الحلقة السابعة من مسلسل موسى “تفاصيل 4 مشاهد تاريخية أثبتت مهارة كل صناع العمل”

وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال

شهدت الحلقة السابعة من مسلسل موسى تصوير مشهدًا هو من أحد أقوى مشاهد العمل حتى الآن وكان نقطة تحول للجميع في الحبكة الدرامية وهو مشهد الفيضان الذي أهلك مصاخة وأهلها إلا قليلاً.

مشاهد الفيضان ونجاح المخرج محمد سلامة في تفادي لعنة يوسف شاهين

قبل سنة 2021 لم يستطع أحد أن يجسد فيضان النيل بدقة ومهارة غير المخرج يوسف شاهين في فيلم ابن النيل سنة 1951 م، وكان تصويره صعبًا لكن الظروف تمهد الإخراج، فقبل إخراج الفيلم بـ 5 بسنوات ضرب الفيضان مصر وكانت بقاياه لا زالت موجودة.

لكن الحلقة السابعة من مسلسل موسى تفوقت على مشاهد فيلم ابن النيل لأكثر من سبب، أولها أن الواقعة حدثت ليلاً وإبراز التفاصيل التي فوق الماء وتحتها كانت النقطة اللافتة في المشاهد.

تبدأ مشاهد الفيضان بمشهد (القدوم) وقد راعى طاقم العمل إبراز البيوت الفقيرة بإضاءة الفوانيس عند بعضها في لوحة أشبه ما تكون بطوفان نوح، كون أن الفيضان جاء بلا مقدمات، ولوحظ في هذا المشهد أن النخل العالي لم يتحرك لأن منسوب الفيضان لم يكن عنيفًا في البداية.

كانت ثاني مراحل مشاهد الفيضان هو مشهد (اختراق البيوت) من الداخل، وكان حضور التفاصيل طاغيًا، بين عامل في الدكان وشخص نائم لا يشعر، والتركيز على الهلع كان أقوى، لأنه لأول مرة يتم تصوير الفيضان بهذه الدقة.

قمة توهج مشاهد الفيضان كانت مشاهد التصوير تحت الماء، إذ لم يحدث استسهال في إظهار الأشياء التي تحت الماء، ففي الأصل أن ما تحت الماء مدينة غارقة كانت على مدار الحلقات الستة الماضية مدينة نابضة، بالتالي فإن الفوضى المنظمة التي ظهرت في مشاهد تحت الماء وتمثلت في القُلَل والأعشاب وأثاث البيوت وأسقفها كل هذا جعل هناك تصديق بالحالة وكأنه فيضان حقيقي.

فريق الإضاءة على وجه التحديد يستحق الإشادة في مشهد الفيضان، ففي الأساس القرية قائمة على ضوء الفوانيس ولا توجد كهرباء أصلاً فيها، ومع ذلك لم يشعر المشاهد بالظلام الموجود.

خبر حول جريمة وقعت أيام الفيضان - يوم 8 سبتمبر 1946 م — خبر حول جريمة وقعت أيام الفيضان – يوم 8 سبتمبر 1946 م

لقطة أخرى قد تكون غير مفهوم بالنسبة للمشاهد وهي لقطة إنقاذ محمد رمضان للطفلة الصغيرة التي حاول الرجل أن يأخذ مكانها ثم يخطفها، واقعيًا فإن أيام الفيضان وقعت جرائم أبشع منها مثلاً أن رجلاً في مدينة إسنا ذهب لمنزله ذهب لمنزله بعد نهاية فيضان 46 بأيام ولم يجد زوجته بالداخل وكانت عند الجيران ترقص في فرح، فذهب إلى هناك وقتل شخصًا.

حالة ما بعد الكارثة هي أصعب شيء في العمل على مستوى الإضاءة والتمثيل خاصة مع ندب الممثلة ماجدة منير على موت نجاة، وحالة الصدمة التي فيها والدها والانهيار الذي به موسى، لكن هناك تفصيلة تستحق التقدير وهو في لقطة الحجر الذي ضرب به موسى الحائط، إذ ظهر الحائط أنه في انهيار رغم أنه جدار سقف بيت، وتلك تفصيلة صغيرة لو كان صناع العمل أغفلوها لكان المشهد غير منطقي لأن البيوت بالطوب اللبن.

مشاهد التهجير في الحلقة السابعة من مسلسل موسى .. تفاصيل الدقة بين التاريخ والمسلسل

يمثل مشهد ظهور الأهرامات بعد الفيضان واحدًا من أقوى مشاهد التهجير في الحلقة السابعة من مسلسل موسى، لسبب واحد وهو مراعاة الدقة في ديكور المنطقة.

تصوير الأهرامات وقت الفيضان في عمل فني يمثل فخًا لأي مخرج وكماشة لأي مهندس ديكور، وذلك لأن الصور النادرة للأهرامات وقت الفيضان مشهورة ومعروفة على جوجل.

الفخ الذي لم يقع فيه مخرج مسلسل موسى ولا طاقم فريق الديكور هو عدم الاستعانة بـ (أي) صور من جوجل وإنما التركيز على تواريخ الصور، فأشهر صور الفيضانات عند الأهرامات هي صورة الفترة 1890 و 1930 م ووقتها لم تكن منطقة الجيزة قد شُغَلَت بالبيوت ولا الزراعة.

يمكن التعرف على شكل الأهرامات وقت الفيضانات في الأربعينيات من خلال الأرشيف البريطاني ومكتبة الكونجرس، وسنجد صورة طبق الأصل بين ما في الحلقة السابعة من مسلسل موسى وبين ما جرى في أربعينيات القرن الماضي.

كان ذكاءًا من المؤلف ناصر عبدالرحمن أن يضيف شخصية زكريا بأبعادها النفسية، فليلاً صار بلا أم، وفجرًا كان يكره البحر، وصباحًا وجد في أم موسى أمًّا، وقبيل الظهيرة انبهر بأهرامات الجيزة، وكان هذا وصفًا سيكولوجيًا لأهالي الصعيد الذين هُجِّروا من الفيضانات وتناولتهم مجلة الرسالة وجريدة البلاغ.

التركيز على لفظ «شهيد» يمثل هو الآخر نوعًا من الدقة وذلك لأن الغريق شهيد بنص الحديث النبوي الشريف «الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله متفق عليه».

شكل آخر من أشكال مراعاة التفصيل التاريخية خلال مشهد التهجير وهو الشخص الذي يحمل العصا ويتعامل مع الناس كأنهم عبيد وهو يقول لهم «هِمّ .. هِمّ» ويتعامل بعنجهية مع الناس المهجرين.

إقرأ أيضا

قصف اليمن .. خيارات بايدن الفقيرة في البحر الأحمر

في الأساس فإن هذا الشخص اسمه في التاريخ غفير جسر النيل وكانت مهمته هو تنظيم مرور الناس من على جسور النيل وقت الفيضان، فضلاً عن معاونة مهندسين الري في وزارة الأشغال، وكانت مهنة الغفير مهمة للغاية بدليل هذه الوثيقة التي يعود تاريخها ليوم 28 يونيو 1887 م.

مشهد الأرمنية وتلاقي الحضارتين

يمثل مشهد الفتاة الأرمينية فانيا أول شكل من أشكال تلاقي الحضارات، فالحضارة الأرمينية من خلال الأغنية الأرمينية والرد عليها بجملة «أنا بعرف أبو زيد الهلالي» إشارةً إلى ذلك.

المدخل بالأغنية يبدو غير منطقي لفتاة تحمل ذكريات أرمينية دموية، لكن هذا سر تميز الحوار، فالمجازر العثمانية والتركية الجمهورية ضد الأرمن حفظتها الأغاني التركية ولعل أبرز هؤلاء الشاعر صباح الدين علي قصيدة Eşkıya Dünyaya Hükümdar Olmaz ترجمتها قاطع الطريق لن يصبح حاكم هذا العالم وتحولت إلى مسلسل بنفس الإسم، تكلم فيها عن نفسه وهو في سجن سينوب ووصف مصطفى كمال أتاتورك بالإيشكيا “قاطع الطريق”، ثم ألمح إلى العثمانيين بنفس الصفات.

مجازر العثمانيين بحق الأرمن تمت قبل الحرب العالمية الأولى وتحديدًا في زمن عبدالحميد الثاني لكنها زادت برعاية جمعية الاتحاد والترقي خلال الحرب العالمية الأولى فسقوط روسيا القيصرية في الحرب العالمية الأولى وقيام الثورة الشيوعية التي أعلنت ميلاد الاتحاد السوفييتي كان بمثابة قبلة الحياة للأرمن إذ أن دولة القيصر لم تكن تعطي الأمان للأرمن لكن مع الشيوعيين فالأمر مختلف، فلجأ العثمانيين للإبادة الجماعية.

مشهد مصنع العطور في الحلقة السابعة من مسلسل موسى