قصة سرية هدم صنم طيء “نبؤوة محمدية في المدينة المنورة لـ عُدَي بن حاتم”

في شهر ربيع الآخر في العام التاسع من الهجرة كثرت الوفود التي تأتي إلى العاصمة الإسلامية وهي المدينة المنورة تعلن إسلامها وقبولها للرسالة المحمدية وكان عددها يزيد على السبعين وفدًا، وكان ذلك بعد غزوة تبوك وكان هذا نصراً كبيراً للمسلمين.

عام الوفود وسورة النصر

وقد تحدث القرآن الكريم عن تلك الوفود في سورة خاصة وهي سورة النصر فقال تعالى : “إذا جاء نَصرُ اللّه والفَتح * ورأيتَ النّاسَ يَدخُلُونَ في دينِ اللّه أفواجاً * فَسبِّح بَحمدِ رَبِّكَ وَاستَغفِرهُ إنّهُ كان توّاباً )”.

اقرأ أيضًا 
أول الذين دخلوا الكعبة والمسجد النبوي من غير المسلمين “الرسول وافق والأحناف خالفوا 3 مذاهب”

تنتشر قبيلة طيء في الجزء الشمالي من الجزيرة الفراتية من محافظة الحسكة السورية إلى حدود أراضي محافظة نينوى الشرقية، وهي إحدى كبرى قبائل الموصل. أطلق الفرس الساسانيون كلمة تاي/طاي على العرب كافة قبل الإسلام نسبة لعشيرة الطائي المنتشرة في بلاد الرافدين ولما قدم وفد قبيلة “طيّ” وفيهم سيدهم “زيدُ الخيل” على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وتحدث مع النبي صلّى اللّه عليه وسلم فأعجب رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وسلم برجاحة عقل زيد وحكمته ووقاره فقال عنه : “ما ذُكِرَ لي رَجُل من العَرب بفَضل ثم جاءني إلا رأيتهُ دونَ ما يُقال فيه إلا زيدُ الخيل ، فانه لم يبلغ كلّ ما كان فيه “؛ ثم أطلق عليه رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ” زيد الخير “.

أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم  ابن عمه علي بن أبي طالب في مائة وخمسين رجلاً ليهدم صنم بني طئ وكان يُعرف بالفلس ، وقام علي  رضي الله عنه  بشن الغارة على محلة حاتم الطائي المشهور في العرب بالجود والكرم ، فأصاب نعماً وشاء وسبيا، وفيها سفانة بنت حاتم الطائي ، فلما جاءوا بها إلى المدينة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد أرأيت أن تخلي عنا ، ولا تشمت بنا أحياء من العرب فإني ابنة سيد قومي، وإن أبي كان يحمي الذمار، ويفك العاني، ويشبع الجائع، ويكسو العاري، ويقري الضيف، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ولم يردّ طالب حاجة قط ، أنا ابنة حاتم الطائي ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : يا جارية هذه صفة المؤمنين حقا، لو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه، خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق ” ؛ فأكرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاها نفقة وكسوة، وأخرجها لقافلة متجهة للشام حرة غير سبية وأطلقها بغير فدية وأعطاها الراحلة ، وكان أخوها عدي بن حاتم قد هرب إلى الشام ، فحدثته عن النبي صلى الله عليه وسلم قائلة :  لقد فعل فعلة ما كان أبوك يفعلها، ائته راغباً أو راهباً، فجاء عدي بغير أمان ولا كتاب، فلما سمع حديث رسول الله  صلى الله عليه وسلم أسلم في الحال .

عدي بن حاتم ونبؤوة النبي

يقول عدي بن حاتم : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:   يَا عَدِيُّ بْنَ حَاتِمٍ، أَسْلِمْ تَسْلَم ثَلاثًا.. قُلْتُ: إِنِّي عَلَى دِينٍ. قَالَ: «أَنَا أَعْلَمُ بِدِينِكَ مِنْكَ» فَقُلْتُ: أَنْتَ أَعْلَمُ بِدِينِي مِنِّي؟! قَالَ: «نَعَمْ، أَلَسْتَ مِنَ الرَّكُوسِيَّةِ وَأَنْتَ تَأْكُلُ مِرْبَاعَ قَوْمِكَ؟» قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: «فَإِنَّ هَذَا لاَ يَحِلُّ لَكَ فِي دِينِكَ». قَالَ: فَلَمْ يَعْدُ أَنْ قَالَهَا فَتَوَاضَعْتُ لَهَا؛ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «أَمَا إِنِّي أَعْلَمُ مَا الَّذِي يَمْنَعُكَ مِنَ الإِسْلاَمِ؛ تَقُولُ: إِنَّمَا اتَّبَعَهُ ضَعَفَةُ النَّاسِ، وَمَنْ لاَ قُوَّةَ لَهُ، وَقَدْ رَمَتْهُمُ الْعَرَبُ.

هكذا وفي بساطة شديدة قَبِل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا القائد الكبير، والزعيم المعروف في صفوف المسلمين، ولم يقُلْ في نفسه لعلَّه يحرِّك جموعَ طيئ ضد الإسلام، ولم يذكر حربه للمسلمين، ولا كرهه لهم.. إنما تعامل معه في منتهى الحلم والرفق والتقدير.

وبينما هو عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – جاء رجل يشكو إليه الفاقة، ثم جاء آخر يشكو قطع السبيل، فقال: باعدي! هل رأيت الحيرة؟ فلئن طالت بك حياة فلترين الظعينة ترتحل من الحيرة، حتى تطوف بالكعبة، لا تخاف أحداً إلا الله، ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى، ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله، فلا يجد أحداً يقبله منه؛ وقد تحقق ما تنبأ به النبي صلى الله عليه وسلم وقد رأى عدي خروج الظعينة، وحضر في فتح كنوز كسرى.