“استصلاح الأراضي بأيدي السجناء” قصة القرار ومراحل تطبيقه في مصر

جرت العادة أن تكون أعمال تكسير الحجارة من العلامات المميزة لفترة السجن، لكن استصلاح الأراضي بأيدي السجناء احتاج 7 سنوات لكي يتم تنفيذه.

قصة القرار 73 لسنة 1959م من وزير الداخلية

في العام 1959م صدر قرار وزير الداخلية زكريا محيي الدين رقم 73 الذي يخص عمل السجناء في مصلحة السجون والذي حدد الأشغال التي تفرض على المحكوم عليهم، وقد فرق القرار بين ما يتم فرضه على المحكوم عليهم بالسجن المشدد، مؤبدًا كان أو مؤقتًا، وبين ما يفرض من أعمال على المحكوم عليهم بالسجن أو الحبس مع الشغل، وتتنوع الأعمال المذكورة بالقرار الوزاري سالف الذكر بين أعمال زراعية، واستصلاح أراضٍ، وأعمال صناعية حرفية، وأعمال الشحن والتفريغ.

 ونص القرار الوزاري أيضًا على عدم جواز أن تنقص مدة تشغيل المحكوم عليهم بالسجن المؤبد أو المؤقت أو بالحبس مع الشغل عن ست ساعات في اليوم ولا أن تزيد على ثمانٍ، ولا يجوز تشغيل المسجونين في أيام الجمع والأعياد الرسمية ولا غير المسلمين في أعيادهم الدينية، وذلك كله في غير حالات الضرورة؛ أما إذا اقتضى الأمر تشغيل المسجونين في أعمال تتعلق بالمنافع العامة وفي جهات بعيدة عن السجن جاز إيواؤهم ليلًا في معسكرات أو سجون مؤقتة، وتراعى في هذه الحالة القواعد المقررة داخل السجن من حيث الغذاء والصحة والنظام والتأديب.[1]

استصلاح الأراضي بأيدي السجناء والأجر 10 قروش

في 7 يناير عام 1966م بدأ تنفيذ تجربة زراعة الأراضي بأيدي السجناء من خلال مصلحة السجون المصرية، حيث تقرر تشغيل المساجين في إصلاح الأراضي بدلاً من تشغيلهم في تكسير الحجارة وأعد معسكر كبير لهذا الغرض على بعد 140 كيلو من القاهرة.

جريدة أخبار اليوم أشارت إلى أن أول دفعة من هؤلاء المساجين يبلغ عددها 350 سجين لاستصلاح 3600 فدان؛ وتقرر أن يتقاضى كل سجين 10 قروش مقابل عمله على أن تدخر المبالغ التي تتجمع معه لتسلمها ساعة الإفراج عنه.[2]

افتتح المعسكر يوسف حافظ نائبًا عن زكريا محيي الدين رئيس الوزراء، وحينها وصفت الصحيفة المركز بأنه من أحدث الانظمة العقابية العالمية حيث يخرج المساجين من خلف القضبان الحديدية والقيود النفسية إلى عالم الحرية حيث الفائدة المادية والنفسية التي تعود على الوطن والسجين في آن واحد.

اقرأ أيضًا
تجليات أدب السجون في شعر عبد الناصر صالح .. انتفاضة حرة

الجانب الإنساني من التجربة تمثل في قول محرر الصحيفة «كان في الامكان أن يعمل هؤلاء تكفيرًا عن جرائم ارتكبوها وبدون مليم الا ان الوزارة قررت أن لكل منهم عشرة قروش مقابل العمل اليومي تدخر له ويأخذه عند خروجه ليواجه الحياة ومعه سلاح واحد هو المال».

وقد زود المعسكر بجهاز تليفزيون كبير وسط صالة كبيرة ومكتبة ثقافية ومطعم به جميع المأكولات والسردين المملح، والمشروبات الساخنة، مع الصابون وصالون للحلاقة ومكوجي ولكل سجين مطلق الحرية في استخدام هذه الاشياء هذا بخلاف عنابر النوم.

سجل يوسف حافظ سعد كلمة نيابة من زكريا محيي الدين رئيس الوزراء قال فيها «هذا المعسكر يعتبر باكورة برنامج تقدمي لتطوير نظامنا العقابي بما يتفق مع اتجاهات مجتمعنا الاشتراكي التي تهدف لرفع مستوى الخدمات وزيادة الإنتاج في شتى المجالات»؛ وطلب يوسف حافظ من اللواء عباس قطب الغاياتي مدير عام مصلحة السجون ضرورة تزويد المعسكر بملاعب رياضية.

إقرأ أيضا

قصة مسابقة السلام الوطني لتغيير اسلمي يا مصر “اعترض حزب الوفد على بلادي بلادي”

بقيت أعمال تكسير الحجارة ملازمةً للاستصلاح الزراعي حتى ألغيت أعمال المحاجر بقرار رقم 10807 لسنة 1997م.

[1] محررون، حلقات عن تشريعات السجون المصرية، ح2، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
[2] بدر الألفي، المساجين يصلحون أراضي الصحراء .. 10 قروش لكل مسجون في اليوم، جريدة أخبار اليوم، عدد: 8 يناير 1966م، ص17.