همتك نعدل الكفة
1٬049   مشاهدة  

وزارة الري في مصر قبل 1000 سنة (2-2) الأسبلة وفلسفة الصحة قبل الزخرفة

الأسبلة
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



تطرقنا فيما سبق إلى آلية نقل المياه من النيل إلى المحروسة عبر نظام السقائيين والذي كان دقيقًا ومنظمًا، ليجيء بعده دور الأسبلة التي لم تختلف في دقتها عن وسيلة السقاية.

عندما تكون روح التضامن الأجماعي وجدانية وملهمة للأشكال الوزارية

سبيل
سبيل

كانت طائفة السقائيين تعمل لخدمة القادرين على ثمن أجرة المياه، فماذا يفعل الغير قادرين على ثمن المياه ؟، لتكون الإجابة في السبيل.

يقول الكاتب جمال الغيطاني في كتابة “قاهريات” أن الأسبلة بنيت في الأصل كعمل من أعمال الخير، ومن هذه الأسبلة كان الفقراء والغرباء يحصلون على حاجتهم من الماء، فشُيدت أسبلة المياه في ربوع مصر الإسلامية بكثرة، كنوع من أنواع الخير والتقرب إلى الله عن طريق سقيا الماء، وكدليل أيضا يرسم لنا ملامح تلك الفترة، التي نشطت فيها روح التكافل الاجتماعي من الأثرياء اتجاه الفقراء.

الباحث في فن معمار مصر الإسلامية يجد أن معظم شكل تصميم بنيان المدينة ينبع منها أشكال الرحمة، ومراعاة الظروف البيئية وقتها التي تنعكس على صحة الإنسان، فمثلاً الأسقف التى شيدت لتظلل الباعة في الأسواق من الشمس كانت من أوجه مراعاة الصحة.

أما الأسبلة فكانت من أبرز عناصر الرحمة، ولم يخفي الأوروبيين إعجابهم بتلك الفلسفة فمثلاً آدم فرانسوا جومار مهندس الأثار الفرنسي، الذي وضع الخريطة الطبوغرافية للقاهرة، عندما رافق الحملة الفرنسية على مصر قال “إن هذه الأسبلة كانت كبيرة النفع وعددها كبير، وأن روح الخير أكثر إنتشاراً في الشرق”، كذلك فأحد الرحالة الأوربيين بعد أن رأى هذا العدد من الأسبلة في القاهرة ” إن ما نراه من الأسبلة الكثيرة في أي مدينة إسلامية دليل على سمو خلق أهل هذه المدينة”.

الصحة قبل زخرفة المعمار

الأسبلة
الأسبلة

وثائق الأوقاف نصت على أن يكون ماء الأسبلة عذبًا ومن النيل، وأن يتوفر الماء طوال العام صيفاً وشتاءًا، وأسندت مهمة تزويد السبيل بالمياه ومباشرة شئونه لـ “المزملاتي”.

كانت مهنة المزملاتي سهلة لكن لها شروط متعددة، منها أن يكون المزملاتي نظيفاً، جميل الهيئة، سليم البدن من العلل والأمراض المعدية، خال من العاهات، ثقة، لين الطبع يعامل الناس بالحسنى والرفق، وكل ذلك من باب إدخال الراحة على الواردين وقاصدين السبيل، ومن مظاهر إتقان العمل والأحسان، الحرص على نظافة السبيل، والعناية بالأدوات اللازمة له، مثل الكيزان، وأوعية الشرب، وأدوات التنظيف.

اقرأ أيضًا
صور: “الحمارة” طائفة مصرية قضى عليها “عفريت” السكة الحديد

ومثلما كان المزملاتي يعطي عناية بتسبيل المياه كان يحيط الأدوات المستخدمة داخل السبيل بنفس العناية مثل ليف التنظيم والمكانس ودلاء الجلد وأواني الشرب والأسطال النحاسية والأباريق وقلل الفخار والسفنج وفوط المسح؛ وكل هذه الأدوات كان لها ركن ومكان خاصة بها عُرِف باسم الخوستان أو الخرستان والتي تعني بالعربية الخزانة الخشبية.

كذلك تزويد الأسبلة بالمياه يتم طوال ساعات النهار، وفي شهر رمضان يتغير النظام، فـ تسبيل المياه يبدأ بعد الغروب إلى ما بعد صلاة التراويح، وعند حلول الليل، كان المزملاتي يملأ وعاء بالماء وبجواره كوز، ويتركه أمام السبيل، حتى إذا احتاج أحد المارة الماء في أي ساعة من الليل للشرب يجدها.

لم تكن العناية قائمة على توفير الماء العذب للناس فقط، من أشكال الرحمة أن تلك العناية شملت الدواب أيضاً، أشتهر في العصر المملوكي بكثرت أحواض الحيوانات، لينتفع به في سقى الدواب.

متى بالتحديد بدأ تشييد الأسبلة ؟

المترددين على السبيل
المترددين على السبيل

لا توجد أي مصادر تاريخية تشير إلى وجود الأسبلة قبل العصر المملوكي، إنما يحدثنا المقريزي في خططه عن “بئر الوطاويط” الذي أنشأه الوزير أبو الفضل بن جعفر بن الفرات في العصر الأخشيدي، بهدف نقل الماء منه إلى السبع سقايات التي أنشأها ليشرب منها الناس، وتاريخ تلك البئر يرجع إلى 355هـ، وهذا دليل على أن الأسبلة في هذه الحقبة أنشئت لغرض السقيا ولكن بإمكانيات بدائية.

إقرأ أيضا
جامع سنان في باب الجابية

وفي الدولة الطولنية قام أحمد بن طولون بأنشاء بما عرف بقناطر بن طولون، بهدف السبيل أيضًا، وأما في العصر الفاطمي جرى إنشاء العديد من الآبار والأحواض، واستمر بعدها بناء الصهاريج في المساجد والخانقاوات، وكانت بمثابة الأساس الذي قامت علية الأسبلة فيما بعد.

ووصولاً إلى العصر المملوكي والعثماني تم الأسبلة وكثرت بالشكل والطراز الموجود إلى الأن، ويلاحظ التنافس في المعمار بين طراز الأسبلة المصري الأصيل كما عرف في العصر المملوكي،وطراز الأسبلة العثمانية الدخيلة، ويقول الغيطاني أن الطرازالمصري هو الغالب، وكان وقف للأنتفاع به في تسبيل الماء على المارة في الطريق، وكانت المماليك هم من أهتم ببناءها، وأعطوها عنايتهم، وأعنوا عليها الاوقاف الواسعة.

لماذا الأسبلة العثمانية كانت سيئة ؟

سبيل خسرو
سبيل خسرو

تشوه الشكل الخارجي للسبيل بعد دخول العثمانيين عام 1517 وفي ذلك قال جمال الغيطاني “عام الانكسارة العظمى (يقصد عام دخول العثمانيين إلى مصر) والمصيبة التي طمت والكارثة التي حلت، استمر بناء الأسبلة لأنها ضرورة لاستمرار الحياة في المدينة، ونلاحظ أنه لحق بعمارتها بعض التغير، كان السبيل في العصر المملوكي ملحقا بالمسجد أو يشغل ركنا منه، في العصر العثماني استقل، أصبح وحدة معمارية منفصلة،مستقلة، في البداية كان مربع الواجهة، تزينه نوافذ نحاسية جميلة، يمكن للمار أن يمد يده من خلالها ليشرب الماء من الحوض الرخامي الناصع البياض الذي يلي النافذة، وكان الصهريج الذي يتم تخزين المياه فيه يوضع في مستوى أقل من مستوى الأرض”.

ويتابع الغيطاني كلامه “وفوق الجزء الأوسط المخصص لتقديم مياه الشرب يقع الكتاب، ويتم الصعود إليه بواسطة سلم يؤدي إلى غرفة الدراسة الرحبة والمحاطة بشرفة تتيح تجدد الهواء، أقيمت فيها العمد، تتوسطها قطع من المشربيات الخشبية الأنيقة، وتحت الأعمدة توجد الكوابيل الخشبية المزخرفة، ومثل هذه الأسبلة يمكننا أن نراها في الشام، واستامبول، أقدم سبيل عثماني وصل إلينا، سبيل وكتاب خسرو باشا بالنحاسين”.

الكاتب

  • الأسبلة وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان