة، وألقي القبض عليه مع 21 آخرين أبرزهم كاتبه ووكيله ومحمد علي بدوري، وفاطمة الشبينية وخديجة صالح وحسني فتح الباب ووردة شحاتة وفاطمة محمد وأمينة طلبة ونفيسة القرعة؛ فضلاً عن مديرة منازله وحيدة والتي كان اسمها الحقيقي سيدة إبراهيم.

حُكِم على إبراهيم الغَرْبِي بالسجن خمس سنوات عام 1924م لكنه مات بعد عامين من حبسه وتحديدًا في 15 أكتوبر 1926م تاركًا ميراثًا ماليًا ظل محل نزاع بين شقيقه وشقيقته حتى أسدل الستار على قضية تركته عام 1950م.

وكان هذا الميراث ما يقرب من 54 منزلا وقدر الأثاث الموجود في تلك المنازل بحوالي 50 ألف جنيه و156 سوارا من الذهب والزمرد والماس وتاجا من الماس والياقوت و قطع ذهبية وفضية لا تحصر بالإضافة الى الملابس الفاخرة من الحرير الفاخر وأيضا العديد من المشروبات الروحانية الفاخرة كالشامبانيا والنبيذ المعتق الفاخر أن جمال الأخ الشقيق هو الاحق بالورث بالكامل.


(1)  منطقة الدُر حاليًا هي قرية تتبع مركز نصر النوبة في محافظة أسوان
(2) عبدالوهاب بكر، مجتمع القاهرة السري، ط/1، العربي للنشر والتوزيع، القاهرة، 2001م، ص137.
(3) شارع عبدالخالق غير معروف موضعه بالدقة، لكن ليس المقصود به شارع عبدالخالق ثروت، لأن شارع عبدالخالق الشهير كان اسمه شارع المناخ، وتمت تسميته على اسم عبدالخالق ثروت بعد رحيله عام 1928م.
(4) توماس راسل، مذكراته الشخصية، ترجمة: مصطفى عبيد، ط/1، الرواق للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020م، ص ص228–229.
(5) أرشيف الأهرام؛ أعداد:- 3 و 13 نوفمبر 1923م، و15 و23 و27 ديسمبر 1923م

الكاتب

  • إبراهيم الغربي أسامة الشاذلي

    كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال

  • إبراهيم الغربي وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
2
أحزنني
0
أعجبني
8
أغضبني
0
هاهاها
1
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان