همتك نعدل الكفة
2٬131   مشاهدة  

سلطنة الفور في السودان والعثمانيين “علاقة سياسية رسمتها الدماء والمقاومة”

الفور
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



تبقى علاقة سلطنة الفور مع العثمانيين مركبة منذ أن ظهرت كدولة مستقلة من عام 1603 إلى حتى 6 نوفمبر 1874 م وكان أول من حكمها هو السلطان سليمان سولونق بينما آخر حكامها فهو السلطان علي دينار.

أصل سلطنة الفور

خريطة الفور
خريطة الفور

يشير الجزء الأول من كتاب السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية إلى أن سلطنة الفور من أصل عربي من سلالة بني العباس، ومن الروايات المسموعة، أنه كان بين العباسيين الذين تفرَّقوا بعد زوال دولة بني العباس شقيقان: أكبرهما يدعى عليًّا، والأصغر أحمد سفيان، وكانت زوجة «علي» تحب «أحمد سفيان»، وعلم «علي» بهذا السر، فاستلَّ سيفه وضرب أخاه في رجله فعقرها، وتركه، وعولج «أحمد» ونُقِل إلى جبل مرة في دارفور، حيث كان فيها — يومئذٍ — ملك يدعى دورشيت، وكان همجيًّا وكريمًا، فزوَّج ابنته من «أحمد»، ووُلِد لأحمد ابن سماه سليمان خَلَفَ جدَّه، وبدأت سلطنة دارفور بالسلطان سليمان الأول سنة 1445، وكان يتبع الفور 27 ملكًا من المجوس والمسلمين.

علم سلطنة دارفور
علم سلطنة دارفور

وخلف سليمان عدد من السلاطين أبرزهم عمر، وعبد الرحمن، ومحمود، ومحمد صول، ودليل، وشرف، وأحمد، وإدريس، وصالح، ومنصور، وشوش، وناصر، وتوم، وكورد، وسليمان الثاني، وموسى، وأحمد، ومحمد دورة، وعمر الثاني، وأبو القاسم، وتيراب، وعبد الرحمن أخوه، الذي كان في فترة فتح نابليون مصر، وقد راسله، ومحمد الفضل في عهد محمد علي الذي طلب إليه الخضوع، ومحمد حسين ابنه، وقد عاصر سعيد وإسماعيل، وبادلهما الهدايا، وأهدى سعيد إليه مركبة، وإبراهيم، وهو آخر سلاطين الفور، وانتهت مدته و 1875 م.

بين الفور والعثمانيين وجرائم في السودان

شعار الدولة العثمانية
شعار الدولة العثمانية

عبدالله حسين في توثيقه للوجود العثماني بالسودان قال “عندما دخل سليم الأول مصر، قام بغزو سواكن ومصوع فالنوبة، وفشل في غزو سنار وارتد عنها، أما الكُشَّاف الأتراك فهم في الأصل الجنود الأتراك الذين أرسلهم سليم الأول لغزو النوبة ففتحوها حتى الشلال الثالث، وكان قوسي حسن قومندانًا للجنود، وحاكمًا مستقلًّا على النوبة، ويرسل الجزية إلى والي مصر، وتولَّت ذريته حكم النوبة، وكانت عاصمتهم الدر، وارتد جيش الفونج في محاربته الكُشَّافَ الغُزَّ، وعيَّن إسماعيل باشا فاتح السودان حسن كاشف على البلاد من أسوان إلى حلفا، وخلفه ابنه سليمان، ثم أخوه محمد، وقد زال حكمهم بقيام الثورة المهدية، وبقيت ذريتهم”.

رسم لسليم الأول أثناء حملته على مصر.
رسم لسليم الأول أثناء حملته على مصر.

سقوط مصر عام 1517 في قبضة العثمانيين أدى إلى خضوع الدول التابعة لحكم المماليك إلى العثمانيين ومن بينها شواطئ السودان الشرقي التي تضم موانئ استراتيجية مهمة مثل سواكن، وأخرى تقع في دول شرق إفريقيا مثل مصوع في إريتريا، وزيلع في الصومال.

اقرأ أيضًا 
لماذا يجب أن تختار السودان مصر دونًا عن إثيوبيا “بعيدًا عن الإنشاء التاريخي”

كان لدى المماليك هدف هو صد الخطر بتدمير الملاحة في رأس الرجاء الصالح، على أمل أن تعود التجارة لمصر، واتبع العثمانيون الاستراتيجية نفسها في البحر الأحمر بإرسال حملاتهم والتي كان من نتيجتها احتلال اليمن، وتدمير عدن، ما جعل الهند ترفض مساعدة العثمانيين، وتفضل التعاون مع البرتغاليين.

نجح الأتراك في احتلال ميناءي مصوع وسواكن عامي 1557و 1578، الأمر الذي سمح لقوات إسطنبول بالتوغل في أراضي الحبشة للسيطرة عليها، لكنها واجهت مقاومة عنيفة أدت إلى هزيمتها ومقتل قائدها أزدمر باشا.

الانتصار على الأتراك أغرى ملك الحبشة بشن هجوم على سواكن وحرقيقو عام 1589، استطاع من خلاله حصار الحامية التركية وقتل داوود باشا، فطلب الأتراك الصلح مقابل ضرائب وتقديم هدايا إلى ملك الحبشة.

مواجهات سودانية حبشية
مواجهات سودانية حبشية

أنشأ العثمانيون إمارة إيالة الحبشة والتي ضمت ساحل شرق إفريقيا حتى الصومال، واتخذت اسمها لمجاورتها مملكة الحبشة، بينما لم تقتطع أي أرض خاضعة للمملكة، وبسبب تعطيل العثمانيين للملاحة الدولية في البحر الأحمر، فضلا عن تمكن البرتغاليين والأسبان من نقل خطوط التجارة بين الشرق الأقصى وأوروبا إلى طريق رأس الرجاء الصالح، فقدت موانئ شرق إفريقيا قوتها الاقتصادية، وخاب أمل أمراء شرق السودان في العثمانيين، الذين قضوا على اقتصادهم القائم على التصدير.

لم تتوقف أطماع العثمانيين في السودان والسيطرة على خيراتها، أرسل الأتراك حملة برية لاحتلال أراضي البلاد عام 1566 دخلت شمال السودان عبر أسوان المصرية تصدى لها الشعب السوداني في منطقة إبريم وصاي بقيادة ملوك العبدلاب الذين أوقعوا هزيمة كبيرة بالعثمانيين.

أقام العثمانيون ولاية في شمال السودان تمتد من أسوان حتى إبريم بين الشلالين الثاني والثالث، أطلقوا عليها بربرستان أي أرض البرابرة، ما يفسر النظرة الدونية التي كان يتعامل بها العثمانيون مع السودانيين، فيما تمركزت حامية عثمانية على حدود إبريم، ثم حاول الأتراك التوغل من جديد في السودان بحملة أخرى عام 1622، لكنها واجهت المصير نفسه لسابقتها بسبب المقاومة السودانية في حنيق إضافة إلى تمرد الجنود الأتراك على قادتهم.

جامع سنار
جامع سنار

في شمال السودان حرم الأتراك السكان من المشاركة في إدارة شؤون بلادهم، ومنحوا حكم الإيالة لموظف تركي لقب بالكاشف وجعلوه وراثيا في عائلته، إلا أنهم استمروا في معاداة القبائل السودانية خاصة مملكة الفونج السودانية، التي كان لها دور كبير في نشر الإسلام بإفريقيا، ليلقى الآلاف من أبنائهم مصرعهم أثناء الغزو العثماني لبلادهم.

قامت الدولة العثمانية بإدارة الجمارك، وجباية الضرائب دون تقديم أية خدمات، واستغلت الخلاف بين الحكام المحليين للسيطرة على البلاد، ولكنها لم تنجح في بسط نفوذها، فقد رفضت الأسرة الحاكمة في مصوع عام 1844 قبول حاكم محلي مدعوما من العثمانيين، ما جعل الأتراك يرسلون حملة عسكرية لتأديبهم، نهبوا خلالها الممتلكات وهدموا البيوت، فنظم الأهالي حركات مقاومة ضد القمع استطاعت أن تلحق بالعثمانيين الهزيمة وتجبرهم على التصالح.

إقرأ أيضا
أسامة الشاذلي

دفع الأتراك تعويضات للأهالي بعد هزيمتهم، وتعهدوا بعدم التدخل في شؤون الحكم المحلي، وإيقاف الاتصالات السرية مع عدو السودانيين حاكم تيغراي في إثيوبيا، وبسبب دسائس الأتراك تجدد الخلاف في إيالة الحبشة عام 1846، فنفذ الباشا التركي إعدامات دون محاكمة لعدد من رجال القبائل.

النيل في السودان
النيل في السودان

ردا على التعسف تمردت قرى الإيالة، وواجه العثمانيون الثورة بحرق قرى بأكملها كما حدث في حرقيقو، وعززت القوات التركية وجودها العسكري بـ 500 جندي في المنطقة، وطلب الباشا من النائب حسن ، الحاكم المحلي لمصوع وشيوخ من حرقيقو زيارته بحجة التفاوض، وبمجرد وصولهم ألقى القبض عليهم، وأمر قواته بتخريب منازلهم ليقضي بذلك على استقلال المنطقة الذاتي.

كان اقتصاد السودان يعتمد على تجميع السلع من نواحي البلاد، وشحنها إلى موانئ سواكن ومصوع وغيرها من أجل تصديرها إلى الهند وبلاد العرب وأوروبا، إلا أن الضرائب الباهظة، والفساد الإداري العثماني أدى إلى تخريب التجارة.

جيمس بروس
جيمس بروس

سجل الرحالة الأسكتلندي جيمس بروس – مكتشف منابع النيل – أوضاع شرق السودان خلال زيارته لها بقوله: كسدت التجارة وانتشرت الأمراض في المنطقة وعانت البلاد من فقر شديد، وضرب الطاعون المنطقة، ولم يكن لدى الأتراك أية نظم صحية لمساعدة السكان ، فتركوهم يلقون حتفهم.
في مصوع وسواكن خضعت قبائل الحباب في شرق السودان للسيطرة التركية منذ أواسط القرن السادس عشر حتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، فرض خلالها الأتراك ضرائب باهظة شملت الأرض والبهائم والتجارة.

لم يهتم العثمانيون بسواكن وأحوالها التجارية والعمرانية، حولوا مصوع وزیلع إلى قواعد حربية تخدم جيوشهم الذاهبة للقتال أو العائدة من الميدان دون أن تستفيد البلاد من حكمهم، وتحت إشراف العثمانيين انتعشت تجارة الرق في إفريقيا، حيث قام الأتراك بتصدير العبيد تحت إشراف طرابلس في ليبيا، وروسيا، وهي التجارة التي لم تنته إلا على يد إسماعيل باشا عام 1865.

الزبير باشا
الزبير باشا

نجح الزبير باشا في قتل السلطان إبراهيم في بلدة منواشي في 24 أكتوبر سنة 1875، وزال سلطان دارفور، وقد قبضت الحكومة المصرية على بقية أمرائهم وأسكنتهم سوق السلاح، وسقطت دارفور في يد المهدي، وحاول بقية الأمراء استرداد الحكم في أثناء المهدية ففشلوا، وقد أصبح الأمير علي دينار بن الأمير زكريا بن السلطان محمد الفضل سلطانًا على دارفور، وكان يدفع جزية إلى أن قُتل في بداية الحرب الكبرى، بعد أن هزمته الحملة المصرية، إثر انتقاضه وانضمامه إلى الأتراك، وأصبحت دارفور مديرية.

الكاتب

  • الفور وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
1
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان