همتك نعدل الكفة
1٬617   مشاهدة  

“التاريخ المنسي” تفاصيل الخطة التي كانت ستنقذ مصر من كوليرا 1947 ولم تنفذ

كوليرا 1947
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



اكتسبت مصر ثقلاً كبيرًا من الخبرة الكارثية لم تنفعها في كوليرا 1947 وتبدو هذه نقطة لافتة، فالوباء نفسه متكرر بنفس الظروف وعوامل الانتشار ومع ذلك كان فالنتيجة كانت واحدة.

اقرأ أيضًا 
“تاريخ الكوليرا في مصر” إحصاء المواقع غير صحيح وهذه حكاية كل وباء

عمليًا فإن مصر كانت مهيئة لموجة كوليرا 1947 لكن في نفس الوقت فإن ظروفها تسمح بمجابهة هذا الوباء الفتاك، فالتطور الطبي كان لافتًا وثقافة التعامل مع الأزمة كانت منتشرة، والمفاجأة أن هناك خطة وُضِعَت لمواجهة الوباء ومع ذلك فلم يتم تنفيذها.

لماذا لم تنفذ خطة الانقاذ ؟

النقراشي - خبر كوليرا 1947 - نجيب اسكندر وزير الصحة
النقراشي – خبر كوليرا 1947 – نجيب اسكندر وزير الصحة

سببان رئيسان كانا وراء عدم تنفيذ خطة الإنقاذ، كان أحدهما متمثلاً في الاحتلال البريطاني نفسه، والآخر يتعلق بطريقة تعامل الحكومة المصرية التي يترأسها محمود فهمي النقراشي وفيها نجيب إسكندر وزيرًا للصحة، حيث وقعا في أخطاء كارثية ناجمة عن عدم التعرف على الفرق التاريخي الكبير بين ما فعلته الحكومة المصرية وبين ما يجب عليها فعله.

عبر موقع الميزان سنفرد لاحقًا تقريرين حول مسؤولية الاحتلال البريطاني عن عدم تنفيذ خطة الإنقاذ، وأخطاء الحكومة المصرية في التعامل مع موجة الكوليرا 1947، لكن في هذا التقرير سنتكلم عن تفاصيل الخطة.

اقرأ أيضًا 
تاريخ العزل الصحي في مصر “قصة الطور الذي جعلنا نبهر العالم من 165 عامًا”

يشير الدكتور عبدالشافي محمد في مشروعه «مكافحة الكوليرا» المنشور عام 1947 على صفحات المجلة الطبية المصرية أن عددًا كبيرًا من الأطباء وذوي الخبرة وضعوا عدة مشاريع لمكافحة الوباء، وقد أرسلت هذه المشاريع إلى وزير الصحة لعرضها على المجلس الاستشاري الصحي الأعلى للكوليرا.

ويعقب الدكتور صلاح السيد عبدالعال علام على تلك المشاريع بقوله خلال توثيقه عن وباء الكوليرا بمصر قائلاً «لو تم تطبيق ما ورد في هذه المشاريع تطبيقًا صحيحًا لما كان هناك تقصير أو ثغرات فيما قامت به الحكومة من تدابير واحتياطات، ولما انتشر الوباء بصورته التي شاهدناها».

تفاصيل خطة إنقاذ مصر من موجة كوليرا 1947

من أخبار مصر قبل تفشي الكوليرا سنة 1947 م
من أخبار مصر قبل تفشي الكوليرا سنة 1947 م

قامت خطة إنقاذ مصر من موجة كوليرا 1947 على أساس إيجاد كافة التدابير والاحتياطات الواجب على الحكومة القيام بها من أجل المكافحة، وذلك عبر 10 أُطر إدارية وصحية.

كان الإطار الأول أن يتم تقسيم الأقاليم الموبوءة إلى خمس مناطق أولها منطقة شرق الدلتا وتشمل «الشرقية، الدقهلية، القليوبية، القناة، ودمياط» أما ثاني تلك المناطق فهي وسط الدلتا وتشمل «الغربية والمنوفية»، بينما ثالث تلك المناطق لغرب الدلتا وتشمل «الإسكندرية البحيرة» فيما تكون المنطقة الرابعة للعاصمة وضواحيها، بينما المنطقة الخامسة للجيزة وبني سويف كقاعدة لرعاية الوجه القبلي.

أما الإطار الثاني تمثل في تخصيص كيان باسم «مجلس عام المكافحة» يكون داخل كل منطقة ويتفرع منه لجنة لكل مركز ويتكون من هيكل طبي عبارة عن «مفتش صحة عام، ضابط من وزارة الداخلية، كبار الشخصيات في المنطقة» ويكون مجلس عام المكافحة تحت إشراف المجلس الأعلى للمكافحة والذي يرأسه رئيس الوزراء أو وزير الصحة.

مستشفى الإسكندرية للعزل من الكوليرا
مستشفى الإسكندرية للعزل من الكوليرا

فيما جاء الإطار الثالث قائمًا على تقسيم سكان القطر في المدن والقرى إلى مجموعات تشمل كل مجموعة منها
400 فرد من السكان ويخصص لكل مجموعة واحد من المراقبين الصحيين، ولكل عدد من هذه المجموعات يشمل 100 أي لكل 140 ألف من السكان معزل صحي مجهز بكافة الاستعدادات والممرضات، ويشرف على المفتشين حاكم عسكري طبي، ويشرف على الجميع حاكم عسكري طبي أعلى ومجلس طبي أعلى من الأخصائيين المصريين في الصحة العامة والبكتريولوجيين، ويكون من عمل الحاكم العسكري الأعلى والحكام الطبيين العسكريين في الأقاليم توقيع الجزاءات الصارمة من حبس وغرامة على كل من يخالف الأوامر الصحية.

أما الإطار الرابع فكان متعلقًا بتحديد مهام المراقبين الصحيين والأطباء، فأما مهام المراقبين الصحيين فمن من أولوياتها الإشراف على 400 شخص في مأكلهم ومشربهم وملبسهم ومسكنهم وهؤلاء المراقبون يجندون من طلبة المدارس العليا والجامعات والأزهر وجميع المدرسين والمدرسات بالإضافة إلى جميع الأطباء في القطر والممرضات والمتطوعين من المتعلمين والجمعيات الخيرية والشبان من الموظفين بالمصالح الحكومية.

وتنحصر أعمال هؤلاء المتطوعين أن يعمل كل واحد منهم في بلده أو أقرب مكان من مقر عمله ويعاونهم في القرى العمد والمشايخ والأعيان والخفراء، وتتمثل أعمالهم في الإشراف على نظافة المنازل والحارات والشوارع التي في منطقته ، وإزالة القمامة ، والإشراف على جميع محال الأكل في مجموعته والتأكد من سلامة الأطعمة وعدم تعرضها للعدوى ، والتصريح بالسفر لمن يرغب في السفر من سكان مجموعته بشرط أن يكون سليما ومطعما .

بينما مهام الطبيب هي «أخذ المعلومات مرتين في اليوم من جميع المراقبين الصحيين في دائرته لتبليغها للجنة المركزية، عزل كل حالة اشتباه بمجرد التبليغ عنها وذلك لعدم انتشار العدوى، عزل جميع المخالطين بالمعزل وتطهير منازلهم، العمل على تطعيم كل من لم يطعم في دائرته، مراقبة المخالطين في المعزل، العمل على إزالة أسباب الشكوى التي تقدم إليه من المراقبين، مراقبة دورات المياه في المساجد في دائرته، وغلق كل دورة يشك في صلاحيتها».

إقرأ أيضا
بركياروق والحشاشين
الجيش المصري سنة 1947 م
الجيش المصري سنة 1947 م

وجاء الإطار الخامس متمثلاً في محاصرة المناطق الموبوءة وجعل أكثر من خط عسكري للدفاع بدلا من خط واحد، وأيضا وضع حصار قوي بين مديريات بني سويف والمنيا، بحيث لا يتسرب المرض من مديرية بني سويف عن طريق المرضى أو المخالطين إلى الفيوم والمنيا وباقي المديريات، ولا يصرح بالسفر من بني سويف إلا إذا أبرز شهادة تطعيم ، ووضع تحت المراقبة لمدة ستة أيام.

أما الإطار السادس فحدد آليات فرض جزاءات صارمة على كل من يهمل في تأدية الواجب الملقى عليه من أطباء ومراقبين وموظفين وأهالي، وتكون هذه الجزاءات سريعة التنفيذ، وتعلن في الصحف مع إعلان الأحكام العرفية في جميع أنحاء البلاد لكي يستطاع تنفيذ الإجراءات السريعة بكل حزم ودقة.

فيما حدد الإطار السابع مهام المسائل المالية فالحكومة لا يمكنها القيام بمصاريف المكافحة، وما يتصل بها من المساعدات الضرورية للأهالي والعمل على راحة المخالطين والمرضى، فمن الواجب جمع تبرعات مالية من الأعيان والتجار ورجال المال في كل منطقة بواسطة رجال المكافحة في المنطقة، ويصرف من هذه التبرعات على إقامة المعازل الصحية وشراء الأدوية وتقديم مكافآت للمراقبين الصحيين وتقديم الغذاء والكساء للمرضى والمخالطين ، شراء الأكفان للموتى ودفنهم ، وإنشاء المقابر اللازمة.

أما الإطار الثامن فكان وقاية الترع والمجاري المائية من التلوث يعين لكل قرية مورد أو أكثر للمياه على أقرب ترعة لهم ، على أن يعين لكل مورد مراقب صحي يشرف على نظافته وعلى عدم تلوثه ، ويحرم على الأهالي غسل الملابس في هذا المورد وإلقاء القاذورات فيه أو الوضوء منه.

مبنى وزارة الصحة سنة 1947 م
مبنى وزارة الصحة سنة 1947 م

وجاءت تفاصيل الإجراءات الوقائية ضمن الإطار التاسع واهتمت بسكان القاهرة، واشتملت تلك الإجراءات على الآتي «تشجيع من لا ضرورة لبقائهم في القاهرة من السكان على السفر إلى الصعيد لأنه غير ملوث، الحذر من دخول الخضر والفاكهة والألبان لأنها من أهم عوامل نقل العدوى، مضاعفة عدد الكناسين بحيث تنظف جميع أحياء القاهرة ثلاث أو أربع مرات في اليوم، وتنقل القمامة في الحال إلى عربات محكمة القفل إلى خارج القاهرة، منع البائعين الجائلين من عرض بضاعتهم وتعوضهم الحكومة عن سلعهم، لا تترك الحكومة المطاعم العامة تفتح أبوابها طوال اليوم ، ويشرف عليها
المراقبون الصحيون، عمل إشراف صحي دقيق على المراحيض العامة ودورات مياه المساجد بحيث تطهر وتنظف بالفنيك، تعمل الحكومة على تطعيم جميع السكان بطرق منظمة إجباريا بحيث يصلالطعم إلى كل فرد، والوقاية في المدن صورة مصغرة لما يتخذ في وقاية القاهرة، ولوقاية القرى يطبق فيها ما يمكن تطبيقه مما اتبع في وقاية المدن كالتطعيم الإجباري ، وفرق المراقبة الصحية ، وفرق النظافة».

عقاقير الكوليرا
عقاقير الكوليرا

أما الإطار العاشر فكان متعلقًا بالتطعيم وكانت الطريقة المثلى هي: أن تنشئ الحكومة مراكز عديدة في جميع أنحاء القطر لتطعيم السكان تطعيما إجباريا سريعا وترصد أسماءهم وعناوينهم في قوائم ترسل يوميا إلى الإدارة العامة لعملية التطعيم بعكس توزيعه على الأهالي الذين يسيئون استعماله وتخزينه، وأيضا الأغنياء وأصحاب النفوذ ، وكذلك أن يعطى الطعم على مرتين بينهما أسبوع ، أما من جهة تحضير اللقاح فيجب تجنيد جميع المعامل البكتريولوجية لتحضيره دون الاعتماد على الاستيراد من الخارج، وعدم حصر تحضيره في مصر في معمل المصل واللقاح الحكومي بالعجوزة، ومن أمثلة تلك المعامل، معامل وزارة الصحة الأقليمية، معمل السجون، معامل الجيش، ومعامل كليات الطب.

الكاتب

  • كوليرا 1947 وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
3
أحزنني
0
أعجبني
3
أغضبني
0
هاهاها
1
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان