همتك نعدل الكفة
273   مشاهدة  

عن ثورته الفنية مع ثومة..مسيرة الموسيقار محمد القصبجى

الموسيقار محمد القصبجى


أهلا بكم أعزائي القراء في الحلقة التاسعة من قصة الموسيقار الكبير نحيل الجسد قوي الفكر، المرحوم محمد علي القصبجي، وفيها نكمل الحديث عن هذا الموسيقار العبقري انطلاقا من ثورته الكبرى مع أم كلثوم بمونولوج إن كنت أسامح وانسى الأسية، والذي حجز به مقعده في تسيد تلحين هذا القالب، ثم تجاربه التي تلت هذا المونولوج سواء مع كوكب الشرق أو مع غيرها.

الموسيقار محمد القصبجي وثورته في ميدان قالب المونولوج:

النتاج الفني للمرحوم محمد القصبجي في ميدان قالب المونولوج هو نتاج كبير جدا، وربما برز دوره في تجديد هذا القالب لما يحمله من قلب مرهف ومشاعر رقيقة انطبعت على ألحانه، فالشاعرية والعمق الوجداني صفتان رافقتا القصبجي خلال مشواره الفني منذ العشرينات وحتى وفاته سنة 1966م، وحتى لا نبتعد عن مضمون الحديث، فالمونولوج في الأصل قالب وجداني من الطراز الأول يعتمد على سرد قصة ذات مضمون وذات بداية ونهاية، يبدأ بمقدمة موسيقية تعبر ضمنا عن الحالة الوجدانية التي يعيشها الراوي أو الملحن على حد سواء، ويتولى المطرب الغناء فيه وحده بلا بطانة او مذهبجية، مترجما ذلك الفكر، والمونولوج في الأصل مستوحى من فن الآريا في الأوبرا الإيطالية، حين يقف البطل بين حدثين من أحداث الأوبرا، فيطلق العنان لعواطفه ويشكو من لوع قلبه في وقفة وجدانية مسرحية تأملية يروي فيها واقعات ويعرب فيها عن مشاعر، ويتميز بكون كلامه كلام سردي وصفي ووجداني في العموم، وبأن اللحن فيه لا تتكرر فيه المقاطع أو المذاهب بل قد لا تتكرر أي من الجمل الموسيقية إطلاقا، وهو ما يزيد من صعوبة تلحين هذا القالب، كذلك لا يتضمن المونولوج مذهبا ولا أغصانا متشابهة.

ومن أشهر المونولوجات التي لحنها المرحوم محمد القصبجي:
مونولوج أحب فيك الأمان من كلمات إحسان العقاد وغنته المطربة حياة محمد
مونولوج إحكي لي يا ورد وقول لي يا ورد من كلمات جليل البنداري وغنته نور الهدى
مونولوج أخدت صوتك من روحي من كلمات أحمد رامي وغنتها أم كلثوم
مونولوج الليل يطول عاللي كتم نار الهوى من كلمات رشدي ماهر وغناء المرحوم صالح عبد الحي
مونولوج بتبكي ليه يا ملاكي من كلمات عبد العزيز سلام وغناء المطرب إبراهيم حمودة
مونولوج بعد العذاب ارتاح البال من كلمات عبد العزيز سلام وغناء ليلى مراد
مونولوج أشكي منك وأشكي لك من كلمات أمين عزت الهجين وغناء المطربة الكبيرة فتحية أحمد
مونولوج يا عشرة الماضي الجميل من كلمات شاعر الشباب أحمد رامي وغناء أم كلثوم

إقرأ أيضًا…عن حنين ومودة وغيرهن .. يا أهل القيم والمبادئ كفاكم ازدواجية وتشفي في النساء!!

وغيرها من المونولوجات التي خلدت بصفحات تاريخ هذا القالب الذي برع القصبجي في تلحينه، بيد أن هذا القالب المميز لم يكن ليصل إلى ما وصل إليه من ذروة التطوير بلا تدخل الموسيقار محمد القصبجى ، ولعل مشوار أم كلثوم مع الموسيقار محمد القصبجى في إطار المونولوج مثل خريطة لسير هذا التطور، وقد تحدثنا تفصيلا عن هذا المضمون من قبل في قصة كوكب الشرق أم كلثوم، ولكي تعم الفائدة نورد ما تعلق بقصة هذا المونولوج البديع “إن كنت أسامح وأنسى الأسية” والذي بيعت منه ربع مليون اسطوانة.

لم يكن مونولوج إن كنت أسامح وانسى الأسية أول مونولوجات القصبجي لأم كلثوم، فقد لحن لها مونولوجين قبله هما:أخدت صوتك من روحي ويا ريتني كنت النسيم، إلا أن أسلوب التلحين في هذه المونولوجات كان بصورة بدائية وتقليدية لهذا القالب، إلى أن جاء الموسيقار محمد القصبجى بلحن مونولوج إن كنت أسامح وانسى الأسية من مقام الماهور فأحدث ثورة وضجة كبيرة تحدث عنها الجميع، وفيه أعطي القصبجي انطلاقة جديدة للآلات الموسيقية التي أصبح لها دورا ظاهرا إلى جانب الغناء.

 

ولعل هذا المونولوج هو أول مونولوج يؤسس لإسم جديد أو نوع جديد من أنواع المونولوج الغنائي والذي طرقة أكثر من ملحن منذ عام 1915 ولكن بصورته التقليدية أما محمد القصبجي فضمنه شكلا آخر، وفكرة التلحين فيه إنما تتضمن العودة إلى لحن بعينه أكثر من مرة في سياق ما، لذلك اصطلح البعض له مصطلح المونولوج المقيد، ذلك أن اللحن الذي ينطلق يعود إلى محطات يشبهها الموسيقيون بالقناطر التي تقوم وتبنى عليها عقود الأغنية، ولتوضيح ذلك نستعرض الفكرة انطلاقا من كلمات مونولوج إن كنت أسامح وانسى الأسية:

يتكون مونولوج إن كنت أسامح من ثلاث مقاطع رئيسية، وكل مقطع فيه يتكون من ثلاث أبيات زجلية، والبيت الثالث في المقطع الأول الذي يقول “تقول لي إنسي ” يتكرر لحنه مع البيت الثالث من المقطع الثاني الذي يقول ” تقول لي انسي واشفق عليا” ثم يتكرر مجددا مع البيت الثالث من المقطع الثالث والذي يقول ” اوعي تجافيني يا نور عنيا”، لذلك يطلق عليه المونولوج المقيد، أما مقام المونولوج فهو الماهور وهو مقام لم يكن مطروقا من قبل مونولوج إن كنت أسامح، ثم لحن عليه القصبجي فيما بعد أغنيتين هما نور العيون من تأليف أحمد رامي، وياما ناديت من أسايا من تأليف أحمد رامي أيضا، وهو مقام غريب بعض الشيء على الأذن العربية التي اعتادت على المقامات التقليدية كالراست والبياتي والنهاوند والكرد، كذلك يمتاز لحن المونولوج بنكهة جديدة، ولعا هذين العنصرين هما اللذين أسهما بقوة مع الشكل الجديد في إحداث الضجة والثورة عند جمهور المستمعين حين سجلته أم كلثوم على اسطوانة شركة جرامافون سنة 1928م.

ومن أشهر المونولوجات التي لحنها القصبجي لأم كلثوم:
مونولوج الشك يحيي الغرام
مونولوج سكت والدمع اتكلم
مونولوج خيالك في المنام حلمي
مونولوج يا غائبا عن عيوني
مونولوج يا عشرة الماضي الجميل.

مونولوج يا قلبي بكرة السفر وتغيب عن الأوطان

ومع هذا التطوير والتجديد لمحمد القصبجي حاول البعض التلويح بفكرة السبق لغيرة من الموسيقيين إلا أن الأمر في النهاية لم يكن في حقيقته سوى محاولات تقليدية انتهت بالشكل المعتاد لتلحين القصائد، لذلك يقول المؤرخ محمود كامل:
لم يكن لحن مونولوج إن كنت أسامح وأنسى الأسية هو المحاولة الأولى في تلحين المونولوج، فلبعض الملحنين والمطربين محاولات سابقة في هذا المجال، فقد كان الشيخ سلامة حجازي يقدم ألحانا من هذا اللون خلال فصول رواياته، مثل لحن أتيت فألفيتها ساهرة وأتيت الحبيبة في ليلة، وأيضا في ثنايا مسرحياته، مثل لحن أحبابنا زار طيف منكمو ومضى، ولحن شهيدة الوفاء ولحن يا غزالا صاد قلبي جفنه، إلا أن هذه الألحان كانت أميل في صياغتها أكثر إلى القصيدة.

وإلى هنا أعزائي القراء نكون قد وصلنا إلى نهاية هذه الحلقة، على أن نكمل الحديث في حلقات قادمة إن شاء الله.
دمتم في سعادة وسرور.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان