رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
355   مشاهدة  

تفاصيل الأزمة التونسية الجارية .. كيف بدأ صراع المؤسسات الذي فجر المظاهرات ضد النظام

الأزمة التونسية


تفاقمت الأزمة التونسية باندلاع المظاهرات في عدد من المدن والتي سرعان ما تحولت إلى أعمال شغب وكر وفر بين المتظاهرين وقوات الأمن مما استدعى نشر وحدات من الجيش التونسي لحماية المنشآت العامة.

أشار تقرير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية إلى وسط توتر سياسي محتدم بين مؤسسات الحكم بشأن التعديل الوزاري الأخير، وبالتزامن مع أوضاع اقتصادية واجتماعية متردية منذ سنوات والتي ساهم الانتشار السريع لفيروس كورونا المستجد في تونس في الآونة الأخيرة في زيادة حدتها.    

مظاهرات شعبية

الأزمة التونسية

بدأت المظاهرات في عدد من المدن التونسية نذكر منها العاصمة تونس وصفاقس والقصرين وسوسة وبنزرت وسليانة وسيدي بوزيد والقيروان، ورفع المحتجون خلال تلك المظاهرات شعارات تطالب بإسقاط النظام واستقالة رئيس الوزراء، وركزت المظاهرات النهارية على المطالبة بتوفير الوظائف وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتنديد بالتعامل الأمني العنيف مع المحتجين الذي أسفر عن قرابة 1000 معتقل وقتيل واحد، بينما قامت المظاهرات الليلية على الاشتباك مع عناصر مكافحة الشغب التونسية في صدامات عنيفة وخاصة في الأحياء الفقيرة.

هتفت ضد النهضة والرئيس.. احتجاجات تونس تتواصل رغم نزول الجيش إلى الشوارع 

الأزمة التونسية

والملاحظ أن المظاهرات الحالية أو حتى السابقة منها اقترنت بالأحياء الفقيرة، وعند النظر إلى الاحتجاجات الليلية نجد أن شارك بها عدد كبير من المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 14 – 17 عامًا بجانب الشباب، وهو ما يشير إلى دخول فئة اجتماعية جديدة إلى مجال التظاهر والاحتجاج مما يكشف عن مدى عمق الأزمة الاقتصادية الذي طالت قطاعات واسعة من التونسيين وتحديدًا في المناطق المهمشة والتي قد لا تستجيب للخطابات السياسية. 

ويتضح ذلك من خلال قيام الرئيس قيس سعيد بالتوجه إلى المحتجين بحي الرفاه بالعاصمة تونس في يوم الإثنين 18 يناير ومحاولة تهدئتهم وحضهم على التزام الهدوء وعدم اللجوء إلى العنف، وتحذيرهم من محاولات استغلال غضبهم وتأكيده على حق الشعب في العمل والحرية وفي الكرامة الوطنية، إلا أن محاولته باءت بالفشل واستمرت المظاهرات والاشتباكات مع قوى الأمن.

أزمة اقتصادية عنيفة

الأزمة التونسية

كان العام المنصرم هو الأكثر تدهورًا منذ 58 عامًا للاقتصاد التونسي بسبب تداعيات فيروس كورونا وتراجع الناتج المحلي الإجمالي لدرجة هي الأولى من نوعها منذ عام 1962، إذ قال “مروان العباسي” محافظ البنك المركزي التونسي أن الاستثمار قد تراجع بنسبة 13% والادخار بنسبة 6% في 2020، وزيادة كبيرة في نسبة الدين، وأكد المحافظ التوقعات السابقة للحكومة بتسجيل انكماش للاقتصاد ما بين 7 و8% في 2020.

هذا بالإضافة إلى تراجع الاستثمارات الدولية في تونس بنسبة 26.4% حتى سبتمبر 2020 مقارنة بنفس الفترة من العام 2019 وفق بيانات رسمية، وكلف هذا التراجع جراء وباء كورونا هبوطًا في قيمة الاستثمارات إلى 1.5 مليار دينار حوالي 547 مليون دولار أمريكي حتى سبتمبر الماضي مقابل أكثر من 2 مليار دينار في الفترة ذاتها في 2019، بحسب بيانات لوكالة النهوض بالاستثمار الخارجي نشرتها وكالة الأنباء التونسية.

وكانت الخسارة الأكبر في قطاع السياحة إذ تراجعت هذا القطاع الحيوي بنسبة 60% مقارنة بعام 2019، بالإضافة إلى تراجع كبير في إنتاج زيت الزيتون من 350 ألف طن إلى 140 ألف طن بجانب تعطل الإنتاج النفطي بسبب الاحتجاجات الاجتماعية جنوب البلاد في ذلك التوقيت.

كل ما سبق شكل ضربة مزدوجة للاقتصاد مما فاقم من حجم الأضرار الناتجة عنه وأدى إلى ارتفاع نسب البطالة إلى قرابة 18% وإعلان قرابة 1000 مؤسسة إفلاسها وخسر 160 ألف مواطن وظائفهم، وكانت تونس تتوقع اقتراض 12 مليار دينار (4.36 مليار دولار) في 2020، لكن احتياجاتها زادت بشكل كبير بسبب أزمة فيروس كورونا، ورجح المسؤولون أنه من المحتمل أن يتخطى 21 مليار دينار تونسي.

وضع صحي متدهور

الأزمة التونسية

شهدت تونس انتشارًا واسعًا لفيروس كورونا خلال الأشهر الماضية وهو ما شكل ضغطًا متزايدًا على القطاع الصحي، وفي 12 يناير الماضي أعلن وزير الصحة “فوزي المهدي” خلال مؤتمر صحفي بعد اجتماع الهيئة الوطنية لمجابهة فيروس كورونا، عن فرض الحجر الصحي الشامل لأربعة أيام وفرض حظر التجول بداية من الساعة الرابعة مساءً إلى السابعة صباحًا، وذلك بعد زيادة يومية كبيرة في عدد المصابين بالفيروس.

وقبيل هذا الإعلان أكدت نصاف بن علية الناطقة باسم وزارة الصحة ومديرة المرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة، على أن الوضع الوبائي صعب وخطير ويتطلب اليقظة والحذر وتفعيل جميع شروط الوقاية وقرارات اللجنة العلمية، خاصة المتعلقة بحظر التجول والتنقل بين المدن وإجبارية ارتداء الكمامة، وأشارت إلى أن الوضع خطير في 19 محافظة، و120 منطقة ذات خطورة مرتفعة، وانتشار مجتمعي لهذا الوباء نتيجة التراخي خلال شهري نوفمبر وديسمبر.

وشهدت إدارة أزمة كورونا تخبطًا حكوميًا كبيرًا ما بين التردد في فرض القرارات اللازمة للسيطرة على انتشار الفيروس والتأخر في اتخاذها، وبين التطبيق الصارم للإجراءات الصحية الوقائية، بالإضافة إلى عدم اتخاذ خطوات واضحة في ملف الحصول على لقاحات كورونا، واتهمت الكثير من أحزاب المعارضة التونسية حكومة المشيشي بالفشل في إدارة أزمة كورونا بالمقارنة بالحكومة التي سبقتها، والانشغال بخوض معارك سياسية.

صراع المؤسسات

المشيشي - الغنوشي - قيس السعيد

إقرأ أيضا
الدكتور محمد الجوادي

تشهد مؤسسات الحكم التونسية (الرئاسة والبرلمان والحكومة) حاليًا مرحلة غير مسبوقة من الصراع والانقسام، وذلك في ضوء التعديل الوزاري الذي أجراه رئيس الحكومة “هشام المشيشي” في 16 من الشهر الماضي وشمل 11 وزارة من أصل 26، وكان منصب وزير الداخلية هو التغيير الأكثر إثارة للجدل، فقد أقال “المشيشي” في 5 يناير الماضي توفيق شرف الدين الذي ينظر إليه كأحد المقربين من الرئيس “قيس سعيد”، وتم تعيين “وليد الذهبي” في التعديل الجديد وهو الأمر الذي استفز كثير من المتظاهرين، وذلك بسبب تورطه في منح تراخيص لجمعيات تنشر التطرف والإرهاب في تونس بجانب ضلوعه في قضايا فساد مالي ومقرب بشكل كبير من تيار الإخوان.

وفي 25 يناير أعلن الرئيس “قيس سعيد” في كلمة له في بداية اجتماع مجلس الأمن القومي التونسي، عن رفضه التعديل الوزاري مشيرًا إلى أن التعديل الوزاري سيكون غير دستوري من الناحية الإجرائية، وأكد أنه لم يكن على علم به، ولم يتم التشاور معه بشأنه، وأنه علم به من خلال رسالة وصلته من رئيس الحكومة هشام المشيشي، وأخرى من رئيس البرلمان راشد الغنوشي، وأشار إلى أن بعض الوزراء الجدد تتعلق بهم قضايا أو لهم ملفات تضارب مصالح، كما أدان عدم وجود نساء في التعديل المقترح.

وعلى الرغم من إعلان الرئيس التونسي موقفه أعلن البرلمان بقيادة حركة النهضة في التالي موافقته على التعديل في تصعيد كبير للأزمة، وفي 30 يناير صرح “راشد الغنوشي” في حوار افتراضي عبر تطبيق زووم إن دور الرئيس التونسي قيس سعيد في الدولة رمزي، وذلك تعليقا على رفضه التعديل الوزاري الذي أجراه رئيس الحكومة هشام المشيشي بسبب شبهات الفساد التي تلاحق عددًا من الوزراء مضيفًا أن السلطة التنفيذية كلها بيد حركة النهضة.

كشفت تصريحات الغنوشي عن تعمق الأزمة بين الطرفين وانتقال الأمر من الإشارات الضمنية والمستترة إلى المواجهة المباشرة، وتعليقًا على تصريحات الغنوشي أعلن عدد من الكيانات السياسية التونسية وفي مقدمتها الحزب الدستوري الحر بقيادة عبير موسى عن تأييدهم للرئيس قيس سعيد في مواجهة حركة النهضة، وقام “قيس سعيد” أمس الثلاثاء 2 فبراير بزيارة غير معلنة إلى شارع الحبيب بورقيبة بتونس العاصمة، حيث التقى عددا من المواطنين الذين كانوا يرددون هتافات تنادي بحل البرلمان وعبر آخرون عن مساندتهم للرئيس وضرورة تحسين الأوضاع المعيشية، وتوجه “سعيد” بعد ذلك إلى مقر وزارة الداخلية وعقد جلسة بحضور رئيس الحكومة ووزير الداخلية بالنيابة وعدد من القيادات الأمنية، وأكد خلال اللقاء على أن الدولة مستمرة وأن رئيس الدولة هو الضامن لاستمراريتها.

مستقبل الأزمة

من المرجح استمرار الأزمة بين الأطراف الثلاث وتحديدًا بين رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان خلال الفترة القادمة، خاصة وأنه بات من الواضح والمؤكد أن حركة النهضة تسعى إلى تحجيم الرئيس “قيس سعيد”، وهو ما تشير له حالة الاصطفاف بين “الغنوشي” و “المشيشي” ضد “سعيد”، وهو ما ينذر بتعميق الخلاف السياسي إلى درجة أكبر حال استمرار هذه الأوضاع، وفيما يخص بعض المطالبات الصادرة من التابعين لحركة النهضة الإخوانية بعزل “قيس سعيد” فهي تعد بمثابة ضجيج بلا طحين بسبب غياب المحكمة الدستورية باعتبارها عنصر أساسي في إجراءات سحب الثقة من الرئيس وبالتالي فإن تنفيذ هذا الطرح أمر غير وارد.

وقد تحاول حركة النهضة استغلال الصراع الحالي في التمهيد لتمرير مشروعها في تونس الذي سبق أن عارضته المعارضة أثناء المجلس التأسيسي في 2012 و 2013 الذي يقوم على تأسيس نظام برلماني كامل ويكون انتخاب الرئيس من خلال البرلمان مثلما كان الحال مع الرئيس المرزوقي، وبالتالي يصل الغنوشي إلى منصب الرئيس، وما يؤكد ذلك تصريحات “الغنوشي” الأخيرة والمطالبة بتحول تونس إلى النظام البرلماني الكامل.

وللخروج من الوضع الراهن لابد من وجود حوار وطني شامل أمام الشعب التونسي لإيجاد حلول من هذه الأزمة على غرار الحوار الوطني عام 2014، ولابد من الإسراع في تنفيذ هذا الحوار من أجل إرساء الاستقرار السياسي اللازم للقيام بمهمة إنقاذ للاقتصاد الوطني والسيطرة على الأوضاع المتفاقمة، بما يخفف من معاناة التونسيين وما يتبعه من انخفاض وتيرة التظاهرات وتعافي البلاد بشكل تدريجي.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان