بين واقع نقل الكباش وزمن إنقاذ أبو سمبل “المقارنة لا تجوز”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
جمعت الصدفة القدرية بين واقعة نقل الكباش الأربعة إلى ميدان التحرير وبين ملحمة إنقاذ معابد أبو سمبل، فالحدث الأخير تم تنفيذه في عصر جمال عبدالناصر عام 1964 م بسبب مشروع السد العالي الذي بدأ بناءه يوم 9 يناير 1960 م، بينما نقل الكباش تم في 9 يناير 2020 م.
اقرأ أيضًا
رحلة الروح تبدأ من أبيدوس.. عندما أديت حج الديانة المصرية القديمة
استدعت تلك الصدفة القدرية البعض ليقوموا بالمقارنة بين الحدثين، لكن قراءة تفاصيل واقعتي النقل يفصح عن الهوة بينهما في التشابه.
نقل الكباش .. أمر واقع رغم البدائل
سببت عملية نقل الكباش من معبد الكرنك إلى ميدان التحرير جدلاً واسعًا خلال الأيام القليلة الماضية، خاصةً مع اتساع دائرة الرفض للفكرة، إذ أن هناك أسباب متعددة لفكرة نقل الكباش، من ضمنها السبب القانوني إذ أن العملية تخالف البند 7 من وثيقة التراث العالمي التي أقرها اليونسكو في عام 1974 ووقعت مصر عليها والتي تنص على عدم نقل الأثر من موقعه الأصلي.
من الناحية الهندسية فإن هيئة تماثيل الكباش الصحيحة تكون بأسلوب متوازي وليس في شكل دائري حول المسلة، كذلك فإن التماثيل من الحجر الرملي وستنتقل إلى بيئة عالية الرطوبة مع عنصر أول وثاني أكسيد الكربون وهذا سيؤثر سلبًا على التماثيل؛ مع تكهنات بتكرار سيناريو نقل رمسيس من ميدانه إلى المتحف بعد تعرضه لنفس العوامل التي ستتعرض لها الكباش.
اقرأ أيضًا
عبدوه ليأمنوا شره.. رحلة “الإله سوبك”
على المستوى الرسمي فإن وزارة الآثار نفت في بيانٍ رسمي، أن تكون عملية نقل الكباش تشمل التماثيل المتراصة على جانبي الطريق المؤدي إلى معبد الكرنك، وإنما هي تماثيل موجودة في الجهة الخلفية من مقدمة المعبد وراء مباني الطوب اللبن التي بناها المصري القديم أثناء أعمال بناء المعبد وتركها.
نوستالجيا معبد أبو سمبل
استدعت فكرة نقل الكباش الأربعة روح ملحمة نقل معابد أبو سمبل، لكن هناك ثمة اختلافات بين الحدثين، إذ أن ما جرى في 2020 ليس له صلة بملحة المرحلة الستيناتية، فنقل معابد أبو سمبل كان مشروع قومي دولي من أجل مشروع السد العالي.
يشير ثروت عكاشة في مذكراته التي حملت عنوان «مذكراتي في السياسة والثقافة»، أن مشروع السد العالي كان حلمًا قوميًا وثمنه ضياع معابد أبو سمبل والنوبة فوجهت مصر نداءات دولة لإنقاذ المعابد الأثرية فشارك نحو 250 عالمًا من 50 دولة لإتمام العملية وإنقاذ المعبد الذي ستغمره مياه بحيرة ناصر خلال أشهر.
كانت مهمة إنقاذ معابد أبو سمبل مستحيلة، فالواجهة الرئيسية للصرح تبلغ في الارتفاع 33 متر، وتتكون من مدخل خلفي يحوي على غرف وأروقة في وسطها قدس الأقداس بتماثيله الأربعة التي تتعامد الشمس على 3 منها.
ظهرت عدة أطروحات من أجل إنقاذ المعابد كان أولها إغراقها بعد بناء حوض مائي ضخم يحيط بها وأعلاها قبة، فيما تقوم المضخات المائية بتصفية نهر النيل من الوحول من أجل رؤية المعابد بينما تقوم غرف المراقبة بالسماح للمشاهدين من أعلى أن يروا المعابد وستقوم المصاعد بنقلهم لتحت الماء؛ لكن تلك الأطروحة تم رفضها لأن مستقبلاً ستقوم المياه بأكل أحجار المعبد مما سيؤدي لانهياره.
جاء اقتراح نقل معبد أبو سمبل مرة واحدة بإزالة الأجزاء المحيطة به لتحريره من الجبل ووضع 150 رافعة تحته وتقوم برفع ربع مليون طن حجر في كل مرة، وحين يصل المعبد لمستواه الأول يتم استبادلها بأعمدة إسمنت، لكن رُفِض هذا الاقتراح لضخامة حجم المعبد.
أما الاقتراح الثالث فكان إحاطة المعبد بمركب من الأسمنت المقوى ويستخدمون ارتفاع منسوب المياه لصالحهم لكن تلك العملية رفِضَت لأنها ستستغرق 6 سنوات.
استقر الخبراء على الاقتراح الرابع وهي تفكيك المعابد إلى أجزاء صغيرة تمهيدًا لنقلها ونفذ هذا فريق دولي من 2000 مهندس ومقاول من السويد وإيطاليا وألمانيا ومصر، بتكلفة مالية إجمالية قدرها 40 مليون دولار وانتهت العملية سنة 1968 م ليتم افتتاحه في موقعه الحالي سنة 1970 م.
زمان بعيون دلوقتي
من الصعب للغاية مقارنة مسألة نقل كباش الكرنك بعملية إنقاذ معابد أبو سمبل، وإن كان في العصر الحالي هناك اهتمام أثري لكن أجواء ملحمة الستينيات كانت مختلفة من حيث الروح والخبرة والغاية أيضًا.
بدائل أخرى لعملية نقل الكباش كانت مقترحة على رأسها أن يتم عمل مسابقة لطلاب كلية الفنون الجميلة لتصميم أفضل تماثيل مستنسخة يمكن وضعها في ميدان التحرير، خاصةً وأن هذا شيء متعارف على مستوى العالم.
من المؤكد أن وجود الكباش في التحرير صار أمرًا واقعًا، لكن الشيء اليقيني هي أنها لن تضيف بريقًا للميدان والعكس كذلك، وربما سينتهي حالها مثل حال تمثال رمسيس وهو النقل للمتحف الكبير خوفًا عليها.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال