الحضارة العثمانية الفقيرة إنسانيًا .. بلا أي إنجاز علمي أو ثقافي رغم عمرها الطويل
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
مثلت علاقة العثمانيين والحضارة أطروحةً لدى خصوم الدولة العثمانية رد عليهم مؤيديها بأطروحات رقمية حول المنشآت العثمانية المعمارية وغيرها، وبين أخذٍ ورد وعن طريق الميزان التاريخي تعود جدلية العثمانيين مع الحضارة مرة أخرى.
أيدولوجية العقلية العثمانية مع الحضارة
الإمبراطوريات الإسلامية مثل العباسية والمملوكية والأندلسية هي الأقل عُمْرًا مقارنةً بالدولة العثمانية ومع ذلك فإن البصمات الحضارية للعثمانيين كانت أقل من أي إمبراطورية أخرى ولا تعد ملموسةً.
اقرأ أيضًا
حديث الرسول عن محمد الفاتح “أسطورة مخالفة للتاريخ والدين”
سياستا التهجير والرعية هما أبرز سمات العهد العثماني الذي استهدف في النصف الأول منه تهجير نخب أي دولة يدخلونها إلى تركيا ولم يستثنوا من ذلك حتى اليهود، فالمؤرخ يعقوب لاندروا خلال كتابه «تاريخ يهود مصر في الفترة العثمانية» يكشف أن رجال المالية اليهود كانوا جنبًا إلى جنب مع المعماريين والفقهاء المصريين المهجرين إلى تركيا.
الأمر ذاته يؤكده كتاب «لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث» للدكتور علي الوردي، لكنه يعطي بعدًا أعمقًا للأيدولوجية العثمانية إذ يذكر أن أقبح مساوئ العهد العثماني هو نظرتهم للبلاد على أنها ولايات ومن فيها رعية، فسحبوا كل ما تمتلكه هذه البلدان من موارد فكرية وحضارية ولم تعطي أي بديل يثري الحياة الفكرية ويعقب على ذلك بقوله «الدولة العثمانية جعلت الرعية في ولاياتها تعتمد على الكتب التراثية القديمة ولم تنظر للولايات إلا على أنها مصدر الضرائب ومورد الطاقة البشرية في الحروب».
هل حقًا قدم العثمانيون شيئًا ؟
الاستدلال بمسألة المنشآت المعمارية به بعض العوار التاريخي إذ أن فكرة البنيان الأثري لا تعد ميزانًا حضاريًا لأن هذه مسألة بديهية لدى كل الإمبراطوريات، لكن الأمر المقصود وهو التأثير الحضاري ينعدم على يد العثمانيين باعترافات الإسلاميين أنفسهم.
الدكتور محمد عمارة صب جام غضبه على ثنائية العثمانيين والحضارة خلال كتابه «تيارات الفكر الإسلامي» حيث اعتبر أن الدولة العثمانية كانت ضد العقل وأيدت حربًا ضد التفكير، واستدل محمد عمارة على ذلك بأن علماء الدولة العثمانية حاربوا العقل والمنطق والسببية، خلال رفضهم لأطروحات بن رشد دون دليل مادي عقلي ملموس، أما حركات الترجمة فاقتصرت فقط على الجنس والسحر، مقارنة بالعباسيين والأندلسيين والمماليك الذين لم يتركوا شاردة ولا واردة في الفكر الإنساني إلا وكان لهم باع فيها.
الإنجاز الأشهر ملعوب في أساسه
يبقى مرصد اسطنبول أحد أبرز الأدلة على ثنائية العثمانيين والحضارة بالنسبة لمؤيدي سلاطين بنو عثمان حين أسسه تقي الدين الشامي زمن مراد الثالث، لكنه هُدِم بعد تأسيسه، وقدم أحمد آق كندوز المحب للدولة العثمانية تبريرًا غريبًا لهدم المرصد في كتابه «شبهات على الدولة العثمانية» أن المرصد تم هدمه لأسباب شخصية لأنه جالب للنحس !.
ربما يبدو من آق كندوز الاستحياء في التعرض لقصة المرصد، لكن كرم كيدو خلال كتابه «مؤسسة شيخ الإسلام في الدولة العثمانية» يقدم واقعة أغرب من تعليل كندوز إذ يقول أن انتشار الطاعون جعل شيخ الإسلام «أحمد شمس الدين أفندي قاضي زاده» يتهم المرصد بالسبب في ذلك وعرض صاحبه تقي الدين الشامي للمحاكمة بتهمة الهرطقة.
التتريك اللغوي والتصدي الأزهري
وصل عدد طلاب الأزهر في مصر العثمانية خلال نصفها الأول ما بين 3000 إلى 5000 كما يشير الرحالة التركي «أوليا جلبي»، لكن خصلة التتريك التي بدأت في عهد سليمان القانوني دفعت الأزهر للتصدي لها والحفاظ على اللغة العربية لأن الحاجة إليها كانت أعظم وأشد من دراسة بقية العلوم الشرعية والنظرية والعلمية.
اقرأ أيضًا
في الرد على ساسة بوست “سليم الأول ينكر أوصاف مدحكم له”
كان نشاط اللغة العربية في الأزهر لمقاومة التتريك وتغيير اللهجة بارزًا وكانت أهم الكتب التي درست بالأزهر وقتذاك هي: الأشموني، وابن عقيل، والأزهرية، وشرحها، وإعراب الآجرومية، والفاكهي على القطر، وشذور الذهب، والدرر السنية لحل ألفاظ الأجرومية للشيخ محمد بن عبد الله الخرشي، والسعد، ومختصره، ورسالة في المعاني والبيان للشيخ الدردير، ومختصر كتاب العين لأبي الحسن الحوفي.
مؤرخيهم يعترفوا: كانت مظاهر الحضارة شكلية
يعترف المؤرخ العثماني محمد شيخي أفندي خلال كتابه «وقائع الفضلاء» أن مظاهر الحضارة العثمانية من حيث أعداد المدارس وأهدافها كانت شكلية ولم تحقق المرجو منها في إحداث نهضة فكرية بسبب عنصر الفساد فيها إذ انتشر الفساد في تلك المدارس عبر الرشوة من أجل الحصول على لقب ديني؛ الأمر ذاته يؤكده محمد عمارة الذي انتقد فكرة تعامل العثمانيين مع المطبعة إذ حرم علماءها وسلاطينها دخولها للولايات بحجة أنها تحرف القرآن.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال