رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
919   مشاهدة  

دروس 2019

دروس


لم أتعلم شيئًا حقيقيًا في حياتي إلا وجاء مصحوبًا بالألم، فاكتسبتُ بمرور الوقت القُدرة على استيعاب دروس الحياة والتقاطها والتفكير فيها بهدوء، بعد أن يزول الألم، فالألم في حضوره جارف لا يصمد أمامه منطق ولا تأمُّل.

وبالألم فقدتُ غرور بدايات الشباب، ووهم ملكني لسنين وجعلني أظن أني عرفتُ كل شيء وامتلكتُ الحكمة للأبد؛ تواضعتُ كثيرًا بيني وبين نفسي، وصارحتُني بحماقاتي العديدة التي لا يعرفها مخلوق سواي.

بالتبعية، لم أعد أرى في نفسي أهلًا لإلقاء النصائح على غيري، هذه نصائحي لنفسي، أدوّنها على سبيل التسجيل، لعلّي أرجع لها بعد عام وأقيّمها، وأرى نفسي فيها من جديد، وإن لمستْ شيئًا في قارئها أكون قد فزتُ بأجمل مما أتمنى.

 

لا تعط أكثر من ثلاثة فرص

الأقرباء منك يستحقون دومًا فُرصة أولى، عندما يخطئون في حقك بشكل يخذلك أو يُشعِرك بالانتقاص من حقك في أن تُعامَل كما تحب.. كُلنا نستحق الفرصة الأولى، ومعظمنا يستحق الفُرصة الثانية، فقد نكرر ذات الخطأ دون وعي من خلال التعوُّد على نمط خاطئ من التصرُّف، أحيانًا تتشوه بداخلنا أشياء دون أن نشعر، وقد نحتاج للفرصة الثالثة كي ندرك أننا قاربنا أن نفقد مكانتنا بسبب سوء تصرُّفنا وسلوكنا الخاطئ في التعامل.. لكن إذا ما تجاوز الأمر حدود الفرصة الثالثة بخصوص نفس الخطأ الصادر من نفس الشخص، هنا قد يتوجب عليك أن تقف قليلًا، مع نفسك أولًا، وتقرر إذا ما كان الأمر يستحق فرصة رابعة، أم أنك تهدر طاقة في الهواء، ومعها تتألم وتتأذى دون سبيل للراحة.. أحيانًا قد يكون الحل الوحيد في اعتزال ما يؤذيك، وغالبًا لن تتمكن من هذا بسهولة لو تماديتَ في إعطاء الفُرص دون معنى لها.. الإنسان ينال فرصة برصيده عندك، رصيد المحبة والدعم والتحمُّل، ولا معنى للغفران إن وصل الرصيد للصفر، واستمرّ تألمك لذات الأخطاء المتكررة.

 

يمكن للمرء أن يصبر امتلاكًا لأمل ما، لكن إن فقد كل الأمل في الإصلاح، فما معنى الصبر سوى التعرُّض لمزيد من الألم الذي لا فائدة منه؟

وهذا الألم قادر على قتلك ببطء.

 

ترفَّق بنفسك ولو قليلًا

ظللتُ لسنين من مُحترفي جلد الذات، بينما أبالغ في منح الفرص والأعذار للجميع.. بمرور الوقت أدركُ أنني أتمكن من مسامحة الجميع تقريبًا على تقصيرهم وذللهم وضعفهم البشري، أمتلك قدرة حقيقية على إقناع الآخرين أنهم جيدين بما يكفي، إلا نفسي!

احترفتُ عقاب النفس ولومها حتى على أبسط الذلل الذي يقع خارج حدود طاقتي كإنسان يخطئ ويصيب، حتى اعتدتُ الأمر وأصبحتُ أجد فيه متعة وإحساسًا زائفًا بالتطهُّر؛ أعاقب نفسي بدلًا من أن يفعلها غيري؛ وتقريبًا لم أستمتع بطعم أي نجاح حققته.. كنتُ أرى الإعجاب ونظرات الانبهار في عيون المحيطين بي، بينما ألوم نفسي من داخلي على تقصيري لأنني لم أحقق إنجازًا أفضل مما حققته بالفعل.. كنتُ أصل لما قد يراه غيري شيئًا عظيمًا يستحق التحيّة، بينما أنا لا أشعر بحلاوة ما حققتُ لأنني أسير لاعتيادي على لوم نفسي.

 

يصادق الإنسان، وربما يتزوج، يعمل ويكوِّن دوائر ثقة ومعارف تكفل له محيطًا اجتماعيًا يؤمِّن به وجوده، لكنه في زحام الحياة قد يغفل عن أن يصادق روحه ويترفق بها قليلًا، ناسيًا أن من حقه أن يحتفل بانتصاراته، مهما كانتْ صغيرة، ويجلس أحيانًا ينفض غُبار معركة الحياة عنه، ويحيي نَفْسَه أنها ما تزال تحاول.

 

لا تنس الله

 

إقرأ أيضا
أجور ممثلين مسلسل المال والبنون

“الجدع ده شكله نسي ربنا”

كانت جملة جدتي المفضلة عندما تتحدث عن شخص يفعل ما يغضب الله.. كان للجملة وقعًا غريبًا على أذني وأنا طفل أجلس بجوارها في مدخل بيتها الريفي البسيط، واحتفظ عقلي بالجملة، حتى بدأ معناها يتشكل في وعيي ببطء.

الحياة زحام، صعبة، قاسية، غلاء طاحن وظروف ضاغطة، والفُرص قليلة معظمها غير عادل، والكل تقريبًا يجري في كل اتجاه ساعيًا كي يبقى على قيد الحياة مستورًا، بعد أن انهارتْ معظم الأحلام، حتى قاربتْ أن تلامس الأرض.

في الزحام قد ينسى المرء كل شيء، حتى نفسه، لكن المصيبة الحقيقية تكون عندما ينسى الإنسان ربه، ينسى الله في زحام صراعاته التي ينغمس فيها رُغمًا عنه.

لي صديق له عادة غريبة يحافظ عليها، فهو المسئول منذ بداية زواجه عن شراء احتياجات البيت، وفي أول كل شهر يُدوِّن قائمة المشتريات في ورقة، ويجمع مُشترياته من مختلف المحلات الصغيرة الموجودة في منطقته، خصوصًا المحلات التي يلمس في مظهرها عدم رواج حركة الشراء بها، وفي النهاية يذهب للسوق التجاري الكبير الموجود بمنطقته أيضًا، فيشتري منه ما لم يجده في باقي المحلات، ويعتبر هذا المجهود شيئًا يفعله لله، يدعم به أصحاب التجارات الصغيرة، ويُشجِع دومًا كل مَن يعرفه على انتهاج نفس الأمر، وأن فروق الأسعار بين السوق التجاري والمحلات الصغيرة يمكن اعتبارها من ضمن الصدقات، وإن في الأمر جبرًا لخواطر بشر يكسبون رزقهم بالحلال.. كلما سمعتُ عنه أو قابلته، قلتُ في نفسي: هذا رجلُ لم ينس الله.

 

ولا أظن أن هناك ابتلاء لأي إنسان أشدّ من أن ينسى الإنسان خالقه الرحيم؛ فيُحرم من ظله ومدده وجواره.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
34
أحزنني
0
أعجبني
4
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
3


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان