عن أغنية “للّي” لـ محمد منير .. الملك يعيد اكتشاف نفسه
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
بعد حفل الملك محمد منير الأخير الذي أقيم في مدينة الإسكندرية قمت بكتابة منشور غاضب طالبته فيه بالتوقف عن تقديم أي أغنيات جديدة ما دام أنه يستدعي أغنياته القديمة فقط في أي حفل متجاهلًا أغلب أغنياته الجديدة، وأنها إشارة لأن تلك الأغنيات لا تلقى رواجًا لدى رواد حفلاته ولدى جمهوره القديم.
بعد أيام قليلة من الحفل فاجئنا الممثل “أكرم حسني” بخبر أنه بصدد تنفيذ أغنية جديدة مع الملك محمد منير من كلماته وألحانه تم الاتفاق عليها منذ فترة، لم يمثل هذا الخبر صدمة كبيرة لدى عشاق منير الذي يعيش نشوة نجاح حفله الأخير لأنه اعتاد على تلك النوعية من الأغاني المسلوقة التي دأب على صناعتها تحديدًا من بعد ألبومه “يا أهل العرب والطرب” لذا لم يكن هناك تفاؤلًا كبيرًا “ومفيش مشكلة أغنية وهتعدي زيها زي غيرها”.
اليوم صدرت تلك الأغنية المتفق عليها والتي عنوانها ” للّي ” من كلمات وألحان “أكرم حسني” وتوزيع “أمير محروس”،اختيار اسم الأغنية الغريب كان ذكيًا جدًا لأنه ابتعد عن مفردة “يالاللي” حيث توجد أغنية شهيرة بنفس الاسم لمنير لذا اختار مفردة “للّي” والتي كانت بمثابة تحريض على الاستماع إلي الأغنية ومن هنا حدثت المفاجأة.
الكلمات:
كلمات الأغنية مكتوبة بحرفية شديدة تنم عن شاعر أغنية حقيقي لا يكتب من باب تقضية الفراغ أو يتخصص فقط في كتابة الشعر الهزلي الذي يناسب طبيعته كممثل كوميدي، مع الاعتراف بأن هذا النوع من الكتابة ليس سهلًا على الإطلاق عكس ما قد يعتقده الجمهور.
اختار أكرم حسني فكرة تقليدية عن العاشق الذي هزمه عشقه ويعاني من صد وهجر المحبوب وصبها في ثلاثة مقاطع مختلفة في القافية ثم استدعى جملة “يا لا ويا لا للّي” الفلكلورية لتكون السينو أو اللزمة التي ستعاد بين المقاطع.
سألته هل داق الولع كان الجواب صده، ساق الدلال ساق الدلع مفاتيح هواه صدوا، ومشيت أوشوش في الودع، ولا جاني يوم رده، اللي فتح باب الوجع، واجب عليه رده”.
في هذا المقطع نلمح أن أكرم حسني شاعر يمتلك أدواته جيدًا حيث اعتمد على الجناس التام في قفلات الشطرات “صده ” و “رده” بحرفية شديدة وتماسك في الفكرة والمفردات.
“بعيونه بضرب ميت مثل أو ما بيطلوا، دوقته من طعم الغزل دوقني من ذله، وبحبه أنا مهما حصل يا طب مين بقا يقول له،ماهو لو حبيبك كان عسل ماتخلصوش كله”
في هذا المقطع نلمح البناء المتماسك في الفكرة والتي أسست لختام جيد استدعى فيه مثل شعبي شهير مع تغيير المفردة الأصلية متلحسوش الي ماتخلصوش”
“كات نار تقيد من لمس أيد من حضن من ضمة، وان راح بعيد النار تزيد واصرخ واقول يمه، الروح تروح وامين ونوح ومافوقش غير لما، يرجع قوام ده عليه قوام حواليه بنترمى”
في هذا المقطع تظهر حرفية أكرم حسني في التقطيعات السريعة والتي سارت على نفس الفكرة الرئيسية للأغنية وتنم عن أنه يمتلك قاموس مفردات ضخم جدًا.
اللحن والتوزيع:
صاغ أكرم حسني تيمة اللحن على مقام الصبا الحزين الذي تماهى مع طبيعة الكلمات ، رغم طبيعة اللحن الحزينة إلي اننا نلمح سخرية ممزوجة بالأسى في بعض الجمل ولكن بشكل عام التيمة متماسكة جدًا وبقفلات لحنية رائعة وأن عابه تكرارها في كل المقاطع دون تغيير أي جملة فيه مع تشابه بعض الجمل مع تتر مسلسل “المداح” الجزء الأول.
توزيع أمير محروس بسيط جدًا بدأ بجملة خفيفة من اّلة الارغول المعزوفه بالكيبورد ثم اعتمد بشكل كامل على إيقاع المقسوم الصعيدي يصاحبه مزمار كخلفية للغناء ولم يضع فاصل موسيقي مفضلًا الاعتماد على السينيو “يالا ويالا للّي” جملة فاصل بين الثلاث مقاطع.
بشكل عام فاجئني المستوى المبهر لـ أكرم حسني كشاعر غنائي لم تبتعد كلماته كثيرًا عن تجربة منير بل دارت في فلكه ولكن بأسلوب جديد دون أن يضطر لكتابة أي مفردة خارج سياق الفكرة.
بتلك الأغنية يعطي أكرم حسني درسًا في كيفية كتابة كلمات على تيمة لحنية بشكل متماسك و بمفردات جديدة دون استسهال أو رخص وتنم على أننا أمام شاعر غنائي تفوق إمكانياته الفنية نصف الموجودين على الساحة الغنائية من شعراء وملحنين.
أداء منير شابه بعض الوهن بحكم السن والمرض “شفاه الله وعافاه” لكن نراه يغني باستمتاع وبشغف على العكس من الاعتقاد الذي كونته عنه في الفترة الحالية، في تلك الأغنية يرسل منير رسالة شخصية لمحبيه ومريديه أنه لازال قادرًا على امتاعنا و ابهارنا وقد تكون بداية جيدة يعيد فيها اكتشاف نفسه من جديد.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال