قصة تطور تاريخ الترجمة في عصر محمد علي باشا
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
ثَمَّن رفاعة رافع الطهطاوي حركة الترجمة في عصر محمد علي باشا فقال «لم يكن للمرحوم محمد علي من المحاسن إلا تجديد المخالطات المصرية مع الدول الأجنبية بعد أن ضعفت الأمة المصرية بانقطاعها المدد المديدة و السنين العديدة لكفاه ذلك، فقد أذهب عنها داء الوحشة والانفراد، واكتساب السبق في ميدان التقدمية فما أحسن بنتيجة الدواء الشافي، والعلاج المعافي إلا في هذه الأيام الأخيرة».(1)
لماذا اعتمد محمد علي على الترجمة
يرجع بدء الاهتمام بالترجمة في مصر إلى نهاية القرن الثامن عشر مع قدوم الحملة الفرنسية إلى مصر 1798م وإن البداية الحقيقية لحركة الترجمة في مصر مع العصر الحديث ترجع إلى عهد محمد علي وكان واليا على مصر وهي تعتبر أكبر نهضة للترجمة بعد حركتها أيام المأمون و المتوكل و حركتها في الأندلس.
اقرأ أيضًا
كم كان راتب دكتورة النسا والتوليد في كلية الطب زمن محمد علي باشا ؟
لعل السبب في اتجاه محمد علي للعناية بالترجمة هو رغبته في الاستغناء عن الموظفين الأجانب الذين اضطر إلى استخدامهم في حكومته، لعدم وجود المصريين الذين يستطيعون أن يتفهموا رغبته في الاصلاح، ويقدروا حالة البلد، و يعرف ماهي نواحي الاصلاح التي يجب نقلها عن الغرب.
فكان لابد من أن ينقل إلى العربية أو التركية علوم الغرب و نظمه، وكل ما يلزمه لبناء دولته، فعمد بذلك إلى الكثير من الأجانب في مصر، و لكنهم كانوا متكاسلين في أداء ما يعهد إليهم بترجمته، و على الرغم من ذلك فقد ترجمت كتب كثيرة في مختلف العلوم والفنون، ثم عمد محمد علي إلى ارسال أبناء مصر إلى أوروبا، ليتخصص كلا منهم في علم أو فن من الفنون، فإذا ما أتقنوا دراسة ما أرسلوا من أجله عادوا إلى وطنهم، ليحلوا محل الأجانب في تخصصهم، و ليعلموا أبناء مصر ما تعلموه، و ليقوموا بترجمة الكتب في الفن الذي درسوه، فكان لابد من نقل تلك العلوم التي تعلمها رجال البعثات في أوروبا ليستطيع أهل البلاد دراستها بلغتهم، ومحمد علي لم يكن ليوليهم الأعمال المختلفة إلا حين يثق في مهارتهم و قدرتهم على ترجمة كتاب في تخصصهم، أو يجربهم فيما درسوه من علوم، حتى إذا أظهروا مهارة و كفاية استغنى عن خدمات الأجانب، و أحل محلهم أهل البلاد في وظائفهم.(2)
استعان محمد علي أول الأمر بالإيطاليين لوجود علاقات تجارية بين مصر و جمهوريات إيطاليا طوال العصور الوسطى، كما كان للإيطاليين جاليات كثيرة في ثغور مصر و الشام، كذلك كانت اللغة الإيطالية أكثر اللغات الأجنبية شيوعا، وكان الكثير منهم يعرف العربية لذلك كانت أولى بعثات محمد علي سنة 1809م و الثانية أيضا سنة 1813م إلى إيطاليا ومدنها المختلفة و ذلك لدراسة فن سبك الحروف و الطباعة، و منها استقدم المعلمين و الضباط المدربين للجيش، كما اشترى آلات الطباعة و الكتب التي أراد ترجمتها، ثم ما لبثت مصر أن تحولت من النقل عن الثقافة الإيطالية إلى النقل عن الفرنسية، إذ أن الإيطاليين الذين كان محمد يستخدمهم لم يكونوا دائما من خيرة الناس، كما إن مركز فرنسا الدولي الممتاز جعل محمد علي يتجه إليها و يشيح بوجهه عن الإيطاليين.
و لكن محمد علي سرعان ما أحس بفساد هذه الطريقة، فأمر بأن يتعلم الأطباء اللغة العربية تمهيدا للاستغناء عن المترجمين و لكنهم رفضوا ذلك، إلا أن كلوت بك بدأ خطوة أخرى كلف هيئة المترجمين في المدرسة بترجمة الكتب الطبية إلى العربية، و اشترك المترجمون في هذا العمل فترجموا أول ما ترجموه كتابا طبيا بعنوان “القول الصريح بعلم التشريح” من تأليف بایل Bayle مع اضافات كلوت بك، و قام بترجمة الكتاب يوحنا عنجورى، فطبع سنة 1248ھ/1832م كما عنيت مدرسة الطب بعض المحررين والمصححين من شيوخ الأزهر لعدم اتقان هؤلاء المترجمين للغة العربية، فأفادهم المشايخ بالمصطلحات الطبية الصحيحة التي كانوا على دراية بها من كتب العرب القديمة، كما استطاعوا تقويم أسلوب الترجمة العربي، وتصحيحه و البعد به عن الركاكة و العجمة وفي مدى خمس سنوات أصبح للطب بفضل هؤلاء وأولئك معجم يضم أكثر من ستة آلاف كلمة.
المراجع
(1) رفاعة رافع الطهطاوي، مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية، ط/2، مطبعة الرغائب، القاهرة، 1330هـ/1912م، ص248
(2) عبدلي سميرة ولحمر فاطمة الزهرة، تاريخ الترجمة في مصر في عهد الحملة الفرنسية (رسالة ماجستير)، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة تلمسان، 2011م/2012م، ص29
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال