همتك نعدل الكفة
1٬926   مشاهدة  

كيف تصبح رجلًا مسيطرًا؟

السيطرة


السيطرة ، واحد من أثقل الهواجس المسيطرة على أذهان معظم الرجال في مجتمعنا، فالأمر مرتبط باكتمال الرجولة من أساسها، أنت رجل إذًا أنت مسيطر، لكن للأسف ارتبط الأمر بأفكار وممارسات بالية تستدعي السيطرة بمعناها المرتبط بالفرض، والقسوة، والغلظة بشكل ما.. فهل من سبيل إليها خارج هذه الأطر الكريهة؟

 

أفكر، وأجدني أعود للوراء قليلًا، للأجواء التي نشأت فيها داخل منزلنا.

من الصعب غالبًا أن يحتفظ الرجل بذات الانبهار الطفولي تجاه أبيه، بعد أن يتجاوز الطفولة والمراهقة إلى معترك الحياة مع بدايات شبابه، واكتشاف العالم الحقيقي والاصطدام به، لكن وضعي مع أبي يختلف بالفعل؛ فمع مرور الوقت، أجد محبتي واحترامي وانبهاري بهذا الرجل في ازدياد مستمر؛ لأنني كلما نضجتُ، كلما استوعبتُ أكثر أن نمط تفكيره وتصرفاته معنا في الأسرة ليس بسهل أبدًأ، وليس على سبيل الصدفة، بل باختيار واع منه، نابع من طبيعة شخصيته التي لا تقلل طيبتها من ذكائها.

 

لا أتذكر لأبي وأمي مشاجرة واحدة طيلة حياتي، بالطبع يوجد خلافات، لكنها تظل في حدود الخلافات البسيطة التي لا تدوم لأكثر من يومين على كل حال، وتنتهي بجلسة صفاء بسيطة.. لم أسمع في يوم أبدًا صوت أبي يعلو فاقدًا أعصابه مثلًا أمام أمي، لا أجده يوجه لها الأوامر ليل نهار كما يفعل بعض الرجال، بالرغم من سيطرة أبي وتوجيهه للدفة في معظم أمور الأسرة.. الغريب بالنسبة لي أن أمي ليست امرأة ضعيفة منكسرة أبدًا، بل صاحبة شخصية قوية لا تخلو من الحزم، بالرغم من طغيان عاطفتها عليها في أحيان كثيرة، إلا أنها تظل سيدة لا تقبل الظلم لنفسها أبدًا.. وربما في هذه النقطة بالذات يكمن سر سيطرة أبي الناعمة، المُحكمة في نفس الوقت.

 

أعتقد أن الأمر في أساسه يتعلق باحترامه الشديد لها، احترام نابع من حب عميق لا تُبدله الأيام، وقدرته على احتوائها في أوقات غضبها، وتشاوره الدائم معها، دون أن تطلب حتى هي أن تعلق وتبدي رأيها.

عادة ما يكمن السر في منح المرأة الأمان، الأمان في أن تكون ضعيفة، دون أن تخاف من يُستغل ضعفها هذا ضدها لكسرها.. والقدرة على احتواء ثورتها وغضبها في بعض الأحيان بتفهم وذكاء لا يخلو من الحنو أبدًا.. العقبة الرئيسية تكمن في أن معظم النساء تمتلكن حسًا طبيعيًا يُميز بسهولة الود الصادق ويعظمه، ويرى المحبة الزائفة ويلفظها مهما كانت لمعتها البرّاقة.

 

كان أبي ولا يزال حاضرًا دومًا في الصورة في منزلنا، هو جزء من الحل حتى لو لم يكن له علاقة مباشرة بالمشكلة في أساسها؛ كرجل يتصدر دومًا في موقع المسئولية دون أن يُطلب منه هذا؛ لأنه لا ينتظر الوصول لهذه المرحلة أبدًا.. هو قائد الأسرة الفعلي، حتى لو اختار التواري في الظلال أحيانًا سامحًا لنا بأخذ الفضل في بعض المواقف.. لكن سيطرته هذه من الممكن أن تتحول للغز في حضرة زوجة مثل أمي؛ امرأة قوية لا هي منكسرة ولا خائفة ترغب في العيش في “ضل راجل”، وللغز حل بسيط يكمن في حبه العميق لها، الذي ما انطفأ على مدار سنين زواجهما، بل ازداد رسوخًا واحترامًا واعترافًا بالفضل بينهما.

إقرأ أيضا
الدحيح

سيطرة الرجل شيء لا يُثبَت بالصوت العالي والوجه العابس والشجار الدائم، وتوجيه الأوامر بسبب ودون سبب، ليست السيطرة فرضًا للهيمنة بالقوة، ولا رغبة عابثة في طاعة المرأة له حتى لو كان مُخطئًا؛ كأنه إله لا تُدرك حكمته إلا بالتسليم!

 

الرجل المسيطر مسيطر بمحبته، وعطائه، ومروئته.. ليس في حاجة لإعطاء الأوامر دائمًا؛ لأنه يسيّر حياته بمحبة وهدوء وعقلانية واحترام لمن اختارتْ أن تشاركه ما تبقى من حياتها، واستأمنته على نفسها.. حينها لا يصبح أمر “السيطرة” هاجسًا يشغله، ولا عقبة تتوقف عندها الحياة وتشتعل المشاكل.. فالمرأة إذا أحبت، وأمنت على نفسها، وصدقتْ، بذلت دون تفكير ولا حسابات معقدة.. حينها ستصبح رجلًا متحررًا من وهم السيطرة إياه

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
34
أحزنني
1
أعجبني
18
أغضبني
1
هاهاها
3
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان