همتك نعدل الكفة
1٬015   مشاهدة  

“سوف نفنى ويبقى ذكرى الحسن” سيكولوجيا قصائد البارودي في المنفى والعودة

محمود سامي البارودي
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



تتربع قصائد البارودي في المنفى على قائمة أشهر المنظومات الشعرية الوطنية التي لا زالت متداولة حتى الآن، وتلقى احترامًا واسعًا سواءًا على المستوى التعليمي أو الفكري.

قيمة قصائد البارودي في المنفى

محمود سامي البارودي
محمود سامي البارودي

يدرس طلبة الصف الثالث الثانوي باليمن يدرسون قصيدة أسلة سيف أم عقيقة بارق ؟، وطلاب قطر يدرسون أبيات في قصيدة أخرى هي سرنديب، وفي مصر تُدْرَس أبيات من قصائده المتفرقة، بل حتى أن الجمعية الإيرانية للغة العربية وآدابها خصصت دراسةً شاملة عن تلك القصائد.

لماذا كتب البارودي تلك القصائد ؟

محمود سامي البارودي
محمود سامي البارودي

يقينًا فإن البارودي كتب تلك القصائد من وجعه على فراق مصر بعد فشل الثورة العرابية وفي مجملها حنين للوطن، لكن هناك أبياتًا حملت شكلاً من أشكال الدفاع عن النفس باستماتة مؤلمة، وهذا هو الجانب المجهول والمؤلم في تاريخ محمود سامي البارودي.

اقرأ أيضًا 
هنا يرقد أول شيخ للأزهر اشترك في الثورة العرابية “سلفه عُزِل بطلب عرابي”

انطلقت حملة تشهير واسعة النطاق ضد كل من اشترك في الثورة العرابية عبر الصحف الموالية للإنجليز، واقتضت تلك الحملة أن يتم إلصاق تهم برموز ذلك الحراك، فكان البارودي من هؤلاء الناس إذ قيل عنه أنه استغل ثورة عرابي لتحقيق منافع شخصية خاصةً أنه لم يكن من زعمائها ولا منظميها.

تألم البارودي من تلك الأقوايل ويمكن أن نلحظ تألمه ذلك حين نظم قصيدةً قال فيها
يَقُولُ أُنَاسٌ إِنَّنِي ثُرْتُ خَالِعاً * وَتِلْكَ هَنَاتٌ لَمْ تَكُنْ مِنْ خَلائِقِي
وَلَكِنَّنِي نَادَيْتُ بِالْعَدْلِ طَالِبَاً * رِضَا اللَّهِ وَاسْتَنْهَضْتُ أَهْلَ الْحَقَائِقِ
أَمَرْتُ بِمَعْرُوفٍ وَأَنْكَرْتُ مُنْكَراً * وَذَلِكَ حُكْمٌ فِي رِقَابِ الْخَلائِقِ
فَإِنْ كَانَ عِصْيَاناً قِيَامِي فَإِنَّنِي * أَرَدْتُ بِعِصْيَانِي إِطَاعَةَ خَالِقِي
وَهَلْ دَعْوَةُ الشُّورَى عَلَيَّ غَضَاضَةٌ * وَفِيهَا لِمَنْ يَبْغِي الْهُدَى كُلُّ فَارِقِ
بَلَى إِنَّها فَرْضٌ مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ * عَلَى كُلِّ حَيٍّ مِنْ مَسُوقٍ وَسَائِقِ
فَلَمَّا اسْتَمَرَّ الظُّلْمُ قَامَتْ عِصَابَةٌ * مِنَ الْجُنْدِ تَسْعَى تَحْتَ ظِلِّ الْخَوَافِقِ
وَشَايَعَهُمْ أَهْلُ الْبِلادِ فَأَقْبَلُوا * إِلَيْهِمْ سِرَاعاً بَيْنَ آتٍ وَلاحِقِ
يَرُومُونَ مِنْ مَوْلَى الْبِلادِ نَفَاذَ مَا * تَأَلَّاهُ مِنْ وَعْدٍ إِلَى النَّاسِ صَادِقِ
فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ فَلا تَسَلْ * سِوَايَ فَإِنِّي عَالِمٌ بِالْحَقَائِقِ.

لم يفكر محمود سامي البارودي يومًا أن يصبح حاكمًا لمصر رغم الفرصة التي جاءت له عقب استقالة وزارة شريف باشا، فأحمد عرابي قال «أقسم لي البارودي أنه مستعد للتضحية بحياته ويجود بآخر قطرة من دمه في سبيلي وسبيل الوطن، وأن يجرد حسامه وينادي باسمي خديويًا لمصر».

الثابت تاريخيًا أن محمود سامي البارودي كان يفكر في قلب نظام الحكم المصري من خديوية عثمانية إلى جمهورية مستقلة حيادية، وهو الشيء الذي يذكره بلنت بقوله «محمود سامي البارودي كان دستوريًا متحمسًا ووطنيًا صادقًا، أما من حيث مواهبه فقد كان أسمى بكثير من أحمد عرابي، بل كان من أعظم الناس علمًا وتهذيبًا في مصر، وقد دفع بسبب إخلاصه ثمنًا غاليًا».

عودة البارودي من المنفى

خبر عودة محمود سامي البارودي من المفنى بتاريخ 10 سبتمبر 1899
خبر عودة محمود سامي البارودي من المفنى بتاريخ 10 سبتمبر 1899

بلا تمهيد ولا سابق إنذار عاد محمود سامي البارودي إلى مصر في 9 سبتمبر عام 1899 م ولم تختلف الأبيات التي نظمها في قصيدة أبابل رأي العين أم هذه مصر ففيه أيضًا أوجاع وآلام.

خصص الصحفي علي يوسف صاحب جريدة المؤيد نصف صفحة كاملة عن عودة محمود سامي البارودي بعدما قابله وحكى تفاصيل اللقاء، وهنا يتبين سبب يقول علي يوسف «بعد تبادل عبارات السلام سألته عن صحته فقال أنه قد أصيب قبل 3 أشهر بمرض أشبه بالحمى الخبيثة وشفي منه ولكن الشيء الذي يكر صفوه وينغص عليه طيب الحياة ما جاء ببصره، وعند ذلك رفع النظارة عن عينيه فإذا بغشاوتين باديتين عليهما قال وإذا أحدث ببصره إليّ شيء لا يكاد يميز الأشباح من بعضها».

إقرأ أيضا
زكي رستم

الحرمان من الوطن 17 سنة قاسيًا على البارودي، والحرمان من البصر بعد عودته لبلاده كان أقسى، وبقيت شماتة أعداءه فيها جرحًا لم يقهره إذ قال
فَلا يَسُرَّ عُدَاتِي مَا بُلِيتُ بِهِ * فَسَوْفَ يَفْنَى وَيَبْقَى ذِكْرِيَ الْحَسَنُ
ظَنُّوا ابْتِعادِيَ إِغْفَالًا لِمَنْقَبَتِي * وَذَاكَ عِزٌّ لَهَا لَوْ أَنَّهُمْ فَطَنُوا

قبر محمود سامي البارودي قبل وبعد الهدم الجزئي
قبر محمود سامي البارودي قبل وبعد الهدم الجزئي

مات البارودي في 12 ديسمبر عام 1904 ودُفِن بمدفنه في مقابر الإمام الشافعي وعند تشييعه توافد الشعراء والكتاب ورثوه بقصائد كثيرة.

المراجع

  • ديوان محمود سامي البارودي – جمع وتحقيق علي الجارم ومحمد شفيق معروف
  • ديوان محمود سامي البارودي – جمع وضبط محمود الإمام المنصوري الأزهري
  • من شعراء الوطنية لـ عبدالرحمن الرافعي
  • محمود سامي البارودي لـ كامل محمد عويضة
  • محمود سامي البارودي شاعر النهضة لـ علي الحديدي
  • التاريخ السري لاحتلال انجلترا لمصر لـ وليفرد سكاون بلنت
  • كشف الستار عن سر الأسرار لـ أحمد عرابي
  • جريدة المؤيد عدد 10 و 11 سبتمبر 1899 م

الكاتب

  • قصائد البارودي في المنفى وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
2
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
1
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide






حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان