رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
637   مشاهدة  

في الرد على مقال الزميل أحمد المقدامي “الأخطاء الخمسة التي وقع بها في تاريخ الأزهر”

مقال الزميل أحمد المقدامي
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



ـ مقدمة لا بد منها ـ
بدايةً أحب أن أنوه إلى شيئين أولهما أني لم ولن أنسى فضل الزميل أحمد المقدامي فقد وقف معي في أزمات عديدة وجعله الله سببًا في أن أتعرف على أستاذ أسامة الشاذلي رئيس تحرير موقع الميزان، وثانيهما أني لست من المتطرفين في حبهم، فأنا كـ وسيم أحب الأزهر جدًا، لكن كـ نوستالجي حنينه للماضي فلا يحركني حب أو كره تجاه مؤسسة أو شخص باستثناء الأنبياء فقط.

قرأت مقال الزميل أحمد المقدامي المنشور على موقع الميزان وعنوانه «سيدي شيخ الأزهر .. هل قرأت الرسائل الـ 95 ؟»، وانتقد فيه موقف الشيخ أحمد الطيب من قانون تنظيم الإفتاء، واستخدم في نقد الموقف أطروحات من تاريخ الأزهر، ولذا فإن ردي سينحصر على المعلومات التاريخية أكثر من موقف الطيب وغيره من قانون تنظيم الإفتاء.

أخطاء تاريخية

عنوان مقال الزميل أحمد المقدامي
عنوان مقال الزميل أحمد المقدامي

احتوى مقال الزميل أحمد المقدامي على 5 أخطاء تاريخية أزهرية وهي «تحريم الأزهر للعلوم الدنيوية، تحريم الأزهر للقهوة، تحريم الأزهر لتعلم البنات علم الولادة، تحريم الأزهر لتعليم البنات، رفض سليمان الجوسقي تعليم البنات زمن الفرنسيين»، ثم قال 3 تنويهات تاريخية فيها أخطاء وهي «الأزهريون لا يميلون للتاريخ، الأزهر مصدر الإرهاب بدليل خريجيه الإرهابيين، مارتن لوثر مصلح».

وقبل الرد على هذه الأخطاء والتنويهات أؤكد للقارئ وحتى الزميل أحمد المقدامي أن المسألة تاريخ، بمعنى أنك لو أردتني أن أقر بسلبيات في تاريخ الأزهر فأنا لن أقر بها وإنما سأكتب عنها وكتبت هنا في بيتنا الميزان.

الرد على الخطأ الأول .. هل الأزهر حرم العلوم الدنيوية

الجامع الأزهر
الجامع الأزهر

يقول الزميل أحمد المقدامي أن الأزهر من العام 1517 حرم دراسة العلوم الدنيوية كالطب والهندسة والفلسفة إلى آخره من هذه العلوم حتى جاء محمد علي باشا وأحدث طفرة.

وهنا يبدو أن الزميل أحمد المقدامي وقع في خلطٍ شديد بين التخلف الذي بدأ يدب في مصر زمن العثمانيين وبين حال الأزهر فيه، ولسنا في مجال الكلام عن العثمانيين، لكن الكلام سيجيب على هذا السؤال وهو هل حرم الأزهر دراسة العلوم الدنيوية منذ 1517 وحتى مجيء محمد علي باشا ؟.

كلام الزميل أحمد المقدامي غير صحيح ومناقض للحقيقة والدليل على هذا استعراض المواد التي كان يدرسها الأزهريين طيلة العصر العثماني فقد كانت الفلسفة موجودة في مناهج الأزهر وكان الكتاب المقرر هو شرح الجوهرة وشرح السنوسة الكبرى إلى جانب علوم المنطق وهذا ذكره الجبرتي في الجزء الأول من تاريخه.

الشيخ أحمد الدمنهوري
الشيخ أحمد الدمنهوري

أما من حيث الطب فنجد أن الأزهريين كانوا يتعلموا الطب ودليل ذلك ترجمة الشيخ أحمد الدمنهوري الذي تولى منصب شيخ الأزهر عام 1768 م وسنجد في ص 244 من كتاب الأزهر تاريخه وتطوره ترجمةً عن الدمنهوري قال فيها «أخذت عن سيدي أحمد القرافي الحكيم بدار الشفاء كتاب الموجز واللمحة العفيفية في أسباب الأمراض وعلاماتها وبعضًا من قانون بن سينا في الطب وأخذ عن الشيخ سلامة الفيومي أشكال التأسيس في الهندسة»، ونفس الشيء نجده عند الشيخ حسن الجبرتي والد المؤرخ الشهير الذي كان يعلم الأوروبيين الصنايع والهندسة داخل الأزهر.

الخطأ الثاني .. هل حرم سليمان الجوسقي دراسة الطب للفتيات زمن الحملة الفرنسية ؟

الأزهر والحملة الفرنسية
الأزهر والحملة الفرنسية

يشير الزميل أحمد المقدامي إلى أن نابليون بونابرت في أكتوبر عام 1798 م قرر إنشاء مدرسة لتعليم البنات لولا أن ثار سليمان الجوسقي عليه مع تلامذته ورفضوا هذا حتى قتلهم نابليون وتراجع عن قراره؛ واستدل الزميل بكتاب الأزهر في مائة عام.

هذه المعلومة لا يمكن القول بأنها خاطئة وإنما القول الصحيح هو أنها لم تحدث أصلاً وغير موجودة في الكتاب الذي استدل به الزميل، بل العكس ما حدث.

بدايةً فإن الشيخ سليمان الجوسقي هو شيخ طائفة العميان (الطلبة المكفوفين)، وكان أحد أعضاء مجلس قيادة ثورة القاهرة الأولى التي وقعت عام 1798 بسبب فرض الضرائب وقرار الفرنسيين تغيير المواريث، وقد تم سجنه بتهمة الاشتراك في الثورة وصفع نابليون ومات بالسجن، وهذه المعلومات موجودة في الجزء الخامس من الكتاب الذي أحالنا إليه الزميل أحمد المقدامي من ص 57 حتى 62.

لن أعتمد على الرواية العربية (الجبرتي) في قصة الصراع العلمي للأزهر مع الحملة الفرنسية، لكن سأعتمد على الفرنسيين أنفسهم ففي كتاب بونابرت في مصر لـ كريستوفر هيرولد قال أن علماء الحملة حاولوا خداع الأزهريين بالعلوم لكن أصحاب العمائم كانوا أذكى من أن تنطلي عليهم هذه الحيل (ويقصد بذلك علوم الهندسة والكيمياء).

الخطأ الثالث .. الأزهر وموقفه من تعليم الولادة زمن محمد علي باشا

مدرسة القابلات
مدرسة القابلات

يشير الزميل أحمد المقدامي أن الأزهر كان يرفض تعليم البنات للولادة ويحرمه ووصل الأمر إلى النظر لأي من تعمل بتلك المهنة على أنها زانية.

بدايةً لم يكن للأزهر بعد عام 1811 أي دور للمعارضة إذ استأصل الباشا شأفته ولم يكن لأحد أن يجرأ على معارضة محمد علي باشا في أي قرار يأخذه، والأزهر كمؤسسة ظل نائيًا بنفسه عن حركة التطوير هذه وهذا ينص عليه الأزهريين أنفسهم وأشهرهم الشيخ عبدالمتعال الصعيدي في كتابه تاريخ الإصلاح في الأزهر؛ وبالتالي فإن الأزهر كان مهمشًا زمن الباشا لا هو ميت ولا هو حي وبالتأكيد لم يكن يعارض.

أما بشأن تعليم الولادة فإن الدكتور نجيب محفوظ باشا في كتاب تاريخ التعليم الطبي في مصر يشير إلى أن علم الولادة الذي صار جزءًا من مدرسة الطب التي أسسها الباشا كان به أزهريين، يعني الأزهريين أنفسهم درسوا طب الولادة، فكيف يحرموه، ولو هو حرام كثقافة كيف كانت هناك قابلات في مصر (دايات)، المسألة أن العُرْف السائد والعقل الجمعي السائد وقتها أن البنات لا تتعلم التوليد حتى لا يصبحن كالدايات اللاتي ينظر لهن نظرة دونية، فاستعان الباشا بجواري ليكن تلامذة، فالمسألة بعيدة عن الأزهريين.

الخطأ الرابع .. موقف الأزهر من تعليم البنات زمن الخديوي إسماعيل

الخديوي إسماعيل
الخديوي إسماعيل

لم يوجد كتاب واحد أرخ لاعتراض الأزهر على تعليم البنات في مدارس وتحريم ذلك بالصورة التي شرحها الزميل أحمد المقدامي، فالمجتمع نفسه كان رافضًا لكن الأزهر لم يكن محرضًا ودليل ذلك أن السيدة المفكرة عائشة التيمورية كان لها معلمتين من الأزهر هما فاطمة الأزهرية وستيتة الطبلاوية، وقالت عنهما التيمورية «فتحن بأناملهن العنابية باب أفق جديد أمام الأعين المعاصرة لهن، المبتهجة بعملهن الشعري والنثري البديع».

الأزهر وتحريم القهوة

إقرأ أيضا
تاريخ الكاسيت
غلاف كتاب كل شيء عن القهوة
غلاف كتاب كل شيء عن القهوة

تطرق الزميل أحمد المقدامي إلى موقف الأزهر من القهوة لكنه أغفل جانبين في غاية الأهمية، أولهما أن أوروبا عرفت القهوة من المسلمين ويقول وليم هاريسون وركس في كتاب كل شيء عن القهوة أن العالم الإسلامي والعربي والشرق عرف مشروب القهوة قبل أوروبا والغرب بـ 104 سنة، فأول واقعة لشرب القهوة في أوروبا كانت سنة 1615 م في فينسيا الإيطالية، بينما أول ظهور للقهوة في العالم الإسلامي كانت سنة 1511 م داخل مكة

غلاف كتاب من التاريخ الثقافي للقهوة والمقاهي
غلاف كتاب من التاريخ الثقافي للقهوة والمقاهي

ثاني الأشياء التي أغفلها الزميل أحمد المقدامي أن الموقف من مشروب القهوة كان على مستوى الديانات الثلاث فهناك من حرمها وأحلها باليهودية والمسيحية وكذلك هناك من حرمها وأباحها في الإسلام وقد استعرض كتاب من التاريخ الثقافي للقهوة والمقاهي للكاتب محمد الأرناؤوط، أسماء من حرم وأباح، فلماذا لم يذكر الزميل الغالي أن هناك أزهريون أباحوا ؟

إشارات تاريخية سريعة

الأزهر - رسومات المستشرقين
الأزهر – رسومات المستشرقين

ـ لو أتى الزميل أحمد المقدامي بـ 10 إرهابيين تخرجوا من الأزهر، فأزيدهم إلى 100 ولكن السؤال لماذا نسي الزميل الأزهريين الذين تصدوا للإرهاب وبعضهم دفع حياته مثل الشيخ محمد حسين الذهبي ؟، وبنفس المنطق سنقول أن الجامعات المدنية مصدر للإرهاب فـ أيمن الظواهري ليس أزهريًا وحسن البنا لم يكن أزهريًا وسيد قطب كذلك، فمسألة الاستدلال على أن الأزهر هو مصدر الإرهاب بدليل خريجيه غير متسقة مع العقل.

ـ تغلغل الفكر السلفي الوهابي داخل المجتمع المصري خلال الـ 50 سنة الماضية لا يتحمله الأزهر، فالنظام السابق هو احتوى هذا الفكر إعلامًا وكتبًا في وقتٍ كان الأزهريين لهم منفذ إعلامي واحد مرئي ثابت وهو برنامج حديث الروح، مع بعض البرامج القليلة مثل في بيوت الله ورب اشرح لي صدري، فلو سيحدث حساب على السبب فإن النظام السابق هو من سيحاسب على المشاريب وليس الأزهر بسبب الموائمات السياسية.

ـ لا داعي لتصوير أن مارتن لوثر الذي ثار على الكنيسة أنه مفكر عظيم ورائد نهضة، فمارتن لوثر مجرم لا يقل إجرامًا عن رجال الكنيسة فلو كان رجال الكنيسة حرموا الاستحمام وأصدروا صكوك الغفران فمارتن لوثر شبه نفسه بالمسيح ودعم الأرستقراطيين الأثرياء على حساب الفلاحين الفقراء.

ـ الأزهريون يعرفون التاريخ جيدًا ومنهم متخصصين فيه حتى في أمور الفقه والكتب حول ذلك كثيرة ومنتشرة، والطيب يعرف تاريخ أوروبا الوسيط فقد تعلمه وهو في السوربون.

ـ الختام ـ
لست في حلٍ أن أتكلم عن موقف الطيب حول قانون تنظيم الإفتاء سلبًا أو إيجابًا، فالمسألة قانونية وأنا لم أقرأ القانون ولم أطلع عليه، وبالتالي لن أهاجم موقف الشيخ الطيب ولن أؤيده في أمر لا أعرف عنه شيئًا وهو أدرى به مني واقتصر دوري على التاريخ فقط، فلو حدث وهاجم أحد موقف الطيب لا داعي للإسقاطات التاريخية وإن كان لابد فيجب أن تكون صحيحة.

الكاتب

  • الزميل أحمد المقدامي وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
8
أحزنني
0
أعجبني
3
أغضبني
0
هاهاها
1
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (3)
  • احسنت الرد
    الا انك لو اضطلعت على الموضوع الراهن والذى هو سبب الجدال لكنت اكملت المقال واختتمته بشك اكثر احترافية ومنهجية
    فالتحليل الكامل دائما مايكون اكثر وضوحا ومنهجية
    اشكرك

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان