همتك نعدل الكفة
428   مشاهدة  

“هنري كوريل” تاريخ من التناقضات المركبة ولغز النهاية الغامضة

هنري كوريل
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



خرجت الشيوعية حيةً متجسدةً من رحم الحرب العالمية الأولى وتزامنًا مع ظهورها كان ميلاد هنري كوريل الأب الروحي للشيوعية في مصر خلال مرحلتها الثانية.

تاريخ هنري كوريل وحياته

هنري كوريل
هنري كوريل

ولد هنري كورييل في مصر عام 1914م لوالد مرابي يعمل مديرًا لبنك موصيري، وأم يهودية تركية، رغم قول العائلة بأنهم من مدينة ليجورن الإيطالية، فيما قال ألبير إيريه أن والدته كانت مسيحية لكن سرًا، فقد كانت تضع صورة البابا بجانبها في أيامها الأخيرة.(1)

هنري كوريل طفلاً من ناحية اليمين
هنري كوريل طفلاً من ناحية اليمين

تلقى هنري تعليمًا جيدًا في مدرسة الجيزويت والتي أثرت عليه وبدأ منذ طفولته يلاحظ مظاهر التفاوت الاجتماعي بين المصريين وبعضهم وبين أسرته والمصريين.

والد هنري كورييل
والد هنري كورييل

عندما بلغ سن الـ21 قرر التنازل على الجنسية الإيطالية والاكتفاء بالجنسية المصرية، ثم بدأ بالتعرف على الماركسية في باريس والتي ذهب لها للعلاج وكان في استقباله شقيقه راؤول والذي عرفه على أفكار كارل ماركس، وزاد اقتناعه بتلك الأفكار عندما عاد إلى مصر وخاض سلسلة من الرحلات للدلتا والصعيد ورؤية مظاهر الفقر والمرض على المصريين.

والدة هنري كورييل
والدة هنري كورييل

أما داخل القاهرة فقرر أن يكون عمله حركيًا أكثر منه ثقافيًا، فأسس منتدى باسم الاتحاد الديمقراطي ضم فيها رموز مصرية كثيرة، وبالتزامن مع ذلك أسس مكتبة الميدان لتوزيع كتب الماركسية، وشكلت لجنة ترجمة الكتب في سلسلة كتب مبسطة في الفلسفة وأفكار كارل ماركس وكان يسمح ببيعها مجانًا.

هنري كورييل وهو صغير
هنري كورييل وهو صغير

مع اندلاع الحرب العالمية الثانية قرر هنري كورييل مقاومة الزحف النازي على مصر ورغم أن ذلك يخدم السياسة الانجليزية لكن بريطانيا قررت القبض عليه لعدم عمله معها، رغم أن عائلة كورييل كانت تقوم باقناع يهود مصر بالسفر لفلسطين خوفًا من هتلر، وكورييل كان اليهودي الوحيد الذي تم اعتقاله.

هنري كورييل
هنري كورييل

أدرك كورييل في المعتقل أن سبيل امتداد الشيوعية في مصر تبني قضية التحرر الوطني، فأسس الحركة المصرية للتحرر الوطني حمتو وهو الاسم المختصر لـ الحركة المصرية للتحرر الوطني، وذلك تحت شعار مكافحة المرض والفقر والجهل، ولعب دورًا كثيرًا مع العمال ونجح في تجنيد 20 شاب للعمل في حركة حمتو وكان أغلب أعضاءها مصريين.

في مزرعة يملكها أسس هنري كورييل مدرسة لتدريب وتأهيل كوادر حركة حمتو وكانت الإقامة والطعام على حساب كورييل البرنامج الثقافي المكون من 5 محاضرات وضمت 30 تلميذًا، ومع وقوع مظاهرات 1946م انتشرت الاضرابات في مصر والتي مثلت صداعًا للحكومة.

هنري كورييل أثناء محاكمته
هنري كورييل أثناء محاكمته

فتم اعتقال كل رموز الحركة الشيوعية وبعد 20 شهر من الاعتقال خرج هنري وهو يقرر توحيد كافة التنظيمات الشيوعية فتأسست عام 1947م باسم حدتو وهو اختصار لـ الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني وأراد تجنيد أهم رموز العمل في المصانع وإقناعهم بالأفكار حتى يتهيأ لتبؤ منصبًا، ثم طور هنري كورييل نشاطه فعمل على تجنيد عناصر من الجيش المصري، فكان أولهم عثمان فوزي والذي جند خالد محي الدين.

التناقضات في مسيرة هنري كوريل

هنرى كورييل
هنرى كورييل

كان أول شكل من أشكال التناقضات التي اتسم بها هنري كوريل هو موقفه من القضية الفلسطينية، والذي مثل بداية الانهيار للحركة الشيوعية في مصر، إذ أيدت حركة حدتو تقسيم فلسطين، على أساس طرد الاحتلال البريطاني منها، وقيام دولة فيدرالية بين الصهاينة والفلسطينيين.

ولم يؤيد هنري كوريل قرار الحرب ضد الصهاينة فقد رأى أن هذه الحرب رجعية استعمارية بتحريض من بريطانيا ولإخفاء فساد الأنظمة وتصدير المشكلة للخارج حتى يتوه الشعب عن الحقيقة، فخسر كوريل ظهيرًا شعبيًا كبيرًا في مصر.

خبر إحالة هنري كورييل إلى الجنايات
خبر إحالة هنري كورييل إلى الجنايات

جرت عمليات اعتقال للشيوعيين وعلى رأسهم هنري كورييل أثناء حرب 1948م وكان هو اليهودي الوحيد الذي تم اعتقاله، وبعد خروجه من المعتقل بدأ يستجمع قواه لاستئناف نشاطه، لكن ما كان يعطله أكثر قرار سحب الجنسية المصرية منه، ورغم محاولاته لاستعادتها لكنه فشل إلى أن ألقي القبض عليه في 25 يوليو 1950م وتم طرده من مصر باعتباره أجنبيًا خطراً على الأمن العام.

هنري كورييل
هنري كورييل

وفي 24 أغسطس من نفس العام تم نقله إلى بورسعيد تحت حراسة  مشددة، وأجبر على مغادرة البلاد على متن السفينة الإيطالية سوريانتو بعد أن زوده قنصل إيطاليا ببورسعيد بتدخل من السلطات المصرية بوثيقة سفر إلى إسرائيل لكنه لم يذهب لها أبدًا وانتهز فرصة رسو السفينة في مارسيليا فنزل بها وذهب لمكتب الحزب الشيوعي الفرنسي لكن لم يستقبله المكتب أحسن استقبال فذهب لإيطاليا ومكث بها 3 أشهر  فاستطاع التسلل لفرنسي بجواز سفر نمساوي قامت زوجته روزيتا بتزويره ومكث بها طيلة حياته.(2)

الضباط الأحرار
الضباط الأحرار

مع وقوع حركة الجيش في 23 يوليو 1952م اتخذ هنري كورييل موقفًا مؤيدًا منها وهو في الخارج، لكنه سرعان مع اختلف معها بعد إعدام خميس والبقري، وبعدها أيد مصر في العدوان الثلاثي 1956م وأمدها بمعلومات عن المشاركة الفرنسية في العدوان، لكن سرعان ما ضربت الانقسامات الحركة الشيوعية أو بالأحرى جرى تمصيرها كون أن يهودية هنري كورييل وموقفه من القضية الفلسطينية صار نزنازًا.

إقرأ أيضا
الرئيس الأمريكي
ثورة الجزائر
ثورة الجزائر

من التناقضات أيضًا في مسيرة هنري كورييل هو دوره في دعم ثورة التحرير الجزائرية، فقد ساعدها في المال وقام بحماية رموز الحراك الجزائري المقيمين في فرنسا وتهريبيهم، بل وقام بدعوة مجموعة من جنود وضباط صف جيش فرنسا بترك الخدمة العسكرية والانضمام للثوار الجزائريين، ويكمن التناقض أيضًا أنه اقترح بأن تقوم إسرائيل بتزويد الجبهة بالسلاح كي تثبت للعرب أنها ليست حليفة للإمبريالية، كما أن دعمه للثورة الجزائرية كان على أمل أن تقوم الثورة بعد انتصارها بإبرام السلام مع إسرائيل على أساس أن الحكام الرجعيين هم الذي يقفون عقبة في طريق السلام.(3)

مقر السفارة الجزائرية بالقاهرة
مقر السفارة الجزائرية بالقاهرة

لا زالت بصمات هنري كورييل مع الجزائر قائمة حتى بعد موته، فقصره هو مقر السفارة الجزائرية في مصر، وكان قصره في الأساسي مملوكًا جان هوج المصرفي السويسري الذي كان مقيمًا في مصر، ثم تحولت لمدرسة للبنات، وبعدها اشتراها محمد سامح بك موسى عضو الحزب الشعبي، بعد ذلك تم تأجير القصر لحكومة فنزويلا في السبعينيات إلى أن صارت مقرًا للسفارة الجزائرية في مصر.(4)

خبر اغتيال هنري كورييل
خبر اغتيال هنري كورييل

ومثلما كانت التناقضات هي عنوان مسيرة هنري كورييل فإن نهايته كانت متناقضة في تحديد ماهية قاتليه، ففي 4 مايو 1978م تم اغتياله أثناء خروجه من أسانسير منزله إذ كان سيذهب لدرس اليوجا ثم يلتقي رجلاً اسمه الكودي (الدكتور) وقيل فيما بعد أنه عصام السرطاوي مستشار الشئون الخارجية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وحتى الآن ليس معروفًا من الذي قتله رغم أن نجله آلان جريش يرى أن المخابرات الفرنسية هي المسؤولة عن الاغتيال لأنها سهلت العملية بسبب دعم كورييل لثورة الجزائر وهو الشيء الذي لم تنساه له فرنسا.


(1)  وثائقي هنري كورييل، قناة الجزيرة، إنتاج 2007م.
(2)  رؤوف عباس، أوراق هنري كورييل والحركة الشيوعية المصرية، ترجمة:- عزة رياض، ط/1، سينا للنشر، القاهرة، 1988م، ص47.
(3)  راجي مهدي، عن هنري كورييل: حكاية «الرفيق يونس»، موقع اضاءات، 16 مايو 2023م
(4)  ميشيل حنا، فيلا «هوج» بالزمالك.. 110 عامًا على حافة نهر النيل، موقع منطقتي، 20 سبتمبر 2018م.

الكاتب

  • هنري كوريل وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان