حين اهتزت مصر من ليفربول في عصر محمد علي “السبب جد السلطان قابوس”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
تبدو معلومة غريبة أن سبب تردد اسم ليفربول في عصر محمد علي باشا داخل مصر كان أشهر من ذكرها الآن، فسبب شهرة الاسم يقترن بتألق اللاعب محمد صلاح في النادي الذي تأسس سنة 1882 م، لكن تاريخيًا فإن صلة ليفربول ومصر بدأت عام 1824 م.
ما قبل ليفربول في عصر محمد علي باشا
تأسست مدينة ليفربول على يد الملك جون شقيق ريتشارد قلب الأسد سنة 1207 م، والذي كان مفتونًا بالعمارة لدرجة جعلته هو نفسه المهندس الذي رسم خريطتها وقت الإنشاء.
كتب جيمس بيكتون في كتابه «النصب التذكارية ليفربول التاريخية والطوبوغرافية»، أن سبب اسم المدينة يرجع للبقعة التي تأسست عليها إذ كانت تشبه الإقامة على حمام سباحة فكان liver بمعنى المقيم و pool بمعنى حمام السباحة، ودفع موقعها 500 نبيل من نبلاء انجلترا أن يقيموا فيها.
ليفربول في عصر محمد علي باشا .. ما علاقة جد السلطان قابوس ؟
جاء اسم ليفربول في عصر محمد علي باشا وفي ذيله بدء العلاقات المصرية العمانية على يد السلطان سعيد بن سلطان «جد السلطان قابوس» بالتزامن مع ظروفٍ سياسيةٍ خارجيةٍ شهدتها مصر.
بعد نجاح محمد علي باشا في الإطاحة بالدولة السعودية الأولى عام 1818 م كان السلطان سعيد هو أول حاكم من شبه الجزيرة العربية يهنئ الباشا بهذا الانتصار، حتى جاء لقاءهما في العام 1824 م حين جاء بسفينته ليفربول لاحقًا إلى ميناء جدة ومعه الهدايا إلى الباشا.
اقرأ أيضًا
حكام اسمهم هيثم .. سلطان عمان الجديد ليس وحده
انبهر محمد علي باشا بالسفينة ليفربول إذ كان بها 74 مدفعًا وكان يطمح في بناء أسطول بحري يضم قطعًا حربيةً مثل تلك السفينة، ومن هنا بدأ التفاهم بين سعيد ومحمد علي باشا، والذي حدد سببه الرئيسي أليكسي فاسيليف في كتابه «تاريخ العربية السعودية»، أن السلطان سعيد كان مرحبًا بسقوط الوهابية لدرجة جعلته يعقد صفقة مع الباشا.
بعد سقوط الوهابية جرى تجهيز مشروع بين سلطان عمان ووالي مصر يقضي بأن تخضع البحرين ومنطقة الأحساء ـ شمال المملكة العربية السعودية الآن ـ تحت حكم سعيد في مقابل دفع خراج سنوي لخزانة مصر التي تحكم شبه الجزيرة، لكن شروط محمد علي باشا وانشغاله في الحرب ضد العثمانيين فضلاً عن موقف الإنجليز أجهضوا هذا الاتفاق.
اقرأ أيضًا
حبيبة الهنائي .. وجه قابوس القبيح
كان السلطان سعيد مفتونًا بوالي مصر وهو نفس الشعور من محمد علي باشا، فالسلطان العثماني بعث برسالة إلى محمد علي باشا طلب منه إرسال ضباط من المدفعية المصرية إلى عمان من أجل تعليمهم.
تأثر محمد علي باشا بالسفينة ليفربول جعله يطلب تأسيس سفينة مدنية تشبهها، ويدلل على ذلك رسالة وردت في كتاب وثائق البحرية المصرية في عصر محمد علي باشا لـ أنجلو ساماركو، إذ أن القنصل فانتوتسي أرسل إلى وزير الشئون الخارجية في نابولي بإيطاليا رسالة يوم 3 سبتمبر 1837 م قال فيها «أمر الباشا ببناء قصر جديد له وحده إلى جوار هذا الموقع (يقصد الإسكندرية)، وهو ينوى في الأيام القليلة القادمة الرحيل إلى القاهرة على متن السفينة البخارية لايجيتسيانو التي تم تشييدها في ليفربول على يد السيد أنيبالى دي روسيتي قنصل توسكانا العام، ويبلغ طولها 122 قدما إنجليزيا، وقوتها 60 حصانا، وبها مخزون من الفحم يكفي لثمانية أيام، ولا تزن إلا ثلاثة أقدام ماء فقط، ومع إنها بسيطة إلا أنها في الوقت نفسه فائقة الجمال».
السفينة ليفربول في عصر محمد علي واهتزاز مصر
الصدفة القدرية أن السفينة ليفربول في عصر محمد علي باشا التي ألهمته بناء الأسطول البحري، كانت سببًا في تقويض مشروعه، إذ تحركت لحصار مصر قبيل معاهدة لندن سنة 1840 م، وعند تحركها اهتزت القاهرة منها لأنها كانت قطعة حربية، وقد أرسل الباشا إلى قائدها يقول له «أنا لست عدوًا لانجلترا، فإن عدوي هو اللورد بالمرستون وزير الخارجية».
تشير شيرين إسماعيل أحمد في كتابها «الموجز في تاريخ سلطنة عمان القديم والحديث» أن السلطان سعيد بن سلطان أهدى البارجة ليفربول التي كانت تحمل 74 مدفعا إلى وليم الرابع ملك انجلترا عام 1836 م.
جاء إهداء البارجة ليفربول في عصر محمد علي باشا للملك وليم الرابع كون الأخير عشق البحر لدرجة جعلت المؤرخين البريطانيين يطلقون عليه لقب الملك البحار، وأطلق وليم على البارجة اسم (الإمام) تكريماً لمهديها.
ذكر براين لافري في الجزء الأول من كتابه عن السفن الملكية البريطانية أن السفينة كانت الدرجة الثالثة على متن سلاح البحرية الملكية، وقدمها السلطان سعيد إلى الملك وليام في 9 مارس 1836 وسماها الإمام بينما أطلق عليها ضباط انجلترا اسم إتش إم إس إيمون، وبقيت صالحةً للأعمال العسكرية حتى عام 1842 م ثم دخلت أعمال الميناء التجاري لحين العام 1863 م.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال